يمكننا ان ندعي ان تحديد مفهوم المصنف الرقمي سيبقى مثار جدل الى حين سيما وانه اصطلاح لم ينتشر بعد في حقل الدراسات القانونية ، وربما يحتاج تحديد مفهومه الى شجاعة فقهية ليطلق احد ما تعريفا او توصيفا له ويصار الى الحوار حوله تمهيدا للوصول الى راي غالب او اجماع حوله ، ولسنا من مدعي الريادية في التعامل مع المفاهيم القانونية ، لكننا نجد لزاما علينا في هذه الدراسة تحديدا ان نحدد مفهوم المصنف الرقمي من واقع دراساتنا ومعارفنا في حقل دراسات القانون وتقنية المعلومات ، وهو مفهوم مطروح للبحث والحوار وفي ذات الوقت الاطار الذي نعتمده لتحديد المصنفات الرقمية .
كلنا يعلم ان علم الحوسبة برمته قام على العددين (صفر وواحد) ، وان البرمجيات هي ترتيب لاوامر تتحول الى ارقام تبادلية ، وان نقل البيانات ، رموزا او كتابة او اصواتا عبر وسائل الاتصال انتقل من الوسائل الكهربية والالكترومغناطيسية والتناظرية الى الوسائل الرقمية ، وان الصورة وكذا الصوت والموسيقى والنص في احدث تطور لوسائل إنشائها وتبادلها اصبحت رقمية على نحو ما اوضحنا في القسم الاول من هذا الكتاب ، وحتى عنوان الموقع على الانترنت وكذا العنوان البريدي الالكتروني ، تتحول من العبارات المكتوبة بالاحرف الى ارقام تمثل هذه المواقع وتتعامل معها الشبكة بهذا الوصف . وصحيح انه لما يزل هناك تبادل تناظري لا رقمي ، فالقارئ الالي في نظام الكمبيوتر ( سكانر ) يدخل الرسم وحتى الوثيقة على شكل صورة وليس على شكل نص ، وصحيح ان العديد من المواقع على الانترنت واغلبها العربية ومواقع اللغات غير الانجليزية لما تزل تستخدم الوسائل التناظرية في تثبيت المواد على الموقع وليس الوسائل الرقمية . لكن الموقع نفسه ، وعبر مكوناته ، يتحول شيئا فشيئا نحو التبادل الرقمي لما يحققه من سرعة وجودة واداء فاعل قياسا بالوسائل غير الرقمية.
ومن الوجهة القانونية ، تعاملت النظم القانونية والدراسات القانونية والقواعد التشريعية مع مصنفات المعلوماتية بوصفها تنتمي الى بيئة الكمبيوتر ، وهو اتجاه تعبر عنه دراسات فرع قانون الكمبيوتر في النظم المقارنة ، وقد شملت هذه المصنفات ابتداء من منتصف اوائل السبعينات وحتى وقتنا الحاضر ثلاثة انواع من المصنفات :- البرمجيات ، وقواعد البيانات وطبوغرافيا الدوائر المتكاملة . وهي مصنفات جاءت وليدة علوم الحوسبة مستقلة عن علوم الاتصال وتبادل المعطيات وشبكات المعلومات ، ومع ظهور شبكات المعلومات ، والتي ارتبطت في الذهنية العامة بشبكة الانترنت كمعبر عنها وعن التفاعل والدمج بين وسائل الحوسبة والاتصال ، ظهرت انماط جديدة من المصنفات او عناصر مصنفات تثير مسألة الحاجة الى الحماية القانونية وهي :- اسماء النطاقات او الميادين او المواقع على الشبكة Domain Names ، وعناوين البريد الالكتروني ، وقواعد البيانات على الخط التي تضمها مواقع الانترنت ، تحديدا ما يتعلق بالدخول اليها واسترجاع البيانات منها والتبادل المتعلق بمحتواها الحاصل على الخط ، وهو تطور لمفهوم قواعد البيانات السائدة قبل انتشار الشبكات التي كان مفهوما انها مخزنة داخل النظام او تنقل على واسطة مادية تحتويها . ومادة او محتوى موقع الانترنت من نصوص ورسوم واصوات ومؤثرات حركية (يطلق على المؤثرات الصوتية والحركية لوسائط المتعددة – Multimedia ) ونحن نرى ان المصنف الرقمي يشمل كافة المصنفات المتقدمة ، فبرنامج الكمبيوتر من حيث البناء والاداء مصنف رقمي ، وقاعدة البيانات من حيث آلية ترتيبها وتبويبها والاوامر التي تتحكم بذلك تنتمي الى البيئة الرقمية ، وذات القول يرد بالنسبة لكافة العناصر المتقدمة ، وبالتالي نرى ان أي مصنف ابداعي عقلي ينتمي الى بيئة تقنية المعلومات يعد مصنفا رقميا وفق المفهوم المتطور للاداء التقني وفق اتجاهات تطور التقنية في المستثبل القريب ، وهذا لا يؤثر على انتماء المصنف بذاته الى فرع او آخر من فروع الملكية الفكرية ، ونقصد هنا ان اسماء النطاقات مثلا ينظر لها كاحد المسائل المتعين اخضاعها لنظام الاسماء والعلامات التجارية بسبب ما اثارته من منازعات جراء تشابهها بالعلامات والاسماء التجارية وتطابقها في حالات عديدة او لقيامها بذات المهمة تقريبا في البيئة الرقمية ، والبرمجيات وقواعد المعلومات حسم الجدل بشانها بان اعتبرت مصنفات ادبية تحمى بموجب قوانين حق المؤلف – مع وجود اتجاه حديث وتحديدا في امريكا واوروبا يعيد طرح نجاعة حمايتها عبر آلية حماية براءات الاختراع – وسيثير محتوى موقع الانترنت جدلا واسعا ، فهل تحمى محتوياته كحزمة واحدة ضمن مفهوم قانون حق المؤلف ، ام يجري تفصيل هذه العناصر ليسند اسم الموقع الى الإسماء التجارية وشعار الموقع الى العلامات التجارية – كعلامة خدمة مثلا – والنصوص والموسيقى والرسوم الى قانون حق المؤلف كمصنفات ادبية ؟؟؟
من الوجهة التاريخية ابتدأ التفكير بحماية اجهزة الكمبيوتر والاتصالات (المادية) بوصفها معدات ووسائل تقنية المعلومات ، فكان نظام براءات الاختراع هو النظام المتناسب مع هذا الغرض باعتبار براءة الاختراع ترد بشان مخترع جديد يتصف بالابتكارية والجدة وبالقابلية للاستغلال الصناعي. وتتمثل المصنفات الرقمية ببرامج الحاسوب ( الكمبيوتر ) وبقواعد البيانات وبالدوائر المتكاملة ، اما في بيئة الانترنت فتتمثل باسماء نطاقات او مواقع الانترنت ، وبمحتوى المواقع من مواد النشر الالكتروني نصوصا وصورا ومواد سمعية ومرئية ( الوسائط المتعددة ) .
1-2-1 برامج الحاسوب :-
تعد برامج الحاسوب اول واهم مصنفات المعلوماتية او تقنية المعلومات التي حظيت باهتمام كبير من حيث وجوب الاعتراف بها وتوفير الحماية القانونية لها ، والبرمجيات هي الكيان المعنوي لنظام الكمبيوتر دونها لا يكون ثمة أي فائدة للمكونات المادية من الاجهزة والوسائط وهي بوجه عام تنقسم من الزاوية التقنية الى برمجيات التشغيل المناط بها اتاحة عمل مكونات النظام معا وتوفير بيئة عمل البرمجيات التطبيقية ، وتمثل البرمجيات التطبيقية النوع الثاني من انواع البرمجيات وهي التي تقوم بمهام محددة كبرمجيات معالجة النصوص او الجداول الحسابية او الرسم او غيرها ، وقد تطور هذا التقسيم للبرمجيات باتجاه ايجاد برمجيات تطبيقية ثابتة وانواع مخصوصة من البرمجيات تزاوج في مهامها بين التشغيل والتطبيق ، هذا من ناحية تقنية مبسطة جرى ايضاحه تفصيلا في القسم الاول من هذا الكتاب ، اما من ناحية الدراسات والتشريعات القانونية فقد اثير فيها عدد من المفاهيم المتصلة بانواع البرمجيات ، ابرزها برمجيات المصدر وبرمجيات الالة والخوارزميات ولغات البرمجة وبرامج الترجمة ، ونعرض فيما يلي بايجاز لهذه المفاهيم :-
1- برنامج المصدر :-
هي الاوامر التي يضعها المبرمج او مؤلف البرنامج وتكون مدركة له لكنها غير مدركة للالة التي هي الكمبيوتر كجهاز مادي (وحدة المعالجة تحديدا) ويستخدم في تأليفها او وضعها لغات البرمجة التي شهدت تطورا مذهلا عبر السنوات الخمسين المنصرمة ، هذه اللغات التي تختلف من حيث سهولتها وتعقيدها ومن حيث فعاليتها في انجاز البرنامج للغرض المخصص له .
2- برنامج الالة :-
وهو عكس مفهوم برنامج المصدر تماما ، اذ تدركه الالة وتستطيع التعامل معه وتشغيله ، وبين برنامجي المصدر والالة توجد برامج ذات غرض تحويلي او ( برامج ترجمة ) بموجبها تتحول برامج المصدر الى برامج آلة .
3- الخوارزميات :-
العناصر والرموز الرياضية التي يتكون منها بناء البرنامج وهي كالافكار والحقائق العلمية ليست محل حماية لانها ليست موضعا للاستئثار ( مادة 9/2 من اتفاقية تربس ) لكنها متى ما نظمت على شكل اوامر ابتكارية لتحقيق غرض معين اصبحنا امام برنامج ، وهو بهذا الوصف ان توفرت له عناصر الجدة والابتكار والاصالة محل للحماية شانه شان أي من مصنفات الملكية الفكرية الادبية الاخرى .
