الهجرة الكارثة..من ظاهرة عادية إلى تهديد عالمي
أشارت إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن عدد المهاجرين في العالم بلغوا رقماً قياسياً في العام الماضي 2015. ومن المعروف أن القارّة الأوروبية، القارّة العجوز كما يطلقون عليها، هي إحدى الوجهات الأساسية للمهاجرين القادمين بنسبة عالية منهم من بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا وبلدان أوروبا الشرقية والوسطى «الشيوعية سابقاً».
الآراء في أوروبا حيال موجات الهجرة الجديدة ترددت بين أولئك الذين يرون في المهاجرين «حظّا» بالنسبة للبلدان الأوروبية المتقدمة التي تعاني من أعراض «شيخوخة سكانها وتناقص أعدادهم». وأولئك الذين يرون في المهاجرين الوافدين الجدد خطراً على مجتمعاتهم التي تعاني أصلاً من أزمات اقتصادية واجتماعية، وحتى من أزمات هويّة.
ووصل ببعض المناهضين للهجرة والمهاجرين التشاؤم حيال المستقبل الذي يترتب على استقبال أعدد كبيرة من «الأجانب» إلى الحديث عن «الهجرة الكارثة». وهذا بالتحديد هو عنوان كتاب «جان إيف لو غالو»، الأخصائي الفرنسي بمسائل الهجرة والذي سبق له وقدّم عددا من المؤلفات حول موضوعها.
بعد أن يرفق «جان إيف لو غالو» الهجرة بتوصيف «الكارثة» – بصيغة الإثبات ودون أي استفهام ــ يطرح السؤال التالي: ما العمل؟. وهو السؤال الذي اختاره كعنوان فرعي للكتاب. وجهة النظر الذي يقدّمها في هذا الكتاب تدور في واقع الأمر حول التأكيد أن أفواج المهاجرين إلى فرنسا وأوروبا عموماً يشكّلون «تهديداً حقيقياً» لوجودهما، أي لفرنسا وأوروبا.
والتأكيد في هذا السياق أن «الهجرات ظاهرة معروفة على مدى التاريخ الإنساني. لكنها أدّت في أغلب الأحيان إلى فناء المجتمعات التي تستقبلها». والعودة في هذا السياق إلى تاريخ الإمبراطوريات الكبرى من أجل تقديم بعض الأدلة التاريخية على مثل هذه المقولة.
ويؤكّد جان إيف لو غالو أن أسبابها الرئيسية تكمن بشكل أساسي في عدة عوامل تتعلّق بالزيادة الهائلة بعدد السكان في بلدان الجنوب، التي تنطلق منها الهجرات، والحروب وعدم وعي أو تجنّب أي نقاش جدي للمخاطر التي تطرحها الهجرة من قبل المسؤولين الأوروبيين والتهديد الذي يمثّله مشروع إيديولوجي تجسّده «نزعة الهجرة العالمية التجارية التي قامت النخب الأوروبية بتسهيل انتشارها لدى أصحاب القرار».
ويشير المؤلف منذ البداية إلى أنه لا يريد الاكتفاء بملامسة الموضوع، كما جرت العادة للذين تعرّضوا لموضوع الهجرة، لكنه سيشرح الأسباب ويرسم المسارات المترتبة على الهجرة بالنسبة لأوروبا.
وفي ما يقارب الــ 500 صفحة التي تحتوي على عدد كبير من المراجع والخرائط والإحصائيات والوثائق المتنوّعة يتعرّض إلى الهجرة من مختلف مظاهرها الاقتصادية والسياسية والتاريخية والأمنية والثقافية والجيوبوليتيكية..إلخ.
ولا يتردد المؤلف في توجيه النقد العنيف لـ«السلطات العامّة» في مختلف البلدان الأوروبية التي يرى أنها «لم تكتف بعدم قدرتها على رسم سياسات واضحة حيال الهجرة»، بل أنها أظهرت الكثير من الليونة حيالها باسم «إيديولوجية حقوق الإنسان» و «النضال ضد مختلف أشكال التمييز العنصري».
وما يرى فيه المؤلف «نقصاً كبيراً في الشجاعة»، بينما أن «الشجاعة أوّلاً» هي التي يؤكّد عليها ويعـــــتبرها بمثابة «مفتاح الحل». ذلك بمعنى «المحافظة على السيادة الوطنية» و«الهويّة الوطنية» و«التفضيل الوطني» و«الاستقلال الأوروبي» إلى غير ذلك من التوصيفات من نفس الطبيعة.
نقد شديد أيضا يوجهه مؤلف هذا الكتاب لـ «النخب» التي تردد بـ «مناسبة وغير مناسبة» تمسّكها بمفاهيم «العيش المشترك» و«التمييز الإيجابي». هذا التمييز بمعنى إعطاء المهاجرين بعض الميزات بقصد «دمجهم في مجتمعهم الجديد». والإشارة بأشكال مختلفة أنه «وراء اقتصاد الهجرة هناك إيديولوجية الهجرة».
هذا في الوقت الذي يؤكّد فيه المؤلف أنه «دون تسمية الشرور باسمها الصريح ودون طرح الحلول الحقيقية فإنه لن تتم تسوية أي شيء». «الحلول»، كما يشرح، موجودة وواضحة قبل أن يضيف أن «الدوائر السياسية العليا تجعل الخوض فيها من المحظورات». لكن ليس من أجل «المحافظة على المصلحة العامة»، كما تردد، ولكن بالأحرى من أجل «مشروعها» و«مصالحها» الخاصّة.
وبعد طرح «الإشكاليات» التي تطرحها «الهجرة ــ الكارثة»، حسب التحليلات المقدّمة، يقوم المؤلف بمحاولة الإجابة عن سؤال «ما العمل؟». ويشير إلى أن المطلوب قبل كل شيء هو «التخلّص من الأوهام» التي يرددها السياسيون بجميع مشاربهم فيما يتعلّق بوعود «الإحاطة بالهجرة النظامية أو السريّة» والتي تتم ترجمتها باستمرار في ارض الواقع بـ«تعاظم عدد المهاجرين».
بكل الحالات يؤكّد المؤلف أن معالجة مسألة الهجرة والمهاجرين بصورة جدية وفعّالة ستكون صعبة وستتطلب وقتا طويلا. هذا إلى جانب التغيير في آليات معالجة المشكلة ــ الكارثة. ويجد المؤلف مرجعيّة آلية الحل في كلمة ينقلها عن وزير الخارجية الفرنسي الأسبق الاشتراكي هوبير فيدرين. ومفادها:«إن اللجوء إلى القوّة سيكون في لحظة أو بأخرى حتمية لا يمكن تجنّبها».
من موقع العداء
كتاب لا يتردد مؤلفه في التأكيد أن المهاجرين ليسوا «حظّا» بالنسبة لأوروبا، بل هم كارثة كبيرة لها. إنها وجهة نظر فيها بوضوح الكثير من العداء حيال المهاجرين إلى أوروبا. ولكن لها من يدافع عنها..ولا شكّ أنه ينبغي التعرّف عليها فهي موجودة في الواقع و«بقوّة».
المؤلف في سطور
جان لو غالو، كاتب فرنسي، وأحد الأخصائيين الفرنسيين في المسائل المتعلّقة بالهجرة، سبق وصدر له عدّة كتب منها «التفضيل الوطني: إجابة عن الهجرة» و«الهجرة: وهم الاندماج»..إلخ.