حصل مؤخرا المهندس المصري كيرلس عطية، المقيم بإسبانيا على درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف في مجال هندسة الفضاء وبالتحديد تصميم هوائي (antenna) لتغذية التلسكوبات الراديوية ذات النطاق العريض.
بعد عدة شهور من نيل درجة الدكتوراة تقدم كيرلس عطية لمسابقة جائزة المواهب والتكنولوجيا Premio Talento y Tecnología لأفضل رسالة دكتوراة تمت مناقشتها في جامعات مدريد في آخر 4 سنوات، لتحصد رسالته جائزة الأفضل من بين 400 رسالة أخرى.
المزيد من التفاصيل حول رسالته، وكيف ستخدم مجال الفضاء رواها المهندس كيرلس عطية، لموقع (بوابة الشروق):
Table of Contents
كيرلس عطية .. من الأقصر إلى إسبانيا
يقول كيرلس عطية ، إنه وُلد بمحافظة الأقصر، وتخرج من كلية الهندسة قسم هندسة الاتصالات جامعة أسوان عام 2011، وحل بالمرتبة الثانية علي الدفعة وعُين معيدا بعد التخرج، وفي عام 2014 سافر إلى إسبانيا واستكمل الماجستير والدكتوراة.
صعوبات في الطريق
ويتذكر كيرلس عطية أيامه الأولى في إسبانيا قائلا: “في بداية تواجدي بإسبانيا واجهت عدة صعوبات منها المواد الدراسية في مجال الاتصالات، فأنا لم أكن أدرسها من قبل، وكان عامل الصعوبة الأكبر هو اللغة ولكن تغلبت على ذلك بقراءة الأبحاث والكتب بالإنجليزية ومع الممارسة تمكنت من مواجهة هذه العقبة”.
هندسة الفضاء واستقبال الإشارات
استكمل كيرلس عطية : “تركيزي كان في جزء استقبال الإشارات في مجال هندسة الفضاء والذي ينقسم لجزئين، الأول وهو محطات رصد في الأرض تصور الكواكب والأجرام السماوية، والثاني هو محطات رصد عن طريق الأقمار الصناعية، المجال الأول له أهميته لدراسة الكواكب في الحاجات المستقبلية مثل تتبع الكواكب ومدى صلاحيتها للحياة؛ لذا فإن فوائده بعيدة المدى، لكن على العكس في المجال الثاني لأن حاليا الأقمار الصناعية أصبحت الأساس في الاتصالات الحديثة وفي رصد المناخ وتوقع درجات الحرارة بدقة”.
مضمون رسالة الدكتوراة
ويشرح كيرلس عطية مضمون الرسالة فيقول، إن الأقمار الصناعية أصبحت مهمة في العديد من التطبيقات بحانب الاتصالات مثل التنبؤ بالطقس وقياسات بخار الماء والرطوبة الجوية، ولكن واحدة من أهم المشاكل التي تواجه الأقمار الصناعية خصيصا التي تعمل في نطاق الترداد العالية، هي ظروف التبريد الصعبة الواجب توافرها حتى تعمل أجهزة الاستقبال بجودة عالية.
وهذه المبردات تستهلك أضعاف الطاقة اللازمة لأجهزة الاتصالات نفسها وبذلك لا تؤثر فقط على زيادة وزن الأقمار الصناعية بل تقلل من عمرها الافتراضي lifetime حتى أن بعضا منهم يكون عمره الافتراضي بضع شهور أو القليل من الأعوام، وهنا يكمن الحل البديل في تحويل الإشعاع الكهرومغناطيسي (الإشارات الكهربائية) إلى إشارات ضوئية واللي يمكن استقبالها بدون الحاجة للتبريد.
وتابع: “ولكن هنا واجهتنا مشكلة بحثية كبيرة وهي كفاءة تحويل الإشارات الكهربائية إلى إشارات ضوئية حيث تبلغ أفضل كفاءة تحويل في هذه الترددات العالية حوالي جزء من 10 مليون (1e-7) أي أننا نفقد معظم طاقة الإشعاع في عملية التحويل”.
واستطرد كيرلس عطية : “في عام 2018 وبالتعاون مع فريقي البحثي في جامعة كارلوس الثالث بمدريد (UC3M) و9 مؤسسات دولية متضمنة معهد ماكس بلانك في ألمانيا (MPG) ووكالة ناسا (JPL-NASA) استطعنا نشر ورقة بحثية في مجلة اوبتيكا (OPTICA) وهي رابع أفضل مجلة في العالم في مجال البصريات بمعامل تأثير 9”.
ويضيف أنه خلال هذه الورقة البحثية “أوضح أننا استطعنا الوصول معمليا إلى رقم قياسي في كفاءة التحويل (2e-5) أي معدل تحسين حوالي 100 ضعف، ولم نتوقف عند هذا الحد، بل خلال رسالة الدكتوراة استطعت الوصول إلى كفاءة التحويل (1e-1) أي معدل تحسين أكثر من 1000 ضعف وتم نشر النتائج الأولية هذا العام في مجلة سينسورز (Sensors)”.