وقد اثارت برامج الحاسوب جدلا واسعا في مطلع السبعينات بشان طبيعتها وموضع حمايتها من بين تشريعات الملكية الفكرية ، وترددت الاراء بين من يدعو لحمايتها عبر نظام براءات الاختراع لما تنطوي عليه من سمة الاستغلال الصناعي واتصالها العضوي بمنتج مادي صناعي ، وبين من ذهب الى حمايتها عبر نظام الاسرار التجارية اذ تنطوي في الغالب على سر تجاري يتجلى بالافكار التي انبنى عليها او الغرض من ابتكارها ، وبين داع الى حمايتها عن طريق الشروط العقدية التي تجد مكانها في رخص الاستخدام او اتفاقيات الاستغلال . لكن كافة هذه الاراء لم تصمد امام الراي الذي وجد في البرمجيات عملا ابتكاريا ادبيا ، يضعها ضمن نطاق مصنفات الملكية الادبية (حق المؤلف) اذ هي افكار وترتيب لخوارزميات تفرغ ضمن شكل ابتكاري ابداعي ، وسماتها وصفاتها المميزة تتقابل مع عناصر الحماية لمصنفات الملكية الادبية ، وبالرغم من استمرار وجود نظم قانونية توفر الحماية للبرمجيات عبر واحد او اكثر من الاليات المتقدم الاشارة اليها الا ان الاتجاه التشريعي الغالب اعتبرها اعمالا ادبية وحماها بموجب تشريعات حق المؤلف سيما بعد ان وضعت منظمة الوايبو القانون النموذجي او الارشادي عام 1978 بشأن حماية البرمجيات وبعد سلسلة اجتماعات خبراء الوايبو ومنظمة اليونسكو عامي 1983 و1985 التي اسفرت عن توجه عام لاعتبارها من قبيل الاعمال الادبية ، كما ان اتفاقية تربس اذ اعتبرتها كذلك واضافتها الى المصنفات الادبية والفنية محل الحماية بموجب اتفاقية بيرن (م 10/1 ) فيكون الاتجاه الدولي قد حسم لصالح هذا الموقف .
ووفق اتفاقية تربس فان البرمجيات محل للحماية سواء اكانت بلغة الالة ام المصدر(م 10/1) ولمؤلفها كافة الحقوق المالية والمعنوية لمصنفات حق المؤلف اضافة الى حقه في اجازة او منع تأجيرها – شأنها شأن التسجيلات الصوتية والمرئية (م 11) ، ويستثنى وفق هذه المادة حالة التأجير التي لا يكون فيها البرنامج الموضوع الاساسي للتأجير . واما بخصوص مدة الحماية فانها تمتد الى 50 عاما محسوبة على اساس حياة الشخص الطبيعي فان لم تكن كذلك فمن نهاية السنة التي اجيز فيها النشر او تم فيها انتاج العمل (م 12 تربس) .
1-2-2 قواعد البيانات Database :-
قواعد البيانات هي تجميع مميز للبيانات يتوافر فيه عنصر الابتكار او الترتيب او التبويب عبر مجهود شخصي باي لغة او رمز ويكون مخزنا بواسطة الحاسوب ويمكن استرجاعه بواسطتها ايضا .
ومناط حماية قواعد البيانات – بوجه عام – هو الابتكار كما عبرت عنه الاتفاقيات الدولية في هذا الحقل ، فالمادة 10/2 من اتفاقية تربس نصت على انه :- تتمتع بالحماية البيانات المجمعة او المواد الاخرى سواء كانت في شكل مقروء آليا او أي شكل آخر اذا كانت تشكل خلقا فكريا نتيجة انتفاء وترتيب محتواها ، كما نصت المادة 5 من الاتفاقية العالمية للملكية الفكرية لسنة 1996 – غير نافذة – على انه :- تتمتع مجموعات البيانات او المواد الاخرى بالحماية بصفتها هذه ايا كان شكلها اذا كانت تعتبر ابتكارات فكرية بسبب محتواها او ترتيبها . لكن لا تجرى كافة النظم القانونية والقوانين على هذا النهج ، فالتوجيهات الصادرة عن الاتحاد الاوروبي في 11/3/1996 والقانون الفرنسي الصادر في عام 1998 لا يشترطان شرط الابتكار لحماية قواعد البيانات ، بل يكفي ما بذل من جهد مالي او بشري او مادي وما انفق من اجل اعداد قاعدة البيانات وسندا لذلك فان القانون الفرنسي المشار اليه يحمي قواعد البيانات لمدة خمس عشرة سنة ويحظر أي اعادة استعمال سواء لجزء او لمادة كلية من قاعدة البيانات عن طريق توزيع نسخ او الايجار او النقل على الخط ويحظر النقل الكلي او الجزئي – الجوهري – من محتوى قاعدة البيانات باي شكل ، متى كان الحصول او تقديم هذا المحتوى فد استلزم استثمارات جوهرية كما وكيفا ، وسواء اكان النقل دائما ام مؤقتا على دعامة باي وسيلة او تحت أي شكل .
والابتكار يستمد اما من طبيعة البيانات نفسها واما من طريقة ترتيبها او اخراجها او تجميعها او استرجاعها ، ومحتوى البيانات في حد ذاته لا يعتبر عملا ابتكاريا ، ومن هنا فان الابتكار لا يتحقق الا اذا عكست قاعدة البيانات سمات شخصية لواضعها ، وقد قضت محكمة ( نانت ) التجارية الفرنسية في عام 1998 بان الابتكار الذي يتعلق بقاعدة بيانات على الانترنت يقتضي توافر جهد جاد في البحث والاختيار والتحليل والذي عندما يقارن بمجرد التوثيق تظهر اهمية الجهد المبتكر للعمل [مشار الى هذا القرار في مؤلف جينشار وآخرين ، الانترنت والقانون ، منشورات مون كريستان ، 1999 باريس ، ص 192 ] اما قضاء محكمة النقض المصرية فانه يتوسع في مفهوم الابتكار ، فقد قضت محكمة النقض المصرية عام 1964 بان فهرسة احدى كتب الاحاديث النبوية يعد عملا ابتكاريا لانه يكفي ان يكون عمل واضعه حديثا في نوعه ويتميز بطابع شخصي خاص وانه يعتبر من قبيل الابتكار في الترتيب او التنسيق او باي مجهود آخر ان يتسم بالطابع الشخصي.[ نقض مدني في 7 يوليو 1964 – مجموعة النقض المدني المصري سنة 1964 ، ص 920 . ]
وعليه ، فان البيانات او المعلومات المخزنة في نظم الحواسيب ( بشكل مجرد) ليست محل حماية ، كما بالنسبة للقوانين والانظمة وقرارات القضاء مثلا ، لكنها متى ما افرغت ضمن قاعدة بيانات وفق تصنيف معين وبآلية استرجاع معين ومتى ما خضعت لعملية معالجة تتيح ذلك فانها تتحول من مجرد بيانات الى قاعدة معطيات ، وينطوي انجازها بهذا الوصف على جهد ابتكاري وابداعي يستوجب الحماية ، وبتزايد اهمية المعلومات ، ولما حققته بنوك المعلومات من اهمية قصوى في الاعمال والنشاط الانساني بوصفها امست ذات قيمة مالية كبيرة بما تمثله ، وباعتماد المشروعات عليها ، ولتحول المعلومة الى محدد استراتيجي لرأس المال ، بل ان البعض يراه مرتكزا لا محددا فقط ، نشط الاتجاه التشريعي في العديد من الدول لتوفير الحماية القانونية لقواعد البيانات ( انظر جدول 1 ) .
والاعتراف لقواعد البيانات بالحماية جاء وليد جهد واسع لمنظمة الوايبو ولمجلس اوروبا الذي وضع عام 1996 قواعد ارشادية وقرارا يقضي بالنص على حماية قواعد البيانات ضمن قوانين حق المؤلف .
مثلت اشباه الموصلات فتحا جديدا ومميزا في حقل صناعة الالكترونيات وتطوير وظائف التقنية العالية اعتبارا من منتصف القرن المنصرم ، ومع تطور عمليات دمج الدارات الالكترونية على الشريحة للقيام بمهام ووظائف الكترونية اصبح التميز والخلق الابداعي يتمثل بآليات ترتيب وتنظيم الدوائر المدمجة على شريحة شبه الموصل ، بمعنى ان طوبوغرافيا الشريحة انطوى على جهد ابداعي مكن من تطوير اداء نظم الحواسيب بشكل متسارع وهائل وبالاعتماد على مشروع قانون الحماية التي اعدته اللجنة الاوروبية اصدر مجلس اوروبا عام 1986 دليلا لحماية الدوائر المتكاملة بغرض توفير الانسجام التشريعي بين دول اوروبا بهذا الخصوص ، وفي عام 1989 ابرمت اتفاقية واشنطن بشان الدوائر المتكاملة ( أي المنتجات التي يكون غرضها اداء وظيفة الكترونية ) ووفقا لاحصاء 1999 فان عدد الدول الموقعة على هذه الاتفاقية 8 دول ليس من بينها سوى دولة عربية واحدة هي مصر ، ولم تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بعد ، لكن تنظيم اتفاقية تربس لقواعد حماية الدوائر المتكاملة( المواد 35 – 38 ) ساهم في تزايد الجهد التشريعي في هذا الحقل باعتبار ان من متطلبات العضوية انفاذ موجبات اتفاقية تربس التي من بينها اتخاذ التدابير التشريعية المتفقة مع قواعدها ومن بينها طبعا قواعد حماية الدوائر المتكاملة . ويظهر الجدول رقم 1 التدابير تشريعية المتخذة من مختلف دول العالم بشان حماية الدوائر المتكاملة .
من الوجهة القانونية تثير الانترنت العديد من المشكلات على نحو مستقل عن عالم الحوسبة والاتصالات ، وان كانت هذه المشكلات في حقيقتها تمثل جزءا من مشكلات تقنية المعلومات برمتها ومثارة في بيئتها ، ويمكن تاطير هذه المشاكل ضمن ثلاث طوائف :-
الاولى :- مشكلات عقود الانترنت ابتداء من عقود الاشتراك في الخدمة مرورا بالعقود ذات المحتوى التقني ، وعقود الجهات ذات العلاقة بمواقع الانترنت او عقود المستخدمين مع المواقع بما فيها عقود طلب الخدمات والتسوق الالكتروني وعقود الخدمات المدفوعة والمجانية كعقود البريد الالكتروني ورخص استخدام وتنزيل البرامج وعقود ورخص نقل التكنولوجيا وغيرها من العقود التي تقع في نطاق العقود الالكترونية او العقود المبرمة عبر المراسلات الالكترونية . والجامع المشترك بين هذه العقود والتصرفات المتصلة بالانترنت انها تتعلق بالتنظيم القانوني للتعامل مع الانترنت وعبرها.
والثانية :- مشكلات حماية حقوق المستخدمين والمتعاملين في بيئة الانترنت وتضم حقوق المستهلك بوجه عام وحماية الحق في الحياة الخاصة وحماية حقوق الملكية الفكرية في بيئة الانترنت .
اما الثالثة :- فتتصل بمشكلات امن المعلومات سواء بالنسبة لمواقع الانترنت او انظمة المستخدمين .
