يُعتبر اختبار تورينغ أسطورة في عالم الذكاء الاصطناعي. اقتُرح هذا الاختبار لأول مرة من قبل عالم الرياضيات آلان تورِينغ في ورقة بحثية شهيرة جدًا نشرت في عام 1950. يصف الاختبار طريقة عملية (ومسلية) لمعرفة ما إذا وصلت الحواسيب لمستوى ذكاء بشري. تقول الطريقة (التي سماها تورينغ لعبة المحاكاة) إنه إذا استطاعت الآلة إقناع بشري آخر بأنها بشر عبر محادثة نصية فإنها تكون قد نجحت بالاختبار. وهو أمر سهل نظريًا ولكنه شبه مستحيل عمليًا.
صمم تورينغ هذه الطريقة ردًا على النقاد وزملائه الذين قالوا إن الآلة لا يمكن أبدًا أن تصبح ذكيةً حقًا. ولكن تورينغ آمن بقدر الآلات التي أسماها الحواسيب الرقمية لأنه كان أول الذين تخيلوا آلات قابلة للبرمجة (آلات يمكن برمجتها لإنجاز أي شيء) والتي ندعوها اليوم بالحواسيب.
Table of Contents
آلة تورينغ الشاملة
كان آلان تورِينغ رياضيًا بريطانيًا، وهو أول من فكر بفكرة الحواسيب الحديثة، وقد لعب دورًا هائلًا في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عبر فك تشفير آلة إنيجما.
حوكم تورِينغ سنة 1952 لمثليته الجنسية (إذ كانت المثلية غير قانونية في بريطانيا حتى عام 1967)، وقُبل بالعلاج الكيميائي الإخصائي لتجنب دخول السجن. وُجد ميتًا بسبب تسمم السيانيد سنة 1954. مُنح آلان تورينغ تبرئة ملكية عام 2013 من قبل الملكة إليزابيث الثانية.
بدأ تورينغ بالكتابة عن الحواسيب قبل وجودها، إذ إنه وصف ما يسمى بآلة الحوسبة الشاملة في ورقة بحثية عام 1936.
كتب تورينغ: «بحسب تعريفي، يكون الرقم قابلًا للحوسبة إذا كان بإمكان الآلة كتابة أجزائه (آحاده، عشراته،….)»، وقال: «إنه بالإمكان اختراع آلة واحدة يمكنها حساب أي سلسلة من العمليات الحسابية».
إن تعريف قابلية الحوسبة الذي قاله تورينغ (شيء يمكن لحاسوب فعله) يعرف اليوم بالخوارزمية. وكان تورينغ أول من وصف آلة يمكن برمجتها لتشكيل عدد من الخوارزميات المتعاقبة لتحقيق هدف ما.
جرب الكثير من الرياضيين والمهندسين تطوير الآلات الحاسبة (أشهرهم باباج) وتورينغ هو أول من فكر بآلة غير محدودة لحل مسالة معينة فقط عن طريق تخزين الأوامر ثم تنفيذها.
آلة قادرة على التفكير
منذ البداية، اعتُبرت آلة تورينغ نوعًا من الذكاء الاصطناعي البسيط رغم أن مصطلح الذكاء الاصطناعي لم يستخدم حتى عام 1956. حتى أن تصميم الآلة كان يحاول أن يحاكي عمل الدماغ.
يحمل الشريط المعلومات على شكل رموز ويمكن للماسح إما قراءتها أو كتابة رموز جديدة بحسب «حالته الذهنية» والمعلومات الموجودة على الشريط، ما سيحدد الحالة الذهنية بعد إجراء العملية وهكذا.
بعد أكثر من عقد، كان تورينغ يقود الجهود البريطانية لبناء واحد من أوائل الحواسيب الرقمية في العالم، ما دفعه لدراسة علم الأعصاب والفيزيولوجيا. ثم نتج عنه ورقة بحثية وصفت كيف يمكن برمجة الآلة لتتعلم بنفسها، وتعتبر أحد أول الاقتراحات لما ندعوه اليوم «الشبكات العصبية» ما تُعتبر نوعًا معززًا لتعلم الآلة في طليعة الذكاء الاصطناعي.
لعبة المحاكاة
لم يكن تورينغ الوحيد الذي أعجب بالتشابه بين ذكاء الإنسان والآلة. طوِّرت سلسلة من التكنولوجيا الجديدة أثناء الحرب العالمية الثانية، من ضمنها الحواسيب المبكرة، الأقمار الصناعية، والطاقة النووية، والتي اختلبت ألباب المفكرين والعامة من الناس، فما إن تتحدث عن الحواسيب في تلك الحقبة حتى تتراءى للعامة صور عن عقول صناعية واحتمالية منافسة الحواسيب للبشر.
ففي كتاب «Cybernetics» عام 1948 يتساءل الكاتب نوربيرت واينر عما إذا كان بإمكاننا إنشاء آلة قادرة على لعب الشطرنج، وفيما إذا كانت هذه القدرات تشكل فرقًا جوهريًا بين ذكاء الآلة وذكاء البشر.
هل يمكن للآلات أن تفكر؟
«سأناقش السؤال: هل يمكن للآلة أن تفكر؟» هكذا بدأ تورينغ ورقته. ولأن تعريف «آلة» و«تفكير» فضفاض جدًا؛ قرر تورينغ أن يضيق المجال باعتبار أن «آلة» تعني حاسوبًا رقميًا و«تفكير» يعني اجتيازه لعبة المحاكاة.
لم تكن تفاصيل لعبة المحاكاة مهمة جدًا بالنسبة لتورينغ إذ إنه ذكرها باقتضاب، ولكنه جعل منها اختبارًا مسليًا حيث يلعب الناس العاديون دور هيئة المحلفين في المحكمة.
هل سيتخطى أي حاسوب اختبار تورينغ ؟
عندما نشر تورينغ اختباره عام 1950 كان تورِينغ واثقًا أن الآلات الذكية ستتخطى الاختبار خلال 100 أو 50 عامًا. لدينا اليوم حواسيب قادرة على هزيمة أفضل اللاعبين البشر في ألعابهم. مثلًا، هزم حاسوب آي بي إم المسمى ديب بلو بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف عام 1997. وهزم حاسوب واتسون أفضل لاعب «جابرودي» كين جينينغ عام 2011.
ولكن، اختبار تورِينغ صعب جدًا ولم يقترب أي حاسوب من اجتيازه حتى الآن. إذ إن هناك مسابقة سنوية تدعى بجائزة ليوبينر (Loebner Prize) تستخدم اختبار تورينغ الخاص بها على أفضل روبوتات المحادثة (Chatbots) لمعرفة ما إذا كانت أحدث برمجيات الذكاء الاصطناعي قادرة على إقناع هيئة المحلفين أنها أكثر بشرية من منافسيها البشريين.