وحاليا يتم الجزء العملي الخاص بالأبحاث تحت تمويل حكومة مدريد حيث استطاع مشرف رسالة الدكتوراة بروفيسور لويس انريكي (Prof. Luis Enrique) الحصول على مشروع بحثي بمقدار مليون يورو، وفقا لكيرلس.
أما الجزء الثاني من رسالة الدكتوراة فيهدف إلى تصميم هوائي (antenna) لتغذية التلسكوبات الراديوية ذات النطاق العريض (UWB Radio Telescopes)، ففي العادة تستخدم 4 هوائيات ولكن كيرلس في رسالته للدكتوارة استطاع تقليص العدد واستخدم هوائيا واحدا مع الحصول على نفس الأداء، وهو ما يحقق فائدة كبرى خاصة في الأقمار الصناعية حيث سيؤدي إلى تقليل الحجم والتكلفة.
وبعد نشر البحث في مجلة IEEE Transactions on Antennas and Propagation وهي مجلة علمية من الفئة الأولى ومن أكبر المجلات في مجال الهوائيات تواصلت شركتين إسبانيتين مع كيرلس لتنفيذ الفكرة، وبالفعل استطاعوا الحصول على تمويل من وكالة الفضاء الأوربية، حيث يهدف المشروع إلى استخدامها في قمر صناعي موجه للقارة القطبية لدراسة تأثير المناخ مثل معدل ذوبان الثلج وسمك طبقات الثلج وبدأ تنفيذ المشروع ونُشر أول بحث للنتائج هذه السنة.
ويُكمل كيرلس: “خلال فترة الدكتواره شاركت في 14 مشروعا بحثيا بمجموع تمويل أكثر من 3 ملايين يورو، ممولة من مصادر حكومية مثل حكومة مدريد – وزارة التعليم الأسباني – وزارة الشؤون الاقتصادية والتحول الرقمي الإسبانية – وكالة البحث العلمي الإسبانية – وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وشركات دولية مثل هواوي HUAWEI – سينير SENER – وEOSOL”.
وتم نشر 55 بحثا، مقسمين إلى 14 بحثا في مجلات علمية عريقة (منهم 10 تصنيف الفئة الأولي Q1) و39 في مؤتمرات دولية، كما سافر إلى أكثر من بلد لعرض الأبحاث في مؤتمرات علمية وندوات علميه في كاليفورنيا وتكساس بالولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وفرنسا ومدن أخرى كثيرة في إسبانيا، مشيرا إلى أن هناك شركتين حصلا على دعم من وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” لتطبيق مشروع الرسالة، ليتم استخدام الهوائي الذي صممه خلال مشروع الدكتوراة في إطلاق قمر صناعي.
جائزة المواهب والتكنولوجيا
يوضح كيرلس: “كل ذلك شجعني على التقديم على الجائزة وهي جائزة المواهب والتكنولوجيا Premio Talento y Tecnología لأفضل رسالة دكتوراة تمت مناقشتها في جامعات مدريد في آخر 4 سنوات والتي تقدم لها أكثر من 400 رسالة، وتم اختيار رسالتي للصعود للتصفيات النهائية وبفضل الله حصلت على المركز الأول في أفضل رسالة دكتوراة في تخصص هندسة الفضاء”.
حلم صعب تحقيقه
يقول كيرلس: “في الحقيقة، لم أكن أتوقع الفوز بالجائزة لأنني حصلت على الدكتوراة منذ أشهر قليلة، ولكن قررت خوض التجربة فلو لم يقدر لي الفوز، حينها سأقوم بتحسين أبحاثي ليكون أمامي فرصة أكبر للفوز في العام القادم، وعندما علمت أنني وصلت للتصفيات النهائية، شعرت بإحساس غريب وجميل جدا لأنني لم أكن أتوقع ذلك، وعندما ذهبت لحضور الحفلة والتي أعلنوا خلالها أنني الفائز الأول في مجال الفضاء كانت فرحة لا أتخيلها”.
مشروع فضائي في مصر
وعن إمكانية تنفيذ مشروع خاص بأبحاث الفضاء في مصر، قال إنه “حاليا للأسف لا يوجد أي فكرة لعمل مشروع مماثل في مصر، ولكن أتمنى في المستقبل أن يكون هناك تعاون بيني وبين وكالة الفضاء المصرية لأن هذا المجال يحتاج مجموعة عمل كاملة”.
وواصل: “على سبيل المثال، أنا صممت الهوائي وبجودة عالية لكن لابد من وجود مهندسين مكانيكا لمواتير الأقمار الصناعية ومهندسين إلكترونيات لباقي الدوائر وهكذا، لكن بمفردي أو كهوائي فقط فهذا شيء صعب”.