اما عن الطائفة الاولى فان محل تناولها دراسات الاعمال الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والبنوك الإلكترونية ، وبالنسبة للطائفة الثانية ، فان موضع دراستها يستتبع الفرع محل الدراسة ، فدراسة حماية الحياة الخاصة مناطه دراسات حقوق الانسان وتاثرها بتقنية المعلومات او الدراسات الجنائية الخاصة بامن العلومات محل دراسة الطائفة الثانية المشار اليها ، ودراسة حماية المستهلك يكون مناطه الدراسات القانونية في حقل ميادين حماية المستهلك من المخاطر الاقتصادية والصحية والثقافية والاجتماعية وغيرها . وبالنسبة لحماية حقوق الملكية الفكرية في بيئة الانترنت فان محل تناولها دراسات الملكية الفكرية عموما ودراسات حق المؤلف على وجه الخصوص . اما الطائفة الثالثة فان محل تناولها دراسات امن المعلومات وجرائم الكمبيوتر والانترنت والاتصالات ،
والحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في بيئة الانترنت تثير التساؤل ابتداء بشان تحديد حقوق الملكية الفكرية في بيئة الانترنت ، وتحديد المصنفات محل الحماية ، واستقصاء الحماية اللازمة لمواجهة الاعتداءات والمخاطر التي تعترض هذه الحقوق ، وتقييم ما اذا كانت القواعد القائمة ضمن تشريعات الملكية الفكرية او غيرها من التشريعات كافية لتوفير الحماية لهذه الحقوق ام ان هناك ثمة حاجة لتشريعات خاصة بالمصنفات محل الحماية في بيئة الانترنت ، وهذه المسائل لما تزل مثار جدال ومحل بحث ، ونعرض فيما يلي لابرز المسائل المتصلة باسماء النطاقات والنشر الالكتروني والوسائط المتعددة او محتوى الموقع كمقدمة لدراسات اكثر تعمقا فيما تثيره هذه الموضوعات من اشكالات قانونية .
اسماء نطاقات ( عناوين ) الانترنت Domain names
اسم النطاق أو الميدان أو الموقع ( دومين نيم – Domain name ) هو في الحقيقة عنوان إنترنت ، فالهاتف له رقم معين ( مثل 555555-6-0096) والعنوان البريدي له رقم صندوق مميز ورمز منطقة مميز ( وسط البلد ص.ب 2325 رمز 11118 ) وللإنترنت أيضا عنوان مميز مثل ( www.arablaw.org )
ويتكون الدومين نيم من أجزاء متعددة . الجزء الأكثر أهمية ومعرفة من قبل المستخدمين هو ما يعرف باسم النطاق الأعلى( top-level Domains ) وهو الجزء الأخير من العنوان ( com) وتدل على الشركات التجارية ، (edu) وتدل على مؤسسات التعليم ، (gov) وتدل على المواقع الحكومية ، ( net ) وهي الشبكات وعادة ما تقدم خدمات عامة ، (mil) وهي للجيش الأمريكي (org) وهي للمنظمات .
أما الجزء الثاني من اسم النطاق ، وهو على يسار اسم النطاق الأعلى ( أو الجزء المتوسط بين ثلاثة أجزاء ) فهو اسم أو رمز أو اختصار المؤسسة أو الشخص أو الجهة صاحبة الموقع ( CNN ) مثلا أو ( Arablaw ) …الخ
وقد احتدم النزاع حول أسماء نطاقات الانترنت ، ومعمارية شبكة الانترنت والجهات التي تسيطر عليها ، وستكون مسائل اسماء المواقع اكثر المسائل اثارة للجدل التنظيمي والقانوني في الفترة القريبة القادمة ، وقد حسم جانب من الجدل مؤخرا حول اضافة مميزات جديدة للميزات المشهورة (com,net,org,gov,edu ) وذلك باقرار اضافة سبعة مميزات اخرى [INFO BIZ , PRO, NAME, AERO, COOP, MUSEUM, ] ، ويرجع الخبراء مشكلات اسماء النطاقات في بيئة الانترنت الى استراتيجيات الشركات الكبرى في هذا الشأن ، فهي التي قادت لواء معارضة توسيع اسماء النطاقات ، حماية لأسمائها التجارية ، بل وتشكو في الوقت ذاته ، من صعوبة السيطرة على النظام الحالي فهذه الشركات تخشى من أن تضطر لتسجيل مئات من عناوين المواقع على شبكة ويب ، تفاديا للوقوع فريسة ” المتوقعين الفضائيين” cybersquatters ، الذين يعتمدون على التوقعات لكسب الاموال ( مثل ما يحدث في سوق العلامات التجارية والمضاربات المالية ) ، والذين يقومون ، في عصر الانترنت ، بحجز أسماء نطاقات شائعة الاستعمال ، لبيعها مستقبلا لمن يرغب .
غير أن المسألة ليست مقتصرة على هذا الجانب وحده ، اذ توجد مسائل تقنية تستدعي الاجابة عليها ، مثل : كم عنوانا يلزم اضافته ؟ وأي منها ؟ ومن الذي يتحكم بها ؟ ومن يبيع العناوين الجديدة ؟ ومن الذي سيفصل في النزاعات التي ستنشأ ؟
لقد اوجدت الحكومة الامريكية في عام 1998 ، مؤسسة تسجيل اسماء وأرقام انترنت Internet Corporation for Assigned Names and Numbers – ICANN ، وهي منظمة غير ربحية ، مقرها في لوس انجلوس ، للاشراف على نظام أسماء النطاقات على انترنت ، غير أن ICANN تورطت منذ انشائها ، في نزاع مكلف ومرير ، حول ميثاقها ، بشأن السماح لشركات جديدة ببيع أسماء نطاقات شبكة ويب ذات الامتداد .com و .net و .org وهي عملية مدرة للارباح كانت مقيدة حصرا بشركة Network Solutions Inc ، بموجب عقد لها مع الحكومة الامريكية . وقد توصلت شركة Network Solutions ، ومنظمة ICANN ، الى تسوية خلافاتهما ، بموجب اتفاقية ، تحتفظ بموجبها Network Solutions ، بقائمة أساسية لأسماء النطاقات التجارية الحالية على شبكة ويب ، مدة اربع سنوات اخرى مقابل دفع مبلغ لمنظمة ICANN .
ان السنوات القليلة القادمة ستشهد حربا طاحنة بشان سياسات التعامل مع عناوين المواقع على الانترنت وكما تذهب المعالجات والدراسات الاستراتيجية التي تنشر يشكل مكثف على شبكة الانترنت ، فان من يسيطر على مقدرات هذا الموضوع سيسيطر على طريق المعلومات السريع .
وتعمل شركات عالمية في حقل تسجيل المواقع اضافة الى خدمات استضافتها وتصميمها ، اما المواقع التي تنتهي باسم الدولة فتختص بها جهة واحدة اضافة الى هيئة معنية في الدولة ، ونشارك البعض اعتقادهم ان تاسيس هيئة ICANN خطوة للتمهيد الى خلق ما يسمى حكومة الانترنت التي ستسيطر على مقدرات طريق المعلومات السريع وتتحكم بمصادر المعلومات في العالم .
وحتى الان لا توجد ثمة تشريعات شاملة ناظمة لمسائل اسماء النطاقات وما اثارته من اشكالات قانونية خاصة عندما يكون الاسم مطابقا او مقاربا او مشابها لاسم تجاري او علامة تجارية – طبعا اذا ما استثنينا القواعد التشريعية التنظيمية للخدمات التقنية على الخط ومعايير تقديمها وقواعد حماية المستخدم من مخاطر المحتوى الضار التي سنتها العديد من الدول الغربية – ، الا ان القضاء الاوروبي وتحديدا في فرنسا تصدى لنظر عدد من الدعاوى بهذا الخصوص ، لكن مناط التطبيق بشانها كان قوانين العلامات التجارية وقواعد حماية العلامات التجارية وليس قواعد قانونية خاصة باسماء النطاقات ، وقد اثير في هذه الدعاوى مسائل التشابه بين اسم النطاق والعلامة التجارية للغير او الاسم التجاري للغير ، وظهر جليا من هذه الدعاوى ان التحدي القريب القادم سيكون في حقل ايجاد قواعد قانونية تنظم تسجيل اسماء النطاقات وتصنيفها وعلاقتها بالعلامات والاسماء التجارية . وتعد الاستراتيجية التي انجزنها منظمة الوايبو في حقل اسماء النطاقات ، وما تقوم به من نظر مثل هذه المنازعات عبر مركز التحكيم والوساطة التابع للمنظمة الجهد الاميز نحو بناء نظام قانوني لاسماء المواقع وسنعمد – على نحو تفصيلي – الى بيان ما يتصل بهذه الاستراتيجية ومحتواها وسياسات فض منازعات اسماء المواقع والعلامات التجارية في الكتاب الثالث من هذه الموسوعة.
النشر الالكتروني والوسائط المتعددة ( محتوى مواقع الانترنت)
الانترنت ، بوصفها طريقة اتصال تتيح تبادل المعلومات ونقلها بكافة صورها ، مكتوبة ومرئية ومسموعة ، وباعتبارها ليست مجرد صفحات للمعلومات بل مكانا للتسوق وموضعا للاعمال والخدمات ، وفضاء غير متناه من الصفحات لنشر الاخبار والمعالجات والمؤلفات والابحاث والمواد ، فان محتوى مواقعها يتضمن الاعلان التجاري والمادة المؤلفة والبث المرئي ، والتسجيل الصوتي و…. الخ ، وهذا يثير التساؤلات حول مدى القدرة على حماية حقوق الملكية الفكرية على ما تتضمنه المواقع ، والذي قد يكون علامة تجارية او اسما او نموذجا صناعيا او مادة تأليفية او مادة اعلان فنية او رسما او صورة او … الخ .
ليس ثمة اشكال يثار في حالة كان محتوى الموقع مصنفا او عنصرا من عناصر الملكية الفكرية التي يحظى بالحماية بشكل مجرد بعيدا عن موقع الانترنت ، كعلامة تجارية لمنتجات شركة ما تتمتع بالحماية استخدمتها الشركة على موقعها على الانترنت ، فما ينشر على الموقع هو بالاساس محل حماية بواحد او اكثر من تشريعات الحماية في حقل الملكية الفكرية ، لكن الاشكال يثور بالنسبة للمواد والعلامات والاشكال والرسومات التي لا يكون ثمة وجود لها الا عبر الموقع ، وبشكل خاص عناصر وشكل تصميم الموقع والمواد المكتوبة التي لا تجد طريقا للنشر الا عبر الخط ( أي على الانترنت ) ، ان هذه الاشكالات لما تزل في مرحلة بحث وتقصي واسعين من قبل خبراء القانون والملكية الفكرية في مختلف الدول ، سيما بعد شيوع التجارة الالكترونية وانجاز العديد من الدول قوانين تنظمها ، باعتبار ان احد تحديات التجارة الالكترونية مسائل الملكية الفكرية ، وفي هذا الصدد فانه من المفيد الاشارة الى ان لجنة التجارة الدولية في هيئة الامم المتحدة (اليونسترال) قد وضعت مشروع قانون نموذجي للتجارة الالكترونية عام 1996 اعتمد اساسا لصياغة ووضع العديد من التشريعات الاجنبية المنظمة للتجارة الالكترونية ، لكن هذا القانون النموذجي لم يتعرض لمسائل الملكية الفكرية المثارة في بيئة التجارة الالكترونية لما تنطوي عليه من اشكاليات وتناقضات حادة.
