هل فكرت يوما أن الميزانية التي يتكلفها الطفل الواحد من استهلاك الحفاظات الصناعية بدءا من ولادته حتى بلوغه عامين ونصف العام تتعدى خمسة آلاف جنيه؟ أي ما يعادل تكلفة زراعة فدان من القمح!إذا كنت لا تصدق فدعنا نحسبها معا..
حفاظات صديقة للطفل والبيئة مشروع منزلي ناجح
يستهلك الطفل كحد أدنى خمس أو ست حفاظات يوميا، وقد تتعدى عشرا لدى بعض الأطفال، فإذا اعتبرنا أن الطفل يستهلك في المتوسط 6 حفاظات يوميا بما يساوي 2190 في السنة الواحدة، وغالبا ما يظل الطفل يستخدم الحفاظات حتى بلوغه عامين ونصف العام، يكون استهلك فيها ما يقرب من 5475 حفاظة، ومتوسط سعر الحفاظة الواحدة جنيه مصري “الدولار يعادل خمسة جنيهات ونصف جنيه تقريبا”، أي أن الطفل الواحد يتكلف كحد أدنى ما يزيد على خمسة آلاف جنيه، وإذا افترضنا أن الأسرة الواحدة لديها في المتوسط ثلاثة أطفال، فإن الميزانية التي تنفقها على الحفاظات تفوق 15 ألف جنيه، أي ما يكفي لإقامة مشروع صغير يساهم في تخفيض البطالة وتنمية المجتمع.
يضاف إلى ذلك ما يترتب على استخدام الحفاظات الصناعية من أضرار صحية على بشرة الطفل، حيث تحتوي الحفاظات على مواد كيميائية مثل الديوكسين التي تسبب السرطان وأمراضا أخرى، وتصنف وكالة حماية البيئة الأمريكية مادة الديوكسين على أنها من أشد المواد الكيميائية سمية، كما أنها تحتوي على مادة (TBT) وهي من الملوثات السامة المعروفة التي تسبب مشاكل هرمونية لدى البشر والحيوانات، إضافة لاحتوائها على بلورات فائقة الامتصاص تسبب التسمم، أما الأضرار الظاهرة فتتمثل فيما تسببه الحفاظات من طفح جلدي، فتضاف تكاليف أخرى لاستخدام كريمات معالجة هذا الطفح.
من الخياطة للمتجر الإلكتروني
كل ما سبق كان دافعا لساندرا روكو، وهي امرأة ماليزية وأم لطفلتين، لأن تبدأ مشروعا منزليا لتصنيع حفاظات قطنية آمنة، ولا تسبب الحساسية لجلد الطفل، ومتكررة الاستخدام مما يوفر في ميزانية الأسرة، لتصبح صاحبة متجر إلكتروني لتجارة مستلزمات الأطفال عبر الإنترنت.
في البداية كانت ساندرا تستنكر العودة لزمن الجدات حين كن يستخدمن الحفاظات القطنية القديمة الطراز والتي تقوم بالتسريب وتحتاج لمشابك ودبابيس قد تجرح الطفل، وهي مع ذلك غير محكمة، لكن رغبتها في توفير النقود التي تنفقها على الحفاظات الصناعية دفعتها لتجربة نوعية جديدة من الحفاظات القطنية التي اشترتها عبر الإنترنت، واكتشفت أن الأنواع الحديثة تختلف تماما عن تلك القديمة، حيث تتكون من عدة طبقات من القماش القطني أو الفيبر أو الصوف، وبأربطة لاصقة محكمة وسهلة التنظيف ليعاد استخدامها، فبدأت في البحث في الإنترنت عن أنواع وأشكال أخرى، ومن جانبها اختارت الأنواع القطنية لمناسبتها بشرة الطفل.
وخلال بحثها في شبكة الإنترنت قرأت الكثير عن خطورة استخدام الحفاظات الصناعية على بشرة الطفل، بل على البيئة، حيث تلقى الحفاظات المستعملة في النفايات والتي تساهم في تلويث البيئة، فقررت في عام 2007 أن تبدأ في تفصيل حفاظات قطنية من عدة طبقات من القماش، وقدمتها في البداية لصديقاتها على سبيل الهدية ثم بدأت في بيعها، وأخيرا فكرت في التوسع في مشروعها وبيع منتجاتها عبر الإنترنت، فأنشأت متجرا إلكترونيا بعنوان “مايا بامبينو”، و”مايا” هو اسم طفلتها الصغرى وعنوان المتجر:http://www.miabambina.com/store/Default.asp
الأم الخضراء!
وتعتبر ساندرا نفسها أما صديقة للبيئة، وتصف نفسها بأنها “أم خضراء” حيث لم يعد متجرها مقتصرا على بيع الحفاظات المصنعة يدويا فقط، بل امتد ليشمل كذلك أكياس تسوق صديقة للبيئة يعاد استخدامها حتى لا تلقى في النفايات، وتبيع أيضا حمالات قطنية لحمل الأطفال، وحقائب لمستلزمات الطفل، وصابونا طبيعيا مُصنعا من مواد عضوية، ومنتجات للعناية بالطفل، وألعابا آمنة، ومناديل قطنية لتنظيف الطفل، وأكياسا لحمل المناديل، وغيرها الكثير، وكل هذه المنتجات مصنعة منزليا باستخدام الأقمشة القطنية ومواد صديقة للبيئة وآمنة للطفل، ومع الوقت أصبح متجر ساندرا الإلكتروني يسوق لمنتجات أخرى شبيهة من ماركات عالمية، كل ذلك تحت شعار “استثمر في البيئة وفي صحة أطفالك”.
