كيف يمكن للإنسان أن يترك للإيموجى أو “الإيموشن” حرية التعبير عن مشاعره إلى هذا الحد الذى يصل فيه إلى أن يتحول إلى لغة كونية يتواصل من خلالها الملايين يوميا؟!
بالتأكيد لم يخطر فى ذهن اليابانى شيجيتاكا كوريتا، المصمم الأساسى للإيموجى، وهو الذى استلهم رسومه الأولى من الرموز التعبيرية للأحوال الجوية وتوقعاتها، كما استلهمها أيضاً من المانجا.. تلك الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة المعروفة فى اليابان، مهما وصل به الخيال أن رسومه هذه ستغزو العالم، وتنتقل بسرعة وسلاسة شديدة من شبكات الهاتف المحمول اليابانية إلى نظام يونيكود الأمريكى الموحد، وتتحول فى وقت لاحق إلى ما يمكن وصفه باللغة الأكثر انتشارا فى تاريخ البشرية حتى لو لم يعرف من يستخدمها اسم مبتكرها ومنابع استلهامها!
وبالتأكيد لا تعنى هذه الحقائق كثيرا من يقدم على استخدام الإيموجى، فقط ما يعنيه هو أن يعثر على الوسيلة الأكثر سهولة وسرعة فى التعامل مع الآخرين، لكن ترى هل هى مجرد وسيلة تؤدى هدفا ما فى وقت ما، أم أنها الأكثر قدرة أيضا على التعبير عما يدور فى أعماقه من أفكار أو مشاعرسعادة أو حزن، حب أو كراهية، رضا أو غضب أوغير ذلك؟!
نعم، هى بالفعل تستطيع وبجدارة أن تحقق ذلك بالنسبة للملايين، فبضغطة واحدة على لوحة المفاتيح يستطيع أن ينقل المرء الكثير مما كان ينقله للمتلقى، عبر العديد من الحروف! لكن الغريب حقا أن تتلاقى هذه الرموز أو الوسيلة شديدة الاختزال والتكرار مع مشاعرنا حتى فى أقصى لحظات الرومانسية والشجن أو حتى المشاعر المتدفقة العادية دون أن تنفى فكرة الرومانسية أو الإحساس بالإنسانية أو التفرد والخصوصية لمستخدمها، فهو يعرف جيدا أن هنا عددا لا حصر له من البشر يستخدمونها فى الوقت نفسه الذى يستخدمها هو فيه، وللسبب ذاته الذى يستخدمها هو من أجله.
ابتكار الإيموشن:
كان “كوريتا” يبحث فى عام 1999 عن وسيلة أكثر فاعلية لتسهيل التواصل بين المستخدمين خاصة مع ظهور التراسل النصى بين المستخدمين، خاصة وأن اللغة اليابانية تعد من اللغات الصعبة، وهو ما دفعه لتطوير مجموعة مكونة من 176 “إيموشن” تعبر عن كل شيء، المشاعر، والأطعمة والمشروبات، واتجاهات الطريقة.. وأطلق عليها “إيموجى” وهى كلمة يابانية معناها الصورة الرمزية.
اعتمد “كوريتا” على الصور حيث قال:” أردت للإيموجى أن تكون رمزا بسيطة، مثل اللغة العالمية يمكن لأى شخص أن يفهمها”، وقد كان “كوريتا” يتعامل مع اختراعه البسيط بشكل جدى، لكنه لم يكن يعلم أيضا أن هذا الاختراع سيتوسع بهذا الشكل، ويصبح سببا فى انتشار مبيعات الهواتف المحمولة فى اليابان، لسهولة الاستخدام والكتابة بعيدا عن الرموز اليابانية المعقدة، وقد ظل الأمر محدود فى اليابان حتى العام 2007.
انتشار الإيموشن:
فى عام 2007، أدخلت شركة جوجل “الإيموشن” فى خدمة البريد الإلكترونى التابعة لها وخدمة التراسل، لتتبعها أبل فى عام 2011 بإدخالها فى نظام تشغيلها، وهو ما ساعد فى النهاية فى انتشار الإيموشن بشكل كبير وتطويرها بشكل أكبر، وبحلول 2015 أصبحت الإيموشن بمثابة اللغة العالمية، للدرجة التى جعلت الكلمة تدخل قاموس أكسفورد، وتعتبر «كلمة العام».
يرجع الكثير من علماء الاجتماع السر وراء ذلك الإيموشن إلى وجود رغبة دفينة لدى الإنسان إلى تجنب غياب لغة الجسد وتعابير الوجه عبر المحادثات الرقمية كالرسائل القصيرة أو تطبيقات الدردشة.