المجلةبنك المعلومات

الكتاب ليس مجرد وعاء .الإنجليز يعيدون اكتشاف العلاج بالقراءة

الكتاب ليس مجرد وعاء .الإنجليز يعيدون اكتشاف العلاج بالقراءة

“إن الكتاب ليس مجرد وعاء لنقل الأفكار، ولكنه وعاء يضع فيه القراء اسقاطات حياتهم، ذلك أن القارئ إنما يجسد ظواهره النفسية، طبقا للكتاب الذي يقرأه، وكل قارئ يفهم اسقاطاته وهو حتى لو لم يفهم الكتاب نفسه” !

هذه الكلمات هي البداية الحقيقة لما يعرف حاليا باسم علم “العلاج بالقراءة” الذي أسسه العالم الروسي “نيقولاس روباكن” في مطلع القرن العشرين، واضعا أسس وقواعد هذا النوع من العلاجات في كتابه الصادر عام 1904 بعنوان “البيليويوثيرابي- علم نفس القراءة” . وكانت كلمات “روباكن” سالفة الذكر هي البيان التاسيسي الأول لهذا العلم، الذي عاد – بقوة – إلى الساحة الطبية الدولية مؤخرا، ليحتل مساحة كبيرة من اهتمامات العالم مرة أخرى.

الكتاب ليس مجرد وعاء .الإنجليز يعيدون اكتشاف العلاج بالقراءة ففي تقرير لها، ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، أن مصحات العالم تعود إلى علاج مرضاها بالقراءة، بعد أن تراجع الاهتمام العالمي بهذا النوع من العلاج – نسبيا – في مطلع هذا القرن، إذ يوجد في بريطانيا حاليا نحو 50 مصحة تعالج نزلاءها عن طريق “علم نفس القراءة” وهناك مجموعات طبية متخصصة في هذا المجال، تستخدم الكتب كعلاج مساعد لبعض الأمراض النفسية والعصبية، وإعادة تأهيل المعاقين، وهي كتب من نوعية خاصة ومنتقاة بعناية ، حسب كل مجموعة على حده.

الكتاب ليس مجرد وعاء .الإنجليز هنا علاج الروح

الكتاب ليس مجرد وعاء .الإنجليز يعيدون اكتشاف العلاج بالقراءة يعتقد البعض أن الفيلسوف اليوناني “أفلاطون” هو أول من أشار إلى إمكانية علاج بعض العوارض النفسية عن طريق القراءة، مؤكدين أن “أفلاطون” كان سباقا في هذا الصدد، ولكن الحقيقة أن المصريين القدماء هم أصحاب السبق في استخدام القراءة لمداواة المرضى، وقد اكتشف علماء الأثار أنه توجد على جدران المكان المخصص للمكتبة في معبد “الكرنك” الشهير عبارة تقول “هنا علاج الروح”.

ويؤكد علماء المصريات أن المكتبات في مصر القديمة ، وهي غالبا ما كانت جزاءا من المعابد، استخدمت في معالجة حالات نفسية من قبيل ما يسمى ” المس الشيطاني” وذلك في معابد ” أندره” و ” أدفو” و” الكرنك” وسواها، فضلا عن أن التراث الفرعوني يحتوى على أمثولات وقصص تدعو إلى التفاؤل والإقبال على الحياة، ومن تلك العبارة المكتوبة على جدران البهو الرئيسي في معبد ” أبو سمبل” وهي تقول : ” لا تحزن وأنت على قيد الحياة” .

وكان للفيلسوف اليوناني ” أفلاطون” فضل تسجيل بعض الملاحظات المهمة في إطار ” العلاج بالقراءة” ، حيث أكد أن القراءة الجماعية بصوت عال أفضل واقعا من القراءة الصامتة، ومن اليونانيين القدماء إلى الرومان شهدت هذه الوسيلة العلاجية المساعدة قفزات نوعية ، حيث أوصى أطباء روما مرضاهم وخاصة ضحايا الحروب بقراءة كتب الملهاة الكوميدية وسواها .

وعودة إلى الشرق مرة أخرى، فقد لجأ المسلمون إلى القرآن الكريم كوسيلة لعلاج بعض الأعراض النفسية على وجه الخصوص، ففي القرن الـ 13 الميلادي كان مستشفى ” المنصور” بالقاهرة معروفا بأنه يرتب بعض قراء القرآن الكريم ليقرأوا للمرضى في طور النقاهة بعد العمليات الجراحية، أو لذوي العوارض العصبية مثل الذهان والصرع وسواها، وذلك لمدة تزيد عن 18 ساعة في اليوم الواحد.

روشتة من الكتب !

ينظر بعض العلماء إلى “البيليو ثيرابي” أو علم نفس القراءة باعتباره علاجا مساعدا، بينما يراه البعض الآخر علاجا في حد ذاته، وفي عام 1945 عشية نهاية الحرب العالمية الثانية شهد ” العلاج بالقراءة” عصرا ذهبيا، وقتها كان العالم يبحث عن مخرج من الأزمة الروحية الرهيبة التي عصفت به جراء مقتل عشرات الملايين من البشر في هذه الحرب الأكثر دموية في التاريخ.