وتقدم ساندرا من خلال متجرها الإلكتروني إرشادات للأمهات حول كيفية اختيار الحفاظات الأفضل، وكيفية غسل الحفاظات بسهولة وطرق تخزينها، ويمكن للمتصفح استعراض المنتجات عبر المعرض الإلكتروني الذي يصنف المبيعات حسب أنواعها.
وتؤكد ساندرا أن غسل هذه الحفاظات سهل وبسيط، وهناك أنواع متعددة من الحفاظات التي تقوم بخياطتها وتختلف حسب عدد الطبقات وطبيعة مادة الحشو، فهناك حفاظات مضغوطة، وحفاظات خارجية لمنع التسرب، وأخرى داخلية سهلة التنظيف.
والأمر لا يحتاج سوى تصميم الباترون المناسب وماكينة خياطة وبعض الأقمشة وأدوات الخياطة، أي أن المشروع لا يحتاج إلا لرأسمال متواضع، كما أنه لا يتطلب مكانا لإقامة المشروع، بل تستطيع أي أم أن تنفذه في البيت، ثم تقوم بتسويق منتجاتها بين معارفها أو عبر شبكة الإنترنت، وأحيانا تتعرض ساندرا لبعض الصعوبات مع متجرها الإلكتروني، لكنها سرعان ما تتجاوز الصعوبات وتنطلق في مشروعها مرة أخرى.
ومؤخرا عهدت لفرح رحيم بإدارة المتجر الإلكتروني لتتجاوز الصعوبات التي مرت بها في إدارة المتجر في الأشهر القليلة الماضية، وأكدت ساندرا أن فرح هي نموذج متكامل للأم الخضراء فهي أم لطفلين وتؤمن بضرورة استخدام المنتجات الطبيعية مع أطفالها بدءا من الحليب وانتهاء بالملابس والألعاب، لتكمل فرح مسيرة ساندرا في إدارة متجر مايا بامبينو للحفاظات القطنية.
ابتكار وحماية للبيئة
تجربة أخرى لأم في نفس المجال وهي أزرينا عزمي التي ذكرت أن الآثار المترتبة على استخدام حفاظات الأطفال الصناعية على البيئة كبيرة جدا، ولا يمكن تجاهلها، ففي الولايات المتحدة وحدها يتم التخلص من 18 مليار حفاظة كل عام، وهو ما يجعلها ثالث أكبر مصدر للنفايات الصلبة في مقالب القمامة، مع العلم أن حفاظات الأطفال غير قابلة للتحلل حيث تستغرق حوالي 500 سنة لتتحلل، كما أن إلقاء هذه النفايات في الأنهار والترع يتسبب في الإصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي وأمراض أخرى، ويحتاج إنتاج الحفاظات الصناعية لأطفال العالم 82.000 طن من البلاستيك، ومليار شجرة سنويا، ومع تزايد عدد سكان العالم فإن هذا الاستنزاف للموارد الطبيعية يبعث على القلق.
ومن ثم بدأت أزرينا مشروعها والذي تعرض في البداية لمحاولات من التجربة والخطأ لتفصيل الحفاظات حتى نجحت في النهاية في تصميم وخياطة مجموعة منوعة من الحفاظات المناسبة لجميع الأطفال، وأصبح بيتها هو المصنع الذي تقيم فيه مشروعها، وبمساعدة زوجها نجحت في إنتاج حفاظات قطنية مبتكرة الأشكال والألوان قدمتها أيضا كهدايا للعائلة والأصدقاء، ولكنها بدأت تتلقى طلبات للشراء وفوجئت بردود فعل إيجابية عديدة من المشترين، حيث اختفى الطفح الجلدي لدى الأطفال وانخفضت تكاليف الميزانية المنزلية، ومن هنا فكرت في تسويق منتجاتها على الإنترنت.
لكن المشكلة التي واجهت أزرينا كانت في الحصول على القماش القطني الماص الجيد النوعية والذي لا يتوافر في ماليزيا، لذا كانت تضطر لاستيراده من الخارج، لكن أغلب الموردين رفضوا التوريد لها لانخفاض الكمية المطلوبة ولأن هؤلاء الموردين يفضلون التعامل مع الشركات والمصانع الكبرى على المشروعات الصغيرة التي تدار من المنزل، لذا لجأت للانضمام إلى رابطة أمريكية مكونة من الأمهات اللاتي يمتلكن مشروعات مشابهة لتصنيع الحفاظات القطنية من المنزل حيث تتيح هذه الرابطة للأعضاء شراء الأقمشة من موردين بأسعار الجملة وبكميات أقل، فدشنت مشروعها في عام 2006.
وأضافت أزرينا للحفاظات تصميمات ابتكارية من تزويدها بأبزيم لاصق وأزرار بلاستيكية وجعلتها في ثلاثة أحجام، لتناسب الطفل في مراحل نموه المختلفة، وبمرور الوقت وسعت من مشروعها، وأشركت بعض السيدات من ربات البيوت لمساعدتها في الخياطة من خلال البيت، فوفرت لهن فرصا لكسب الدخل دون مغادرة المنزل، وبدأت هي في التفرغ لإدارة المشروع والترويج للمنتجات وتسويقها إلكترونيا، وترى أزرينا أن هذا المشروع المنزلي ساهم في زيادة الترابط الأسري، حيث أصبحت قادرة على تمضية وقت كاف مع زوجها وأطفالها.
أمل خيري
المصدر: إسلام أون لاين