حضارة إسلاميةالمجلة

تعامل العرب قديمًا مع حرارة الصيف : دراسة في التاريخ والثقافة

العرب قديمًا كانوا يعيشون في مناطق حارة تتميز بصيف شديد الحرارة. تعاملهم مع هذه الظروف المناخية كان يعكس تفكيرًا عميقًا وإبداعًا في العمارة والزراعة والطب التقليدي والحياة اليومية.

في هذا المقال، سنستعرض كيف تعامل العرب القدماء مع حرارة الصيف وما هي الأساليب التي اتبعوها للتكيف مع هذه الظروف القاسية.

العمارة والتصميم المعماري

  1. البيوت القديمة: كانت البيوت العربية القديمة تصمم بطريقة تقلل من دخول الحرارة وتزيد من تهوية الهواء. الفناء الداخلي والأقنية العميقة كانت جزءًا من التصميم لتوفير الظل والتهوية.
  2. القصور والقلاع: كانت القصور والقلاع تتميز بأبواب ونوافذ صغيرة تقلل من دخول الحرارة، والأسقف المائلة لحماية المبنى من الشمس الحارقة.
  3. المساجد: كانت المساجد تصمم بطريقة توفر الراحة للمصلين في الصيف، مع وجود مساقط للمياه لتبريد الهواء وأسقف مرتفعة لتعزيز التهوية.

الزراعة والبستنة

  1. الزراعة المطرية: كانت الزراعة المطرية شائعة في المناطق التي تتلقى أمطارًا كافية، حيث كان المزارعون يستفيدون من الأمطار الصيفية لزراعة المحاصيل.
  2. الري السطحي: كان الري السطحي من خلال القنوات والخنادق شائعًا لتوفير المياه للمحاصيل في المناطق الجافة.
  3. الحدائق المائية: كانت الحدائق المائية أو “النواعير” تستخدم لتوفير المياه وتبريد الهواء في الحدائق والمنازل.

الطب التقليدي والعلاجات الطبيعية

  1. الأعشاب والنباتات: كان العرب يستخدمون الأعشاب والنباتات المحلية لعلاج الحرارة والجفاف، مثل الحلبة والشبت والنعناع.
  2. الأطعمة المناسبة: كانت الأطعمة الطبيعية والمحتوية على الماء، مثل الفواكه والخضروات، تعتبر الأفضل للحفاظ على الرطوبة الجسم.
  3. العلاجات الطبيعية: كانت الاستحمام بالماء البارد واستخدام الثلج والمياه المعدنية لتخفيف آثار الحرارة.

الحياة اليومية والتقاليد

  1. النوم في الظل: كان النوم في الظل أو في الأوقات الأكثر برودة من النهار شائعًا لتجنب الحرارة العالية.
  2. الملابس المناسبة: كانت الملابس القطنية الخفيفة والمفتوحة ترتدي لتوفير الراحة في الصيف.
  3. الأنشطة اليومية: كانت الأنشطة اليومية تقتصر على الأوقات الأكثر برودة، مثل الصباح الباكر أو المساء.

الثقافة والأدب

  1. الشعر والأدب: كان الشعراء العرب يكتبون عن تجاربهم مع الصيف وكيفية التعامل مع الحرارة. من خلال الشعر والأدب، تم توثيق الطرق التي اتبعها الناس للتكيف مع الظروف المناخية.
  2. الأساطير والأساطير: كانت هناك أساطير وقصص ترويجية تتحدث عن الطرق التي استخدمها الناس للتغلب على الحرارة، مثل قصص الجن والأساطير المحلية.

التجارة والاقتصاد

  1. التجارة الصيفية: كانت التجارة في المناطق الحارة تتطلب تكيفًا خاصًا مع الظروف المناخية. كان التجار يختارون السلع التي لا تتلف بسهولة في الحرارة ويستخدمون وسائل النقل المناسبة.
  2. الزراعة والتجارة: كانت الزراعة المحلية وتجارة المحاصيل تلعب دورًا هامًا في الاقتصاد المحلي، حيث كان الناس يعتمدون على المحاصيل التي تتحمل الحرارة.

التعليم والعلوم

  1. العلوم الطبيعية: كان العلماء العرب يدرسون الظواهر الطبيعية وكيفية تأثيرها على البيئة والإنسان. كان هناك تركيز خاص على دراسة المناخ والطقس.
  2. التعليم العملي: كان التعليم يشمل الطرق العملية للتعامل مع الحرارة، مثل كيفية الحفاظ على المياه والأغذية في الظروف الحارة.

الدين والثقافة

  1. الأديان والعبادة: كانت الطقوس والعبادة في الأديان المختلفة تتكيف مع الظروف المناخية، مع وجود أوقات خاصة للصلاة والعبادة في الأوقات الأكثر برودة.
  2. الأعياد والمناسبات: كانت الأعياد والمناسبات تقام في الأوقات الأكثر برودة، مما يجعلها أكثر متعة وراحة للجميع.

التكنولوجيا والابتكار

  1. الأدوات والتقنيات: كان هناك ابتكار في الأدوات والتقنيات التي تساعد في التعامل مع الحرارة، مثل الأجهزة التي تساعد في تبريد المياه والهواء.
  2. الطاقة المتجددة: كانت هناك أساليب لاستخدام الطاقة الشمسية والرياح لتوفير الطاقة وتبريد البيئة.