اما بالنسبة للوسائط المتعددة المستخدمة على نحو متنام في ميدان بناء ومحتوى مواقع الانترنت ، فانه يقصد بها وسائل تمثيل المعلومات باستخدام اكثر من نوع من الوسائط مثل الصوت والصورة والحركة والمؤثر ويتميز هذا المصنف – ان جاز اعتباره كذلك – بمزج عدة عناصر :- نص ، صورة ،صوت ، وتفاعلها معا ،عن طريق برنامج من برامج الكمبيوتر ، وتسوق تجاريا عن طريق دعامة مادية مثل الدسك او السي دي ( CD) او يتم توزيعها او انزالها عن طريق خط الاتصال بشبكة الانترنت ، ويرى جانب من الفقه ان هذه المصنفات محمية بموجب القواعد العامة لحماية المصنفات الادبية دون حاجة لافراد قواعد جديدة ، باعتبارها – لدى البعض – تتميز بتدخل برنامج كمبيوتر يسمح بالتفاعل بين وسائل التعبير المتعددة ( وبرنامج الكمبيوتر محل حماية ) او لانها بمفرداتها محل حماية باعتبار هذه المفردات من المصنفات الادبية اصلا :- المواد المكتوبة ، المواد السمعية والمرئية ، الاداء .. الخ . وكلما توفر فيها عنصر الابتكار تحقق شرط الحماية المطلوب لحماية المصنفات الادبية . او باعتبارها من قبيل قواعد البيانات المحمية بموجب نصوص صريحة .
والابتكار في ميدان الانترنت ليس شرط حماية فقط ، بل عنصرا رئيسا في وجود الموقع وتحقيق النجاح والقدرة على المنافسة ، ويظهر الابتكار في تصميم صفحة الويب (الموقع) وما تتضمنه من رسومات او ما يصاحبه من موسيقى او عناصر حركية كما يتوفر الابتكار في المواد الصحفية والتقارير الاخبارية المنشورة عبر الانترنت
ان موضوع حق المؤلف والبيانات الرقمية Copyright and Digital Data لا يزال في نطاق البحث والتقصي ، ومع ذلك فقد انجز الكثير منه في الوقت الحاضر سواء على المستوى الدولي ام الوطني ، وتهيء اتفقيتا المنظمة العالمية للملكية الفكرية بشان حق المؤلف والحقوق المجاورة لعام 1996 الى الانطلاق نحو بناء نظام قانوني لحماية المحتوى الرقمي ، وهو ما سنتناوله تفصيلا في الكتاب الثالث من هذه الموسوعة . ونكتفي في هذا المقام بالقول ان أحد اكثر الأخطاء الشائعة في حقل قانون الكمبيوتر أن حق المؤلف لا ينطبق على البيانات الرقمية ( Digital Data ) وتحديدا في بيئة الإنترنت . ان قوانين حق المؤلف قد تنطبق على بيئة الإنترنت وفقا للنظام القانوني مدار البحث وثمة جهد دولي واسع لتمتد الحماية للبيئة الرقمية تماما كما تحققت في عالم الموجودات والحسيات ، وليس معنى تخلف الحماية واحيانا الجدل حول توفرها اهدار حق المؤلف مثلا في بيئة الانترنت ، فحتى في بيئة الإنترنت ، فانك لا تزال بحاجة الى إذن المؤلف (Author’s permission)
ان حماية البرمجيات وقواعد البيانات وطوبوغرافيا الدوائر المتكاملة ، كان واحدا من اهتمامات المؤسسات التشريعية في العديد من الدول منذ الثمانينات ( وبعضها قبل ذلك ) ، وتعد موجة التشريع في حقل حماية هذه المصنفات الموجة الثالثة لتشريعات عصر المعلومات او ما يطلق عليه قانون الكمبيوتر سبقتها – كما اوضحنا في الفصل الاول – تشريعات حماية البيانات الخاصة (الخصوصية) وتشريعات جرائم الكمبيوتر .
وقد خضعت تشريعات الملكية الفكرية في هذا الحقل الى العديد من التعديلات الناجمة عن ضرورة التقاطع والتواؤم مع الطبيعة المتغيرة والسريعة لحقائق وابتكارات عصر المعلومات، الذي كانت سمته التحولات الدراماتيكية في زمن قياسي .
ان الوقوف التفصيلي على محتوى هذه التشريعات واتجاهات الحماية وقواعدها سيكون موضوع الكتاب الثالث من هذه الموسوعة ، ونكتفي في هذا المقام بابراز ما اظهره البحث التحليلي بشان السمات العامة لهذه التشريعات ، وتعداد قائمة القوانين الوطنية التي تناولت بالمعالجة والتنظيم الحماية القانونية لمصنفات المعلوماتية المذكورة ، وتسهيلا للعرض فاننا نظمنا جداول تحدد السمات العامة والمحتوى العام لتشريعات حماية البرمجيات وقواعد البيانات والدوائر المتكاملة وقائمة بهذه التشريعات على نحو ما انتهجنا بالنسبة لبقية موضعات قانون الكمبيوتر (انظر الجدول رقم 1 وتفرعاته) . اما بالنسبة للنشر الالكتروني واسماء المواقع فكما قدمنا فان الجهود التشريعية لما تزل في مرحلة المخاض حتى بالنسبة للدول التي قطعت شوطا في التدابير التشريعية في هذا الحقل ، اذ لما تزل عناصر هاتين المسالتين محل جدل واسع تلقي بظلالها على محتوى التشريع وقواعد التنظيم ..
تشريعات حماية الملكية الفكرية (Protection of Intellectual Property ) في حقل (البرمجيات –computer programs ، وقواعد المعلومات databases – والدوائر الطوبغرافية- topographies)
جدول 1-1 خصائص ومحتوى تشريعات حماية الملكية الفكرية المتصلة بتقنية المعلومات
قوانين حق المؤلف / الملكية الفكرية ( copyright laws )
مسماها الشائع
تشريعات حماية حقوق المؤلف المادية والمعنوية على انتاجه من البرمجيات وقواعد المعلومات ودوائر الطبوغرافيا ( الدوائر المتكاملة ) ، اضافة الى الاتجاه الحديث لحماية اسماء النطاقات ومحتوى المواقع على الانترنت والمواد محل التجارة الالكترونية .
وصفها العام
سنت هذه التشريعات لتوفير الحماية القانونية للمصنفات المتصلة بالتقنية العالية الموضوعة من قبل مؤلفيها ضمن جهدهم الفكري ، وبعد حسم الجدل حول نظام الحماية من حيث اخضاعها ( وتحديدا البرامج وقواعد البيانات ) للحماية الفكرية الادبية والفنية وليس الملكية الصناعية ( براءات الاختراع ) مع مراعاة ان المنتجات التقنية الصناعية كاجهزة او نحوها التي تصلح للاستغلال الصناعي تعد من قبيل براءات الاختراع اضافة الى ان حماية الدوائر المتكاملة يقع ضمن نطاق خاص لما ينطوي عليه من عناصر تتصل بحماية الملكية الادبية وحماية الملكية الصناعية . وقد تزايد الاتجاه نحو هذه التشريعات بسبب الاتفاقيات الدولية وتحديدا اتفاقية تربس العالمية ( واحدة من اتفاقيات منظمة التجارة الدولية ) وبسبب اتفاقية واشنطن للدوائر المتكاملة ، وبسبب اعتبار برامج الحاسوب من بين مصنفات اتفاقية برن للملكية الادبية والفنية بموجب الاضافة التي نصت عليها اتفاقية تربس المذكورة .
وتخضع هذه التشريعات للتطوير واعادة البحث بسبب ما ظهر من تحديات في ظل النشر الالكتروني وحماية مواقع المعلومات على الانترنت .
مبرر وجودها
توفير الحماية القانونية للحق في الابداع في حقل مصنفات التقنية العالية والحق في الاستغلال العادل والمشروع لعائدات هذه المصنفات وذلك ضمن تنظيم وقواعد ادارية ومدنية وجزائية .
هدفها ونطاقها
ثالث موجة تشريعية انطلقت بوجه عام في الثمانينات مع ان بعض الدول اهتمت بموضوعها قبل ذلك (الفلبين تحديدا) ، لكن انطلاقها الفعلي تم في الثمانينات بعد حسم الجدل حول محل الحماية ، اهي تشريعات حق المؤلف ام براءات الاختراع . وخضعت لتعديلات متتالية والى تنظيم خلال الثمانينات والتسعينات . ولا تزال تخضع للتطوير والتعديل بسبب استحقاقات الاتفاقات الدولية .
الحقبة الزمنية لانطلاقها وترتيبها
قانون الملكية الفكرية في النظم التي تقر بوجوده استقلالا ، اما في النظم التي لا تسلك هذا المسلك فتتوزع قواعده بين القانون المدني ، والقانون الجنائي (المسؤولية الجزائية عن الاعتداء على الحقوق المعنوية والمالية للمؤلف بالنسخ غير المشروع واعادة الانتاج والتقليد ) ، القانون الاداري (التنظيم الاداري للجهات المناط بها حماية حقوق المؤلف / وزارات الثقافة والصناعة والتجارة والاعلام – مكاتب الحماية والمكتبات الوطنية ).
الفرع القانوني ذو العلاقة
البرمجيات التشغيلية والتطبيقية الموجودة على اقراص ووسائط التخزين المستقلة او المخزنة داخل النظم والشبكات اضافة الى قواعد المعلومات التي تمثل تنظيما وتبويبا لمعلومات ضمن اطار تشغيل وتطبيق برمجي يميزها عن غيرها ، والدوائر التقنية المتكاملة ذات البرمجة من مصدرها (جهة الصنع)
محلها ذو العلاقة بالتكنولوجيا
القواعد القانونية المنظمة للحقوق المعنوية والمالية لمؤلف المصنفات التقنية محل الحماية ، والقواعد المنظمة لنطاق ومدة الحماية والاستثناءات عليها وقواعد التنظيم الاداري لجهات الضبط والحماية الحكومية ، وقواعد المسؤولية المدنية والجزائية المتعلقة بالمخلين بحقوق المؤلف والجزاءات المقررة ونطاق صلاحيات القضاء واجراءاته التحفظية والعقابية والتكميلية وتدابيره الاحترازية.
شهدت المنطقة العربية مؤخرا جملة من دعاوى الملكية الفكرية بخصوص برامج الحاسوب والتسجيلات الصوتية اضافة الى عدد من المنازعات في ميدان الالعاب الالكترونية بمختلف انواعها ، ويعزى النشاط المتزايد في هذا الميدان الى ما تقرر من تفعيل تطبيق قوانين حق المؤلف والى نشاط الشركات الاجنبية المترافق مع سياسات تحرير التجارة في السلع والخدمات والوفاء باستحقاقات عضوية منظمة التجارة العالمية .
3-1 الخلفية التاريخية لدعاوى الملكية الفكرية :-
دعاوى قديمة – جديدة
قد يعتقد البعض – خطأ – ان دعاوى الملكية الفكرية حديثة ومستجدة ، لكن الحقيقة انها من الدعاوى القائمة منذ فجر القرن معتمدة على طائفة من التشريعات والاتفاقيات الدولية التي انطلقت مع نهايات القرن التاسع عشر ، ففي الاردن مثلا – كما في عدد من الدول العربية المجاورة – ظل قانون حق المؤلف العثماني ساريا اعتبارا من عام 1906 الى ان تدخلت الدول بوضع تشريعات اكثر شمولية في ضوء موجبات الاتفاقيات الدولية التي تديرها المنظمة العالمية للملكية الفكرية – الوايبو – ( وعددها للان 21 اتفاقية ) الى جانب اتفاقيتين لم تنفذا بعد في حقل حق المؤلف والحقوق المجاورة . وفي عدد من الدول العربية -كالاردن مثلا تم الغاء قانون حق التاليف العثماني واستبداله بتشريعات حماية حق المؤلف ، وشهدت التسعينات موجة تشريعية واسعة في المنطقة اعربية ابرز ملامحها اضافة برامج الكمبيوتر وقواعد البيانات الى نطاق المصنفات محل الحماية بموجب تشريع حق المؤلف .
وانصبت الدعاوى في السنوات بل العقود السابقة على حماية اصحاب الانتاج المعرفي وتحديدا في حقل الكتب والمصنفات الفنية ، وحملت تلك الدعاوى في نطاقها نكهة الدفاع عن المبدع العربي في موطنه العربي ضد الانشطة التي تمثل اعتداء على نتاج عقله من الكتب ومختلف مصنفات الادب والفن ولم تلبث ان انطفت جذوة هذه الدعاوى لسبب حقيقي واحد وهو ان قرصنة مثل هذه المصنفات لم يعد بالعمل المجدي لمرتكبه اذا ما انتهج الطريق القانوني القويم، بل ان المستخدم لم يعد يتقبل النسخ المقلدة او المصورة او المستنسخة من المصنفات ما دام سعر الاصل يقارب ان لم يكن اقل من سعر المستنسخ ، بمعنى ان استراتيحيات التسعير والتسويق ساهمت وحدها بمحاربة نشاط القرصنة في حقل الكتاب ، مع بقاء استثناءات محصورة في حقل الكتب الاكاديمية وتجارتها التي جاء القانون ليحد منها من خلال وسيلة الترخيص الاجباري الممنوح للسلطة الحكومية حفاظا على الاحتياجات الثقافية والعلمية. والنتيجة ان الواقع العربي لم يشهد الكثير من دعاوى الملكية الفكرية على مدى سنوات ، ولا نبالغ ان قلنا ان القوانين العربية في هذا الحقل لم تمتحن جميعها في التطبيق لغياب المنازعات في هذا الحقل .
انطلاقة عصر تحرير الخدمات والتوجه للاقتصاد الرقمي يعيد جذوة دعاوى المليكة الفكرية.
بالرغم من انطلاق الجهد الدولي المنظم في حقل تحرير التجارة منذ عام 1947 الذي شهد ولادة اتفاقيات الجات ، الا ان تحرير التجارة في السلع بقي يواجه معيقات كبرى اهمها عدم قبول الولايات المتحدة طائفة كبيرة من اتفاقيات تحرير التجارة برغم الجولات التفاوضية السبعة التي سبقت جولة الاورغواي (1986-1994) ، وفي جولة الاورغواي للتفاوض بشان تحرير التجارة في السلع ، انتقل العالم الى واقع جديد حين فاجأته الولايات المتحدة بقبول غالبية ما كانت ترفضه من اتفاقيات في حقل تجارة البضائع ، ولم يكن هذا الموقف خاليا من رؤية استراتيجية للمصالح الامريكية في المستقبل ، بل هو وليد دراسات وتخطيط استراتيجي ساهمت فيه مختلف الشركات العملاقة متعددة الجنسيات ، حيث اقحمت القوى الغربية في جولة الاورغواي – برغم معارضة الدول النامية – موضوع الملكية الفكرية (اتفاقية تربس) وموضوع تحرير التجارة في الخدمات ، لجهة خلق واقع جديد يتيح لمالكي المعرفة والكفاءة الافادة من كافة الاسواق العالمية وتعزيز استثماراتهم فيها ، وفعلا تحقق هذا الهدف باقرار اتفاقية تربس بشان الملكية الفكرية ليخلق لاول مرة منذ اكثر من مائة عام مركز اخر للملكية الفكرية غير المنظمة العالمية ( الوايبو ) ولتصبح اتفاقية تربس الاطار الاكثر شمولية لمعالجة كافة مسائل الملكية الفكرية . واقرت ايضا اتفاقية تحرير الخدمات ( جاتس ) التي تتيح لمقدمي الخدمة تعاملا مماثلا للجهات الوطنية في الدولة وترفع من امامهم معيقات الوصول للاسواق الخارجية . وفي هذا الاطار كان يتعين على كل دولة ترغب بعضوية المنظمة ان تقبل هذه الاتفاقيات التي تفرض التزامات تنظيمية وتشريعية من بينها ان تتواءم تشريعاتها في حقل الملكية الفكرية مع اتفاقية تربس.
وفي هذا الاطار شهدت الدول العربية موجة واسعة من تعديل التشريعات القائمة او وضع تشريعات جديدة ، واحدثت ثورة حقيقة في النظام القانوني للملكية الفكرية في الوطن العربي لا تزال ملامحها غير واضحة ، فاذا كانت الخطط المعلنة هي تعزيز الملكية الفكرية لاستجلاب الاستثمار الاجنبي باعتبار ذلك من الامور المرغبة لجهات الاستثمار واحيانا من مطالبها ، فان حركة الاستثمارات الاجنبية في الاسواق العربية لا تشير الى تحقق هذا الغرض بالرغم من ان دولا عربية اقرت تشريعات تحمي الملكية الفكرية اكثر نضجا وشمولية مما هو قائم في دول اجنبية . وبنفس الوقت ظهرت في الواقع العملي ظاهرة نشاط الشركات الاجنبية لتنظيف الاسواق العربية مما يسمونه خطرا على استثمارتها ونقصد بذلك ما يثار حول مخاطر القرصنة ، ولم تكتف هذه الجهات بالخطط الحكومية الطموحة لتحقيق هذا الغرض ، فباشرت بذاتها حملة تقاض – هي حق لها من الوجهة القانونية ومن وجهة نظر العدالة – مترافقة مع حملة تعديل التشريعات الى المدى التي ظن البعض اننا امام تشريعات جديدة وان حماية برامج الحاسوب انطلقت مع هذه القوانين ، مع ان الحماية مقررة منذ نحو عشرة سنوات .
3-2 النطاق القانوني لحماية برامج الكمبيوتر وقواعد البيانات في البيئة العربية .
تتضمن قوانين حماية حق المؤلف العربية عموما النص على حماية الكتب والكتيبات وغيرها من المواد المكتوبة ، والمصنفات التي تلقى شفاها كالمحاضرات والخطب والمواعظ ، و المصنفات المسرحية والمسرحيات الغنائية والموسيقية والتمثيل الايمائي ، والمصنفات الموسيقية ، و المصنفات السينمائية والاذاعية السمعية والبصرية ، واعمال الرسم والتصوير والنحت والحفر والعمارة والفنون التطبيقيــــة والزخرفية ، و الصور التوضيحية والخرائط والتصميمات والمخططات والاعمال المجسمة المتعلقة بالجغرافيا والخرائط السطحية للارض ، وبرامج الحاسوب ( كما في طائفة منها ) وفي اعقاب سريان اتفاقية تربس في عدد من الدول العربية اصبحت الحماية تمتد الى البرمجيات سواء كانت بلغة المصدر أو الالة ، اضافة الى حماية ما يمكن ان يسمى قواعد المعلومات المجمعة وتحديدا حماية طريقة التجميع سواء اكانت بطريقة تقليدية أم آلية ( قواعد البيانات ) . وذلك للتوافق مع متطلبات المادة 10 من اتفاقية تربس العالمية ( اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية )
وتحمى برامج الحاسوب وقواعد البيانات وفقا لقوانين حق المؤلف – بوجه عام – طيلة حياة المؤلف ولمدة خمسين عاما بعد وفاته ، ويوجه خبراء التقنية والقانون الدوليين انتقادا لمدة الحماية هذه باعتبارها طويلة لا تتناسب مع الطبيعة المتغيرة والمتسارعة للبرمجيات واستغلالها لمدد قصيرة ، أما إذ كان مالك حقوق المؤلف شخصا معنويا – وهو الفرض الغالب بالنسبة للبرمجيات ، فان مدة الحماية تقل عن مدة حماية حقوق الاشخاص الطبيعين كما في عدد من قوانين الدول العربية .
وتشمل الحماية الحقوق المعنوية للمؤلف والحقوق المالية لاستغلال المصنف وهي حماية استئثارية للمؤلف وحده يمنع بموجبها أي استغلال أو استعمال يضر بمصلحة المؤلف ، وتعطي للمؤلف وحده الحق في استنساخ مصنفه واجازة استعماله ، وفقا لشرائط تقررها القوانين العربية في هذا الحقل تتصل بمباشرة حقوق المؤلف ونطاق الاستغلال ومحتواه ، تنص الوانين ايضا – على تباين بينها – على استثناءات معينة ترد على مباشرة حقوق المؤلف ، ولا تعد من قبيل التعدي ، مثالها اجازة استخدام المصنف دون اذن المؤلف أو مالك الحق في معرض تقديم المصنف عرضا أو القاءا خلال اجتماع عائلي أو في مؤسسة تعليمية أو ثقافية أو اجتماعية على سبيل التوضيح أو الاستعانة بالمصنف لاغراض شخصية بعمل نسخة واحدة دون تعارض مع الاستغلال العادي ، واستعماله في الايضاح التعليمي والاستشهاد بفقرات منه في انتاج ووضع مصنف آخر .
ومن اكثر التحديات في حقل الاستثناءات مفهوم الاستعمال الشخصي للمصنف ومداه ونطاقه اضافة الى الاشكالات المتصلة بمدى ونطاق الاستثناء الخاص باستخدام المصنفات لغايات علمية او بحثية او في معرض الاستعمال العارض .
وتجيز بعض القوانين للسلطات اصدار امر بالترخيص الاجباري للمصنف الاجنبي رغما عن مالكه لجهة واعادة انتاجها وبيعها بالسعر المساوي لمثيلاتها في السوق او السعر العادل ضمن ضوابط وشروط يراعى فيها تعويض مؤلف المصنف أو صاحب الحق عن هذا الترخيص الاجباري . وتتبع الدول طريقة الترخيص الاجباري حماية لاحتياجات المجتمع والعملية التعليمية ، وتتباين المواقف حول نطاق الترخيص الاجباري إذ يحدد القانون عادة المصنفات القابلة لمثل هذا الاجراء ، وهو أيضا اجراء هام لمواجهة سياسات الاحتكار ومنعا للتحكم في رواج الفائدة المتوخاة من المصنف.
وبسبب الاثر الذي احدثته اتفاقية تربس ، لم يعد شرط ايداع المصنفات مطلوبا لغايات الحماية القضائية ، وهو ما ادى الى تعديل عدد من تشريعات حق المؤلف العربية لتعكس هذا الحكم كما ان التشريعات الحديثة منها نصت ايضا على عدم اشتراط الايداع .
3-3 اشكالات حماية البرمجيات وقواعد البيانات.
محل الحماية :-
بالرجوع للدراسات المقارنة والتطبيقات القضائية الشهيرة يظهر ان تحديد مفهوم البرنامج ونطاقه خلق إشكاليات عديدة ، اولها ما اذا كان إعادة انتاج البرنامج باقتباس اجزاء منه ، أو باستخدام طريقة الهندسة العكسية أو باتباع وسائل برمجية ( معنوية ) غير المتبعة في انتاجه اصلا ، يعد من قبيل النسخ غير المشروع أو التقليد ، ويتفق القضاء على ان التقليد أو النسخ لكامل المنتج بغرض الاستغلال المالي لا يثير اشكالا في التطبيق ، لكن ما يثير الاشكال اقتباس الخوارزميات المحتواة ضمن البرنامج ، ومرد ذلك ان القضاء الاجنبي في معرض نظره لدعاوى حقوق المؤلف على البرمجيات اتسق مع احكام الاتفاقيات الدولية بشأن عدم شمول الخوارزميات والحقائق للحماية ، وهذا ما يعني ان الاقتباس فيما لا يتجاوز النسخ الجزئي وطريقة الهندسة العكسية المتبعة في إعادة بناء البرنامج تخضع لمعايير معينة قبل القول بحصول النسخ أو الاعتداء على حق المؤلف .
ويثور الاشكال أيضا بالنسبة لحماية لغة البرمجة ، وتعديلات استخدام برامج التشغيل للتوافق مع بيئات العمل التقني أو لجهة اصلاح اخطائه ، ومفهوم ان الشائع في حقل القرصنة بالعموم انما هو برمجيات التشغيل الشهيرة وبرامج التطبيق الشائعة ، لكن الاشكال يثور حول النسخ التجريبية التي يزود بها المستخدمون ، فهي ليست المصنف النهائي المثبت ملكيته ، ويثبت ذلك بالمعايير الفحصية عبر الخبرة ، ومعلوم ان الشائع والسائد في الدول النامية النسخ التجريبية التي يتلقاها في وقتنا الحاضر معظم المستخدمون عبر شبكة الانترنت أو حتى من بائع الاجهزة بحصوله عليها من الوسائط التي تملأ العالم ضمن سياسات الترويج الاعلامي التي اتبعتها وتتبعها المؤسسات المنتجة للبرمجيات . وفي هذا الصدد نشير الى ان عددا من الدعاوى قد اقيمت على عدد من المحال بخصوص الالعاب الالكترونية ، وان عددا من هذه الدعاوى قد استند الى ضبط برمجيات تتضمن العابا غير مصرح ببيعها ليتبين بالخبرة الفنية واحيانا ( تغيب هذه الحقيقة ) ان هذه البرمجيات لا تضم اكثر من نسخة دعائية للعبة او (ديمو) مصغر او نسخة تجريبية ، مما ينفي ارتكاب المخالفة لقانون حق المؤلف ، باعتبار ان الشركات الاجنبية تروج طويلا لمنتجاتها قبل طرحها فعليا في الاسواق ، وغياب المعرفة التقنية وحقائق البرمجيات يستغل من البعض في الايهام بان النسخ التجريبية او الدعائية نسخ مقرصنة . وهذه مسالة لا تحسمها غير الخبرة المؤهلة ، لا في حقل التقنية فقط ، بل في حقل الاعمال وتجارة سوق التقنية التي تنطوي على سياسات واستراتيجيات يتعين على جهات الخبرة والقضاء والمحاماة معرفتها سيما انها اصبحت في متناول اليد من خلال مواقع هذه الشركات على سبكة الانترنت .
شرط ملكية الحق اساس الدعوى ولا دعوى دون توفر الصفة في التقاضي :-
ان حماية أي المصنف توجب ان يثبت الحق بملكيته لطالب الحماية ، سواء تعلق اجراء الحماية بالمطالبة المدنية ( الدعوى المدنية بشقيها الموضوعي والطلبات المستعجلة ) أو الدعوى الجزائية ( الشكوى ) أو الاجراء الاداري عبر مكتب الحماية . وشرط ثبوت تملك الحق المعنوي أو حق الاستغلال المالي ، شرط مصلحة وصفة ، بل انه ابتداء عنصر رئيس لتفعيل عمل نصوص الحماية ، بمعنى انه الشرط الموجب لقبول الدعوى ، فلا دعوى دون ان يثبت زاعم الاعتداء انه المالك الحقيقي والقانوني لحقوق المؤلف على المصنف ، وهذه من اكثر الاشكالات التي تواجه دعاوى الملكية الفكرية في الساحة العربية ، فالايداع لم يعد متطلبا وفقا لاتفاقية تربس وقد اعتقدت العديد من الجهات ان ذلك يعفيها من اثبات الملكية او انها جهات شهيرة الى مدى يعرف القاضي انها المالكة للحق على برنامج ما ، وهذا ليس صحيحا، اذ على فرض صحته فان القاضي لا يحكم بعلمه عوضا عن ان مباشرة حقوق حماية المصنف تتطلب ان تتم وتتم فقط من المؤلف وحده الذي منح حق الدفاع عن مصنفه ، وتصبح المشكلة اكثر تعقيدا عندما يتصدى لرفع الدعوى وكيل عن مالك الحق ، وما لم تثبت وكالته القانونية انه وكيل بالخصومة وبنوع هذه الخصومة فانه لا وجه لقبول الدعوى ابتداء. ويشترط ان يثبت ملكية حق الخصومة والتقاضي لمن يباشر دعوى أو طلب الحماية عندما لا يكون هو المؤلف أو المتنازل اليه من المؤلف مباشرة عن حق الاستغلال المالي ، أما ذا كان طالب الحماية بالاجراء المعين وكيلا أو موزعا فانه لا يملك غير المقاضاة المدنية بما تعرض له هو بصفته هذه ، لا بما تعرض له مؤلف المصنف أو مالك الحق فيه ، لان نطاق وصحة المطالبة تتحدد بسببها ، فان امتد سبب المطالبة الى ادعاء الاعتداء على حق المؤلف فهو- اي المؤلف وحده – من يحمي الحق أو من يحق ان يوكل غيره في الخصومة القضائية لهذه الغاية تحديدا ، وكل ذلك مرهون بنصوص عقود واتفاقيات الوكالة والرخص ، وهو ما يدعونا في هذا المقام للتنبيه الى ان كثيرا من المؤسسات كانت محلا لتعاقدات غير عادلة مع الاطراف الاجنبية بسبب عوامل كثيرة اهمها مدى كفاءة المفاوض وعدم توفر المشورة القانونية المؤهلة المتخصصة في هذا الحقل الهام .
لقد وقعت العديد من الشركات والمؤسسات العربية ضمن نطاق تاثير الموزعين والوكلاء بل وسماسرة السوق ، وتعرضوا للايهام بان اوضاعهم القانونية مخالفة للقانون مع ان وضعهم القانوني قد يكون سليما ولا غبار عليه ، ومثال ذلك اعتبار مؤسسة ما غير مرخصة مع انها تملك اجهزة حواسيب ذات ماركات عالمية منتجة من شركات عقدت اتفاقيات داخلية مع جهات انتاج البرامج تعتبر بموجبها اجهزتها مرخصة حكما حتى لو لم تتحقق معايير الترخيص المقررة لدى جهة انتاج البرامج . ومثال أخر اعتبار حائز التسجيلات التي سبق له شراؤها من احد الوكلاء السابقين مخالف للقانون لان وكالة الوكيل التجارية تحظر عليه ابقاء اي مخزون لدى التجار في نهاية مدة وكالته ، فيخل بالتزامه ويعرض التجار للمسؤولية امام الوكيل الجديد الذي لا يفترض غير ان التاجر قد نسخ مصنفاته دون اذن .
ومثال ثالث استغلال عدم معرفة العديد من المؤسسات بانها مرخصة اصلا لعدم معرفتها بماهية الرخصة ذاتها ، واشير في هذا المقام الى ان الاسواق العربية تشيع فيه ممارسات من قبل بائعي الاجهزة التقنية (مارسات السوق ) من ضمنها مثلا تنزيل نسخة واحدة من البرنامج عن قرص واحد على عدد من الاجهزة رغم ان المشتري كان قد اشترى عددا من البرمجيات المرخصة يساوي عدد الاجهزة ، بحيث تظهر كافة الاجهزة محملة بنفس رقم البرنامج فتتعرض لاتهامها بنسخ البرنامج على اجهزتها ، مع ان الواقع غير ذلك . ومن الممارسات ايضا عدم ارسال كتيب الرخص من قبل البائع على اعتبار انه كتيب تعليمات لتتفاجأ الشركة بعد ذلك انها غير مرخصة لانها لم تحضر رخص برمجياتها من البائع الذي يكون قد اودعها مخزنه او مستودعا ما او ربما اعتبرها من مخلفات الاجهزة كعبوات التغليف والكتيبات فاتلفها او القاها الى حيث يلقي مخلفاته غير الهامة . ومثل هذه الممارسة قد تتم من الشركة المشترية التي لا تعير الكتيبات والادلة والاوراق المصاحبة للجهاز اهتماما كافيا او لا تعير اهمية للاحتفاظ بالرخص في موضع يمنع فقدها وضياعها .
ومن المخاطر الحقيقة لعدم الوعي السائد بشان التراخيص استغلال البعض لهذه الممارسات التي لا دخل للمستخدمين بها بسبب غياب المعايير والمواصفات التقنية وغياب استراتيجيات تنظيم السوق التقني في البيئة العربية ، واوضح مثال على ذلك ان بعض الجهات التقنية تعتبر المستخدم غير مرخص لاستخدام برنامج معين حتى لو ابرز الرخصة المطابقة نوعا وتاريخا للبرنامج لكنها لا تتطابق مع البرنامج من حيث رقم المنتج ، اذ قد يختلف رقم البرنامج الموجود على الجهاز مع رقم المنتج الوارد على الرخصة لاسباب كثيرة ، منها – كما ذكرنا – ان بعض الجهات تقوم بانزال البرنامج على عدة اجهزة عن قرص واحد لتوفر وقت انزال كل برنامج من القرص الخاص به وباعتبارها جميعا نسخا متطابقة عن البرنامج . او قد يتم محو القرص الصلب بكامله لغايات الصيانة او التطوير فلا تراعي جهة الصيانة تنزيل النسخة الموجودة عند العميل وتنزل من طرفها نسخة عن ذات البرنامج فيختلف الرقم ، وقد يختلف الرقم لاي سبب آخر باعتباره من الناحية التقنية قابل للتغيير بتدخل شخصي او نتيجة عمليات مؤتمة مما يجعل الرقم مغايرا للرقم الموجود على الرخصة ، وهذا لا يعني ان المستخدم غير مرخص له باستخدام البرنامج ، لان رقم المنتج ليس معيارا للترخيص ولا هو متطلب له ، والمعيار فقط توفر وثيقة الرخصة ذاتها المطابقة للبرنامج نوعا وتاريخا فقط ، اذ لا يعتد بما يقبل التغييركالرقم ولا اهمية له ولا دور يقوم به من ناحية الترخيص ، وهو موجود فقط لتسهيل عميلات الدعم والصيانة ( للمسجلين لدى الشركة المنتجة فقط مع الاشارة الى ان التسجيل اختياري وليس متطلبا قانونيا لصحة الاستخدام) او يستخدم الرقم داخل المنشأة لغايات التوثيق وصرف العهدة على المستخدمين عند تعددهم .
لهذه الممارسات التي ننشأت عن تشوه سوق التقنية وغياب المعايير والمواصفات على مدى السنوات السابقة ، علينا جميعا ان نعيد التفكير بشعار مكافحة القرصنة الذي يتعين ان يسبقه معرفة حقيقة وسليمة بالواقع المعاش وباستراتيجيات جهات الترخيص والانتاج ، فمن مصلحة المنتج ان يعتبر اي فعل من قبيل الاعتداء على فرص ربحه ، لكن من حقنا ايضا ان نعرف ما اذا كان فعلا يعتمد على استراتيجية تتفق والقانون القائم ، ام انه يتحدث عن نظامه القانوني واستراتيجياته التي يرغب ان تكون قانونا لكنه لا يملك ذلك في ظل اعتبارات السيادة الوطنية.
ان الاتفاقيات الدولية وبقدر ما منحت المبدع حقوقا على نتاج ابداعه بقدر ما حمت المستهلك من التضليل والايهام ، وعلينا ان ندرك ان ايفاءنا بالتزاماتنا تجاه الغير – وهو امر مطلوب ومرغوب لدينا بسبب التركيبة الاجتماعية والثقافة لسائدة في مجتمعنا – يتعين ان يرافقه تمسكنا بحقوقنا التي تنطلق اولا من المعرفة والوعي بالحدود الفاصلة بين الحق والالتزام في هذا الحقل.
ان الموضوعية تقتضي منا الاشادة العالية باتجاهات القضاء في هذا الحقل ، حيث اظهرت بعض الوقائع العملية ان القضاء يعتمد على نفسه اولا وعلى خبرات فنية يقلبها بعناية للوصول الى الحقيقة ، ففي قرار صادر عن محكمة الاستئناف الاردنية [محكمة استئناف عمان في الدعوى رقم 1313/2000 تاريخ 18/5/2000 ] بوصفها المرجع القضائي الاخير للطلبات المستعجلة قضى فيه ببطلان ضبط تسجيلات صوتية ، قررت المحكمة اخضاع كافة الضبوط في ميدان الملكية الفكرية الى شرائط القانون ووالحكم بعدم قبول اي ضبط دون خبرة قاطعة بحصول السلوك الجرمي من الشخص المنسوب اليه الفعل بذاته ، وينظر القضاء للامر بكل عناية وموضوعية . وقد اظهرت الدعاوى المنظورة وعدد من المفصولة حتى الان اتجاها قضائيا يقوم على تمحيص الحقائق الى ابعد مدى لتبين الحقائق حول التراخيص سيما في ظل تنوعها وفي ظل ما يعلن على الملأ من امكان الترخيص اللاحق للبرامج القائمة ، بل في ظل صفقات الترخيص المسماة ( التواؤم مع متطلبات القانون) فهي – ونحن لسنا ضدها على الاطلاق بل نشجعها – تثير من الوجهة القانونية التساؤل حول بعض الخبرات الفنية التي لا تقبل تراخيص بزعم مخالفتها لمعايير مقررة لدى جهات الترخيص التي هي الشركات الاجنبية المنتجة ذاتها ، كالمغايرة بين رقم الرخصة والبرنامج مع انه غير متطلب ابتداءا ، والاساس – كما ذكرنا – التطابق بين الرخصة ونوع البرنامج وتاريخ تنزيله ، فجهات الترخيص عند عقد الصفقات تكيف معاييرها لتمرير صفقاتها التجارية ، لكنها في ساحات القضاء قد تتمسك بمعاييرها هي لضمان مركز افضل امام القضاء . ومن هنا فان كافة الخبراء الفنيين العرب مدعوون للتعامل الدقيق والحذر مع الحالات المكلفين بها ، لان العلم لا يقبل التطويع لحساب سياسات نفعية ، والقضاء يبذل كل جهد للوصول الى الحقائق الموضوعية ، ولان كثيرا من المفاهيم تغيب في اوقات يفترض ان لا تغيب ، وكثير مما يعتقد انه حقيقة علمية لا يعدو مجرد سياسة تسويقية لشركة مستفيدة او منتفعة .
وفي ميدان البرمجيات ، تثور مشكلة نطاق التراخيص وحجيتها وانواعها المستجدة ، إذ لم تقف تراخيص التصرف بالبرمجيات واستعمالها عند حد الرخصة المكتوبة الموقعة من طرفيها ، بل اصبحت البرمجيات تباع كحزم جاهزة في اماكن البيع العام ، تتضمن رخصا نموذجية غير موقع عليها ، توجب التزام مشتري البرنامج بشرائطها بمجرد فض العبوة ونزع الغلاف ، كما ان من البرامج وتحديدا تلك المشتراة على الخط أو المنزلة والمثبتة عبر الشبكات كالانترنت والانترانت الخاصة بتسويق البرمجيات ما ترتبط فيها الرخصة بقبول الشروط المكتوبة والمنشورة على الموقع بحيث يصبح الشخص ملزما بمحتواها بمجرد القبول واحيانا الاستعمال ، وبعضها تتضمن الرخصة بشكل الكتروني ضمن مقدمة البرنامج ذاته ، مع مرافقة ذلك باجراءات تسجيل تتم احيانا بشكل مادي على مستنداتها أو بشكل الكتروني عبر الشبكة ، ولا يترتب على عدم القيام بها في حالات عديدة آثار على صحة الاستخدام في حين ان شروط بعض الرخص تربط صحة الاستخدام باتمام التسجيل وهذه الرخص تثير إشكاليات قانونية في التطبيق توجب التدقيق في طبيعتها والبت بامر حجيتها في ضوء احكام قانون البينات وتحديده للادلة المقبولة قانونا .
ان مشكلات عدم الاطلاع فعليا على هذه الشروط في كثير من الحالات ، مشكلات عدم معرفة قواعد الاثبات القائمة لهذه الشروط المخزنة داخل النظم كشروط نموذجية تثبت عناصر والتزامات التعاقد ، لعدم التوقيع عليها وعدم ثبوت توجيهها لشخص بعينه ، وثبوت عدم مناقشتها بين الاطراف ، كل ذلك وغيره استوجب التدخل التشريعي لتنظيم آلية ابرام العقد التقني أو شروط حجيته وموثوقيته ، سواء نتحدث عن العقد المتصل بالمبيع أو عن رخص الاستخدام بوصفها التزاما بين جهتين .
وتثور أيضا مشكلة رخص الملكية الفكرية المغلفة مع المبيع ، وكذلك ، حقوق الملكية الفكرية في ميدان النشر الالكتروني خصوصا مع تزايد الاستيلاء على التصاميم التي يستخدمها موقع ما ، وحقوق الملكية الفكرية على اسماء المواقع ، وعلى ملكية الموقع نفسه ، وحقوق الملكية الفكرية بالنسبة للعلامات التجارية للسلع ، والاسماء التجارية ، وكذلك حقوق المؤلفين على محتوى البرمجيات التقنية التي تنزل على الخط أو تسوق عبر مواقع التجارة الإلكترونية ، ان كل هذه المشكلات التي ضاعفت سطوتها التجارة الإلكترونية استلزمت مراجعة شاملة للقواعد القانونية الخاصة بالملكية الفكرية وربطها بالانشطة التجارية الدولية في ميدان البضائع والخدمات ، وهي المبرر أيضا لاقرار اتفاقية تربس العالمية كواحدة من اتفاقيات منظمة التجارة الدولية التي تلتزم بها الدول الاعضاء ، ولا نضيف جديدا اذا قلنا ان العديد من الدول ارتجلت قواعد في ميدان الملكية الفكرية دون النظر الى متطلبات التجارة الإلكترونية ، وهو ما جعل قواعدها ، رغم حداثة تشريعها ووضعا ، غير متوائمة مع متطلبات التجارة الإلكترونية .
ومن بين مشكلات البت بمشروعية الاستخدام ، حالة الترخيص باستعمال برنامج ما لمؤسسة أو جهة ومن ثم استخدامه من قبل عدد آخر من المستخدمين ، أو استخدامه ضمن نظام يرتبط بشبكة بين شركاء أو حلفاء المستخدم أو ربما موظفيه عندما تكون الاعمال مدارة عبر شبكة انترانت خاصة ضمن مفهوم وسياسة الاعمال الإلكترونية ، ومثل هذه المشكلات تحددها طبيعة الرخص ذاتها ما اذا كانت لمستخدم واحد متصلة بشخصه – وليس بعدد اجهزته أم لجهاز واحد أم رخصة جماعية – وهي على انواع متعددة – كما في رخصة الموقع أو رخصة المؤسسة ، ومن المهم هنا القول ان الرخصة تظل أيضا من العقود التي تخضع لقواعد التفسير ، فان كان المستخدم يلجا لقواعد القانون للحصول على افضل مركز لدفاعه ، فان مانح حق الترخيص أيضا يلجا لذات القواعد لتحقيق افضل مركز واثبات حصول الاستخدام غير المشروع .
ومن بين إشكاليات الترخيص ، تطلب حصول المستخدم واثباته رخصة استخدام كل نسخة من نظام التشغيل حتى لو كان النظام قد خضع لتغيير لغة التطبيق ( عبر برنامج الترجمة التقني) وهذا امر محل نظر باعتبار ان البرنامج لدى حمايته في بلد المنتج أو الحماية الدولية له وفقا لنظام الحماية الذي اختاره صاحب الحق ، قد لا يكون اكثر من تحديد للمنتج باسمه التجاري وطبعته ، وبالتالي فان الحصول على هذا الترخيص يتضمن ترخيص كل تطوير له وكل استخدام لذات البرنامج بعد خضوعه للترجمة في بيئة الاستخدام . وبالتالي لا تمتد الحماية للبرنامج المترجم ما لم يكن بلغته المستخدمة محلا للحماية ابتداء ومسجلا بهذه الصفة .