وفي تلك الأثناء كان الأطباء في أوروبا يصفون الكتب في “روشتات” طبية للخارجين من جحيم الحرب، وكانت أكثر الكتب مبيعا هي كتب الفكاهة والأدب الساخر، إلى حد الاستعانة بكتاب ساخرين من أمثال ” جورج برنارد شو” لإلقاء محاضرات في المستشفيات العامة، وذلك في محاولة لحمل جرحى الحرب على نسيان أو ” تناسي” تجاربهم المؤلمة.

وفي هذا السياق يقول الدكتور ” محمد شعلان” استاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، وهو واحد من أول من مارسوا ” العلاج بالقراءة” في مصر بشكل علمي: نستطيع أن نطلق على هذه الوسيلة اسم “العلاج المعرفي” فبعض الاضطرابات النفسية ترجع إلى نوع من الخلل في خريطة الشخص المعرفية، ومن ثم قد يصاب بالوساوس التي تصل إلى حد العصاب أحيانا، وفي هذه الحالة يكون الهدف من العلاج عن طريق الكتب جزءا من العلاج النفسي بغية تغيير تفكير المريض السليب إلى تفكير إيجابي فعال، ولكن القراءة وحدها لا تكفي بل لابد من وجود برنامج علاجي متكامل.

ويذهب الدكتور ” صفوت غانم” استاذ علم النفس بجامعة حلوان بالقاهرة، إلى ابعد من ذلك؛ حيث يؤكد في تجربة علمية أنه أعطى نسخا من كتاب واحد هو ” كليلة ودمنة” إلى 25 مريضا من مرضاه، فنظر كل منهم إلى نفس الكتاب نظرة مختلفة، واسهمت القراءة في تحسن حالة نحو 20 شخصا منهم، كان بعضهم مصابا بالاكتئاب أو الخوف المرضي ” الفوبيا” سواء من الظلام أو الأماكن المرتفعة أو القلق النفسي، وكلها أعراض ليس من السهل تحقيق نتائج إيجابية في علاجها إلا بعد جلسات طويلة.

” شكسبير” والمضادات الحيوية

تنطوي العودة إلى “العلاج بالقراءة” في بريطانيا على معان كثيرة، حيث أعاد البريطانيون “اكتشاف” مثل هذه الطريقة القديمة، في سياق البحث عما هو “مابعد حداثي” في الفكر والحياة عامة، وغالبا ما يقود هذا إلى طريق “كلاسيكي” في التفكير هو روح “ما بعد الحداثة” التي تقود أوروبا برمتها إلى العودة للماضي، ومن الثقافة إلى السياسة وهو “الطب البديل” .

وفي هذا الصدد تقول “الجارديان” إن هناك اتجاها طبيا رائجا يدعو إلى إلاستغناء عن الكيماويات والمضادات الحيوية والعودة إلى الطبيعة، سواء الأدوية الطبيعية غير الكيماوية أو حتى الطبيعة البشرية نفسها، ولهذا السبب حقق برنامج علاجي تحت عنوان ” الدخول إلى القراءة ” نجاحات مبهرة في علاج الإدمان على المخدرات والكحوليات، بنسبة نجاح وصلت إلى 65 % تقريبا.

البرنامج الذي يقوده الدكتور “جان دافيز” استاذ الطب النفسي بجامعة ” وستمستر” ، يعتمد على ” كورس” علاجي من القراءة المكثفة يتم تطبيقه بدقة على المدمنين والسجناء ومرضى الاكتئاب المزمن، عن طريق تقسيمهم في مجموعات لا تزيد كل مجموعة منها عن 10 أشخاص لتحقيق نوع من الحميمية والتعاطف فيما بين أفراد المجموعة المستهدف علاجها، ويتم إعطاء المشاركين كتبا بعينها منها مسرحيات فكاهية لـ “برنارد شو” أو حتى تراجيديات لـ ” وليم شكسبير”، على أن يجري إعادة تفسيرها داخل المجموعة الواحدة بحيث يكتشف كل واحد من المشاركين كيف قرأ زميله المسرحية نفسها.

ويحكي الطاقم الطبي المساعد للدكتور “دافيز” عن “معجزات” وقعت خلال الكورس العلاجي، من قبيل دفع مريض بالإكتئاب منذ نحو 15 عاما إلى إلقاء “نكتة” قرأها هنا أو هناك، فضلا عن تسجيل حالات تعافي من “فوبيا الظلام” لدى مرضى نفسيين آخرين.

وتقول الطبيبة “آن ماري تراسي” إحدى المساعدان إن ” التركيز في القراءة هو العامل الحاسم، فالمريض قد لا يتسجيب للعلاج التقليدي أو يرفض الخضوع لهن لكنه سوف ينفعل مع شخصيات روائية بعينها ربما يكون قرأ عنها في طفولته المبكرة مثل ” روبنسون كروزو” أو ” شرلوك هولمز” وغيرهما.

وهكذا تحقق جلسات “العلاج بالقراءة” رواجا كبيرا في بريطانيا، ربما باعتبارها نوعا من العودة إلى الماضي أو شكلا من أشكال ” الطب البديل” فيعصر اصبح العالم فيه يبحث عن كل ما هو بديل !

طارق الديب

قدم لكم كم موقع موهبون الكتاب ليس مجرد وعاء .الإنجليز يعيدون اكتشاف العلاج بالقراءة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى