على الرغم من أن ثقافة “الوقاية خير من العلاج” ثقافة عربية وإسلامية أصيلة، لا يذهب الشخص إلى الأطباء في مجتمعاتنا العربية إلا عندما يشعر بأعراض المرض، بعد حدوث تغيرات بيولوجية أو فسيولوجية تؤثر على صحته العامة، وذلك على عكس ما يحدث في العالم المتحضر حيث يذهب الناس لإجراء “الفحوصات الدورية” مرة كل عامين على الأكثر، لتشخيص الأمراض قبل ظهورها، ومحاولة البحث عن علاج ناجع لها قبل تفاقم الأعراض إلا ما لا يحمد عقباه بعد فوات الأوان.
ولكن الطب الحديث يوفر العديد من وسائل الفحص والوقاية ، ومنها الأشعة التشخيصية التى تستخدم لتشخيص الأمراض المختلفة من خلالها، فالتشخيص هو الوسيلة التى يتبعها المتخصص من اختبارات وفحوصات وفقاً لأعراض معروفة ومحددة لتأتى المرحلة التالية من تقديم العلاج، ومن ضمن هذه الأنواع “الأشعة المقطعية” بالكمبيوتر لتي تتم بسقوط شعاع ضيق من الأشعة خلال الجسم ليتم التقاطه، ثم يقوم الكمبيوتر بتحليل المعلومات لتشكيل صورة أفقية يمكن تخزينها ووضعها على الشاشة وكذلك طبعها على فيلم، بالإضافة إلى ذلك يمكن عمل صورة “ثلاثية الأبعاد” بمجموع الصور الفردية المتتالية.
وعند إجراء الفحص “بالأشعة المقطعية” يستلقى المريض على سطح مستقيم ويمر داخل أنبوب الأشعة (جانترى) وفى بعض الفحوص يعطى المريض صبغة (الصبغة من خلال الوريد وكذلك الفم أو الشرج)، ويعطى تعليمات بواسطة “انتركم” لحبس النفس دورياً وعدم الحركة، وعند بدء الفحص يتحرك سرير الفحص حركات صغيرة متتالية فى أجهزة حديثة حلزونية، ويتم الفحص بواسطة حركة مستمرة ثابتة وأشعة مستمرة غير متقطعة لفترة قصيرة لا تزيد على دقيقة فى أغلب الفحوص، أما في أحدث التقنيات وهى الملتقطات المتقدمة يصورالجسم كله فى أقل من 30 ثانية، ويستعد المريض لتلك الفحوصات بالامتناع عن تناول الطعام لمدة 4-6 ساعات، وخلع أية حلى معدنية ولبس “جاون” ( وهو نوع من الملابس الطبية الفضفاضة).
يتميز الفحص بالأشعة المقطعية بأنه لا يسبب ألماً عدا بعض الضيق للثبات على السرير أو بعض “الحرقان” في بداية حقن الصبغة خلال الوريد والاحساس بطعم معدنى وسخونة بالجسم، وتساعد الصبغة الوريدية على إظهار الأوعية الدموية وتحديد أوضح للأورام، وفي بعض الأوقات تؤخذ العينات وتوضع مناظير وأنابيب البزل بمساعدة الأشعة المقطعية بالكمبيوتر.
ويحذر الأطباء من استخدام تلك النوعية من الفحوصات للسيدات في فترة الحمل وخاصة على منطقة البطن، ويمكن استخدام وسيلة بديلة كالموجات فوق الصوتية، كما تحدث بعض المضاعفات نتيجة حقن الصبغة الوريدية فى بعض المرضى الحساسين “للأيودينو”، وفى حال ضرورة إجراء الفحص يمكن أخذ مضادات حساسية ومثبطات لجهاز المناعة قبل إجراء الأشعة.
وينصح الأطباء بإجراء مجموعة من الفحوصات بشكل دوري بواسطة الموجات فوق الصوتية و”الدوبلر” الملون والأشعة العادية، حتى لو كان الشخص لا يعاني من أي مشاكل صحية، ويفضل إجراء تلك الأشعة كل عامين حتى لا تتفاقم أية مشكلة موجودة، وذلك للاكتشاف المبكر للتغيرات والأمراض كى يمكن العمل على الوقاية المبكرة منها، ولخص المتخصصون هذه الفحوصات في التالي:
الفحوصات الخاصة بالسيدات:
1- فحوص عامة: الموجات فوق الصوتية على البطن والحوض وذلك لاحتمال وجود بعض الأمراض التى لا تؤدى لشكوى معينة إلا فى وقت متأخر جداً مثل: أمراض الكلى والكبد والغدد الليمفاوية وكذلك حصوات المرارة والكثير من الأورام.
2- فحوص ما قبل الزواج: الموجات فوق الصوتية على البطن والحوض وذلك لفحص الغدة فوق الكلوية والأمراض المزمنة، وكذلك فحص الرحم (من ناحية الأبعاد والوضع والنسيج المكون له وبطانته) والمبيضين (من ناحية الحجم والشكل) والبويضات.
3- فحوص ما بعد سن 35 عاما : فحص أشعة الثدى وذلك للاكتشاف المبكر لأورام الثدى قبل ظهورها الإكلنيكى بعامين على الأقل وسهولة علاجها الحاسم ويجرى كل عامين بعد سن 35 وكل عام بدءاً من سن 50 سنة.
4- فحوص ما بعد سن الـ45 : قياس كثافة العظام وذلك للاكتشاف المبكر لهشاشة العظام ومواجهة ذلك بالعلاج المناسب والوقاية من مضاعفات الهشاشة كالكسور وآلام الفقرات وانضغاطها.
5- فحوص أثناء الحمل: الموجات فوق الصوتية على الجنين ولها فوائدها المؤكدة للأم والجنين وإمكانية العلاج أثناء الحمل أو سريعاً بعد الولادة، وكذلك فحص “دوبلر” للساق للسيدات المعرضة للجلطة الوريدية.
الفحوصات الخاصة بالرجال:
1- فحوص عامة: موجات فوق الصوتية على البطن والحوض.
2- فحوص ما قبل الزواج: موجات فوق صوتية على البطن والحوض لتشخيص الأمراض المزمنة وفحص غدة “البروستاتا” من حيث الحجم والشكل. كذلك فحص “دوبلر” لدوالى الخصيتين ودوبلر على القضيب فى بعض الحالات.
3- فحوص ما بعد سن 40 عاما: موجات فوق الصوتية على “البروستاتا” من خلال الحوض وبعض الحالات من خلال الشرج لإمكانية علاج تضخم البروستاتا مثل الوصول لدرجة الاحتباس البولى والارتجاع فى المثانة والحالبين والكليتين، وكذلك الاكتشاف المبكر لأورام البروستاتا واستئصالها فى مرحلة مبكرة.
4- فحوص ما بعد سن 50 عاما : فحص أشعة الصدر (وخاصة للمدخنين والذين يعملون داخل أو بجوار المصانع الملوثة للبيئة) وذلك لاكتشاف بعص الأورام والأمراض التى تصيب الرئة والغشاء البللورى والتى لا تؤدى لشكوى المريض إلا فى مراحل متأخرة، وفحص “دوبلر” ملون لشرايين الرقبة لعلاج تصلب الشرايين مبكراً وقبل حدوث ضعف فى وصول الدم للمخ أو جلطات مفاجئة. وفحص “إكو” ملون على القلب لفحص حجرات القلب، ولتشخيص بعض أمراض ضيق الشرايين التاجية للوقاية من مضاعفاتها الخطيرة وعلاجها المكلف والصعب.
هناك تحذيرات طبية من استخدام بعض الأشعة والفحوصات للسيدات في فترة الحمل وخاصة في الاشهر الأولى إلا في حالات الضرورة القصوى، أما بخصوص التصوير الطبي والتشخيصي للحمل فيشتمل على عدة أقسام هي: أشعة إكس “X-Ray” وتضم الأشعة العادية (Plain) وبالصبغة بمختلف أنواعها، والأشعة المقطعية بالكمبيوتر (CT ) بمختلف أنواعها، وهي أيضا ممنوعة خلال الأشهر الأولى.
أما الموجات فوق الصوتية (US) للرجال والنساء معا فتشمل فحوص أجزاء الجسم العميقة بمجس 3.5 “ميجا هرتس” والسطحية بمجس 7.5 ميجا هرتس، وكذلك فحوص من خلال الشرج للبروستاتا ومن خلال الرحم والمبيضين، بالإضافة غلى فحص الأوعية الدموية والقلب بواسطة “الدوبلر” الملون الذي يتوافر بالأجهزة الحديثة حاليا، وهو يجري بشكل دوري ثلاث مرات على السيدات الحوامل، وبصورة مكثفة أكثر في بعض الحالات ولا يؤثر الفحص مطلقاً علي سلامة الأم أو الجنين خلال أكثر من ثلاثين عاماً منذ اعتماده طبيا في العالم كله.
وقد استحدث في الثمانينات من القرن الماضي ما يسمى بأشعة “الرنين المغناطيسي” (MRI) وهو فحص يوضح بصورة رائعة تفاصيل المخ والفقرات والمفاصل ويتميز أيضاً بعدم التعرض لأشعة إكس وكذلك تعدد المقاطع والتقنيات داخله، وهذا الفحص لا يؤثر علي الحمل ويكمن عيبه في تأثير حركة الجنين علي وضوح الصورة.
وهناك ما يسمى بـ ” المسح الذرى” (Isotope Scanning) ويستخدم في الأشعة التشخيصية والعلاجية ويعتمد على فكرة حقن مواد تظهر في أماكن معينة من الجسم لكشف الأمراض وهى ممنوعة تماما أثناء الحمل، وعلي الحامل عدم الاقتراب لمدة معينة بعد الفحص ممن أجرى هذا الفحص لتجنب الإشعاع الخارج منه.
وتتلخص أهمية الفحوصات بالموجات فوق الصوتية و”الدوبلر” أثناء الحمل في تحديد موعد بداية الحمل ومعرفة مكان الحمل والتأكد من أنه داخل الرحم وليس خارجه لتجنب مشاكل “الحمل خارج الرحم” مبكراً وتلافى خطورته، والتأكد من سلامة الأم والجنين معا (شكل الجنين داخل الكيس – النبض – بداية تكوين المشيمة)، وتحديد موضع المشيمة للوقاية من مضاعفات المشيمة الساقطة، وقياس عنق الرحم لإمكانية ربطه مبكراً في حالات اتساعه وتلافى الإجهاض المبكر، بالإضافة إلى متابعة نمو الجنين من خلال القياسات المختلفة كمقاس الرأس وعظمة الفخذ والبطن وكذلك الوزن، ومعرفة العيوب الخلقية مبكراً لإمكانية التدخل الطبي مبكراً لتلافى ازدياد وتطور الحالة إن لم تكتشف (ضيق الحالب – اتساع تجاويف المخ – تكيس الكليتين – ثغرات العمود الفقرى – والأورام المبكرة) .
وتساعد تلك الفحوصات أيضا في قياس كمية الدم في شريان الحبل السرى الداخل للجنين وكذلك الأورطى وشرايين المخ، وذلك للتصرف سريعاً في حالة وجود نقص بكمية الدم الواصل للجنين من خلال علاج الأم مبكراً من الضغط وخلافه أو تحديد أقرب موعد ممكن للولادة لتلافى حدوث مشكلات نتيجة نقص الدم والأكسجين، وتحديد كمية السائل الأمنيوتى المحيط بالجنين سواء بالزيادة أو النقصان المؤثر علي الجنين واكتشاف بعض الأمراض، وتحديد وضع الجنين قبل الولادة، بالإضافة إلى معرفة جنس الجنين، واكتشاف بعض الأمراض المصاحبة للحمل داخل أو خارج الرحم (الأورام المصاحبة للحمل – الاستسقاء بالبطن والفشل الكلوى في بعض حالات تسمم الحمل).
صلاح عبد الصبور