ان ابرز مشكلات التعامل مع الرخص غياب المعرفة بانماطها وتحديد مدى الصحة من عدمه ولعل هذا ما دعا مختلف الدول العربية لعقد عشرات البرامج التوعوية والتدريبية في حقل التراخيص ، وقد اظهرت هذه البرامج حقائق مذهلة حتى بالنسبة للخبراء الذين لم يسبق لهم معرفتها ، وهذا يضع مجتمعنا وكل الجهات العاملة في حقل الملكية الفكرية تحد علينا تجاوزه بكل فعالية ، وهو التاهيل الصحيح البعيد عن الغرض لموضوع التراخيص منطلقين من حاجة الوطن ومؤسساته لبناء نظام تراخيص تفاوضي ومعرفي وقانوني وتنظيمي فيه الصالح الوطني عمادا وعنوانا .
مما يثار في حقل اشكالات الدعاوى الجزائية المتعلقة بالمليكة الفكرية ، المفاهيم العامة التي تطلق في الاتهام احيانا وحتى في الدفاع من قبل بعض جهات الدفاع ، كالقول ان الدعوى تقوم على فعل مخالف لقانون حق المؤلف في حين ان القانون الجزائي لا يعمل وفق هذه العمومية المرفوضة بموجب مبدا المشروعية ، والا لكنا نحيل السارق والقاتل والمزور بتهمة واحدة وهي مخالفة قانون العقوبات .
ان دعاوى المساءلة الجزائية في حقل الملكية الفكرية ، تخضع شأنها شأن غيرها لقواعد المشروعية الجنائية ، و يتعين ان تثبت عناصر الجرم وفقا لنموذجه القانوني فقط ، وتخضع ايضا من حيث اثبات المسؤولية لمبدا مشروعية الدليل من حيث مصدره وانتفاء احتمالات الشبهة والغاية فيمن يعتمد عليه لاثبات الجرم . ولا تثبت كافة العناصر وكذا لا تقبل الادلة على سبيل الاحتمال ، وانما على سبيل الجزم واليقين شانها شان غيرها من الدعاوى الجزائية، ويتعين ان يحدد مرتكبها دون شك ، لان المسؤولية الجزائية شخصية ، ولان نطاق مسؤولية الاشخاص المعنوية توجب اثبات قيام ممثل الشخص المعنوي قانونا أو من في حكمه بارتكاب الجرم المتوفر فيه كافة الاركان المقررة قانونا ، المادي والمعنوي ووفق النموذج القانوني المحدد في نص التجريم .
ان القضاء المقارن قد قرر وجوب ثبوت تحقق الاستنساخ أو التقليد بمعنى ثبوت مقارفة السلوك المادي المكون للجريمة وفق ما نص عليها القانون ، وبشكل لا يظهر منه ان محل النسخ واحدة من عمليات الاقتباس أو ما عرف بنسق الهندسة العكسية في بيئة انتاج البرمجيات ، وهذه مسائل تتطلب الخبرة القانونية والفنية ، وهي لجدتها في ميدان التقاضي تثير عشرات الدفوع والمسائل الفرعية التي سيكون للخبرة فيها دورا حاسما واساسيا ، مع التأكيد ان الخبير الاعلى انما هو القاضي ، وهو الذي يحكم في المواد الجزائية بقناعته الذاتية ووجدانه المستقى والمستخلص على نحو سائغ من ادلة الدعوى .
ان محكمة الاستئناف الاردنية وفي احدث احكامها [الدعوى الاستئنافية رقم207/2001 الصادر قرارها بتاريخ 21/2 / 2001 ] في ميدان دعاوى المسؤولية عن قرصنة برامج الكمبيوتر ، حللت بكل دقة وعمق النصوص الجنائية المقررة في قانون حق المؤلف الاردني ، وتوصلت بوضوح الى ان الانشطة المجرمة في هذا الحقل تنحصر بانشطة الاستغلال المالي المتمثلة بالعرض للبيع او التاجير وفي حدود غرض محدد فقط وهو الاستغلال المالي ومن هنا قررت بوضوح ان الاستخدام دون الاستغلال المالي لا يعد جرما وفق قانونا ، وانهت نهاية موضوعية وعادلة واحدة من دعاوى الملكية الفكرية التي طالت واحدة من المؤسسات المالية الكبرى ، ولا نبالغ ان قلنا ان حماية الابداع بكل صوره في ميدان الملكية الادبية والصناعية قام على اساس الموازنة بين احتياجات المبدع لصيانة ابداعه ومنحه الفرصة (المؤقتة بمدة معينة ) لاستثمار نتاج عقله ، وبين حاجة المجتمع للمعرفة ووسائلها ، هذه الموازنة التي تمنع احتكار صاحب المصنف لمصنفه وتجيز ترخيصه اجباريا لحماية الثقافة وتلبية احتياجات التنمية والتطور في المجتمع . واذا كان من حق مالك حقوق اي مصنف ان يحمي ابداعه ، فان من حق مجتمعنا علينا ان لا تكون هذه الحماية على نحو يمس عناصر تطوره ويخل بميزان التناسب بين الحماية الخاصة والاحتياجات الجماعية .
حماية البرمجيات بين تطبيق القانون وآثره على الدول النامية :-
البرمجيات حصيلة نشاط عالمي متطور اعلى قيم الإبداع وقيم الافكار والعقل وتعبر عن الاتجاه نحو التحولات الاستراتيجية في مفهوم محددات راس المال ، ومن هنا كانت وسيلة عبور عصر المعلومات بكل افرازاته ، لذا هي متطلبة للدولة النامية ، واهم موضوعات مشكلة شمال المعلومات وجنوبها ، انه التجاذب والتضاد بين مالك المعلومة( البرنامج ) ومستخدمها ، وتقاس في العصر الراهن درجة التقدم بمقدار امتلاك وانتاج المعرفة ، ومن اسف ان الدول النامية مستهلكة لانتاج الدول المتقدمة المعرفي ، مع ان الخوارزميات التي تكتب بها برامج الحاسوب من وضع عالم الرياضيات العربي (الخوارزمي ) ومنسوبة لاسمه، وهو ما يضع الدول النامية أمام تحد اكبر ان ارادت تجاوز معيقات نمائها ، فالدولة النامية وان كان وجودها الضعيف لم ينته باستهلاك الانتاج المادي للغرب ، فان وجودها الحقيقي مرهون بانتاج معارفها الخاصة خشية الذوبان المطلق في معارف الغير، ولعل هذا ما يتعين فهمه من تحديات العولمة ، ودون الخوض في اشكالية الموقف منها ، ولو ضيقنا مفهومها من حيث البعد التقني الى القدرة على انتاج المعرفة التقنية ، ونموذجها البرمجيات ، فان معنى هذا اننا بامس الحاجة لامتلاك ادوات هذه المعرفة ، واستلهام المميز من معارف الاخرين ، لا لتبرير الاعتداء على حقوق الغير ، ولكن ضمن سياسة الحصول على افضل ميزات من منتجي ما نحتاجه من برامج لهذا الغرض . وقد حققت دول عربية كمصر والامارات شروطا تفاوضية ايجابية مع اتحاد منتجي البرمجيات والشركات الدولية الكبرى ، تركزت حول اجازة استخدام البرمجيات ببدلات رمزية أو مخفضة من قيمة بدلاتها التسويقية مع حلول للمنتجات الموجودة في السوق وصلت حد سحب غير المرخص منها وتزويد نسخ مطورة كبديل عنها ، والاتفاق على ما سمي باتفاقات الاستخدام التعليمية أو الانتاجية أو غيرها ، وبكل الحالات فان المنتج الاجنبي مستفيد أيا كانت تنازلاته ، لان قبوله التعاون بشروط لصالح الدولة النامية سيحقق له ضمانة لتطويق انشطة القرصنة وانهاء اسواقها السوداء وسيساهم في خلق قبول جماعي للتعاطي مع متطلبات نظام الملكية الفكرية .
ان التفاوض مع المنتج الاجنبي مترافقا مع تنظيم السوق اراديا وضمن سياسات التعاون على تخفيف الاثار المتوقعة لانفاذ نظام الحماية ، ومراعاة احتياجات الدول النامية المعرفية وظروفها الاقتصادية وحاجاتها نحو الاتجاه الى صناعة البرمجيات وتطويرها وانمائها ، كل تلك روافع اساسية لتطبيق القانون ، دون ان نتناسى ان الحديث عن القرصنة يجب ان يوضع في اطاره الموضوعي والواقعي دون مبالغة .
ان نماء استخدام الانترنت يضع اصحاب الحقوق على البرمجيات في تحد هائل ، وتطور اسواق القرصنة عالميا عبر الشبكة وعبر وسائل لا تطالها القانون في كثير من الاحيان يجعلها مدركة لطلبات الدول النامية المشروعة سيما وان استخدام التقنية حصيلة لسياسات ضخ المنتجات للاستهلاك في الدول النامية ، وهي سياسات لم تخترها هذه الدول وإنما ارادتها الشركات المنتجة ، لذا ليس صعبا ان تسمع متطلبات الانفاذ السلس والصحيح لنظم الحماية لمنتجاتها . وما نقوله في هذا المقام ليس مطالبات أو منح انما التزام قررته الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة ، والا ما تفسيرنا لمبدا الدولة الاولى بالرعاية ومبدا منع الاحتكار ورفض السياسات الاغراقية ، ومباديء حماية المنتج الوطني ، ومباديء حظر قيود الملكية الفكرية كلما كانت ذات اثر سلبي على انماء حركة التجارة ، وغيرها الكثير من المباديء التي اقرتها اتفاقيات التجارة الدولية وغيرها ، فاذا كان انفاذ هذه الاتفاقيات يوجب تنفيذ الدولة النامية لالتزاماتها فان ما طالبت به الدول النامية في ملتقيات التفاوض الدولية انما هو التفعيل المتوازي لهذه المباديء عند انفاذ وتفعيل قواعد ومتطلبات الالتزام .
اننا في العالم العربي نتجه نحو سياسات طموحة وهامة في حقل تقنية المعلومات وصناعة البرمجيات ، وهذا يطرح تحديات كبرى امامنا لا تقل عن تحدي تهيئة فرص الاستثمار ، ولعل ما نرى اهميته الاولى – بعيدا عن التعارض في الموقف من نظام الحماية – تنظيم سوق البرمجيات والخدمات التقنية ، لان مثل هذا التنظيم يتيح اعتماد المعايير والمواصفات ويتيح اشاعة قواعد مهنية تحدد السلوك التجاري ويتيح سهولة تحقيق القطاع لمتطلباته في التفاوض مع الجهات الدولية والاقليمية ، ومن هنا ندعو الى وقفة اكثر جدة لجهة تنظيم القطاع وتحديد متطلبات نموه وتطوير ادائه ، فالتنظيم رافعة من روافع انفاذ القانون بشكل ارادي مقبول للكافة وفوق ذلك اهم روافع إنجاز مكاسب جماعية للوطن كله في العلاقة مع الاطراف الاخرى . وهو الوسيلة لحل مشكلات القطاع بين مالكي الحقوق ومستخدمي المنتجات والعاملين في تسويقها .