تقول المصممة المعمارية المصرية منال سيد حسن لموقع (الجزيرة نت) إنه من الممكن أن تساعدنا إعادة التفكير في بنيتنا واستخدام تقنيات تبريد أكثر كفاءة، وتطبيق تقنية الملاقف أو أبراج الرياح في البناء الحديث.

وتضيف في حديثها لـ “الجزيرة نت” أنه “يجب علينا إعادة تقديم هذه الاختراعات لتحسين الكفاءة والأداء، وتبني عمارتنا من دون بالتخلي عن حكمة الماضي، كما يتعين علينا إعادة النظر في تاريخنا وفهمه باستمرار، ولا يوجد سبب أفضل من تذكر وإعادة تطبيق اختراع أسلافنا عندما لم تكن لديهم الوسائل التي لدينا اليوم”.

ويمكن الاستدلال على ذلك ببعض المباني الحديثة التي تقوم بهذا بالفعل، مثل جامعة قطر، التي تستخدم أبراج الرياح للحفاظ على برودة مبانيها.

وهناك حلول أخرى -بعضها تقليدي وبعضها حديث- قد تؤدي دورها في إعادة التوازن البيئي لتلك الجزر قدر الإمكان، منها  تقليل المساحات الداكنة في الشوارع والأسطح الإسمنتية واستخدام الألوان الفاتحة في دهان المباني لتعكس الحرارة.

وربما لاحظت أن المنازل في المناطق الحضرية الحارة غالبًا ما تكون بيضاء، وتعيد بعض البلدان هذا النهج من خلال طلاء الأسطح والهياكل بطبقة بيضاء من الجير فيما يُعرف بـ”العزل الحراري”. يمكن أن يقلل هذا من درجات الحرارة الداخلية بمقدار 2 درجة مئوية إلى 5 درجات مئوية.

عند تصميم المباني الجديدة، يميل المهندسون المعماريون في التصميم المناخي الحيوي إلى الجمع بين مصادر مختلفة للإلهام لكنهم يُجمعون على أن الموقع هو كل شيء.

في هذا الصدد، تؤكد منال سيد حسن أنه يجب الانتباه إلى اتجاه الشمس والتأكد من عدم تعرض واجهاتك لأشعة الشمس المباشرة، ثم دراسة اتجاه الرياح بعناية، وهو أمر مهم لتصميم الفتحات التي تشجع التهوية المتبادلة.

وتتميز التقنيات الحديثة التي تستخدم التبريد الإشعاعي -المستخدم قديمًا- بأنابيب داخل الجدران والأرضيات تحمل الماء المبرد. وقد لوحظ أن هذا وحده يقلل من تكاليف التدفئة والتهوية وتكييف الهواء في المنشآت بنسبة تصل إلى 25% أو أكثر.

وقد انقرضت الآبار المدرّجة في الغالب، لكن المهندسين المعماريين والمصممين يسعون الآن إلى إحيائها لتكون حلولًا حديثة للتحكم في درجة الحرارة وتوفير الطاقة لتخزين المياه في ظل شبح المياه الذي يواجهه كثير من الدول بانتظام على مدار العقود القليلة الماضية.

ومن الوسائل القديمة الأخرى التي يمكن أن تساعد على درء الحرارة “التظليل الخارجي” الذي يحجب أشعة الشمس الحارة القادمة خلال فترة ما بعد الظهر، وهذا يقلل من وصول الحرارة إلى الأسطح الخارجية للمنزل (النوافذ والجدران الفارغة)، ويحافظ على الواجهة باردة في الأجواء الحارة، كما يمنع العزل الحرارة من الانتقال عبر السقف، على سبيل المثال.

في البداية، تم عمل هذا التظليل بالأشجار، ولكن مع تطور التقنيات، يمكن تحقيق التظليل من خلال لوح معتم يمر عبر المنزل (يُرى فوق النوافذ الحديثة)، وشرفات ممتدة، ومظلات خشبية مثقبة تسمى العريشة.

تظهر أمثلة على ذلك في العمارة المغولية التي تتميز بوجود الشرفات أو النوافذ المزخرفة المصنوعة من مجموعة متنوعة من المواد، مثل الخشب والحجر، وتسمى الجاروكا أو الجاروخا، وتتميز بتصميمات شبكية معقدة تُظهِر إتقان الحرفيين، وتوفر فصلًا للمساحة، مما يقلل درجة حرارة الغرف بالداخل.

هذه الطرق يمكن أن تقلل درجات الحرارة الداخلية بنحو 5 درجات مئوية كما يمكن لمراوح السقف أن تساعد على توزيع هذا الهواء البارد. ومن المثير للاهتمام أن حصائر القصب لا تزال تستخدم في زخرفة العديد من المنازل الحديثة.

ما زال هناك الكثير لنتعلمه ونطبقه من الطرق العربية القديمة، وخاصة كيفية تعاملهم مع تدفق الهواء والتبخر، حيث يمكن لإدخال التهوية من خلال فتح النوافذ الموجودة في الاتجاه المعاكس أن يحسن بشكل كبير جودة الهواء؛ مما يؤدي إلى موائل أكثر برودة وصحة.

خاتمة

تعامل العرب قديمًا مع حرارة الصيف كان مثالًا للإبداع والتكيف. من خلال العمارة الحكيمة والزراعة المستدامة والطب التقليدي والحياة اليومية، تمكنوا من العيش في بيئة صعبة وتحقيق التوازن بين الحاجات البشرية والطبيعة. هذه التقنيات والأساليب لا تزال تحمل قيمة علمية وثقافية يمكن است

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى