حكاياتهم مع الليزر
حين وصل الأسبان إلى أمريكا الوسطى (قبل خمسمائة عام تقريبا) دهشوا من مهارة ودقة البناء لدى حضارتي الأزتك والأنكا . فقد كانت معابدهم مبنية بمكعبات صخرية تتمتع بزوايا دقيقة وحواف حادة (لدرجة استحالة إدخال طرف الموس بينها ) … كانت تبدو كمكعبات جبنة قطعت بسكين حادة ويد ثابتة الأمر الذي يثير حيرة من يراها حتى اليوم . ونتيجة لدقة التطابق بين هذه المكعبات لم يستعملوا أي نوع من الملاط للربط بينها وظلت متماسكة (فقط) بفضل تطابقها التام . ورغم أن التقنية المستعملة في قص الصخور مازالت مجهولة إلا أن هناك عالماً فرنسيا يدعى لويس ديك يسعى جاهدا لإثبات قصها بواسطة الليزر (… نعم .. الليزر …) !!
فحسب رأيه نجح هنود الأنكا والأزتك في تكثيف ضوء الشمس في نقطة واحدة ثم مضاعفته لعدت مرات (كما يحدث في أجهزة الليزر) وبالتالي إنتاج شعاع ساخن يمكنه قص الصخور بطريقة سلسلة وحادة وكأنها جبنة طرية !!
ورغم هشاشة هذه الفرضية إلا أنها تظل محتملة عطفا على حادثة تاريخية قديمة ومماثلة وقعت في البحر الأبيض المتوسط ؛ ففي القرن الثالث قبل الميلاد قرر الرومان مهاجمة مدينة سرقوسة على الساحل الشرقي لجزيرة صقلية . وحين علم الملك هيرو بتحرك الأسطول الروماني أرسل في طلب أرشميدس (رائد الهندسة التقليدية) وطلب منه التفكير في طريقة فعالة لصد السفن الرومانية .. وسرعان ما أقنع أرشميدس الملك بضرورة نصب مرايا عملاقة مقعرة تعكس ضوء الشمس وتركزه باتجاه السفن الرومانية حتى تحرقها أو تعمي ركابها .. وتشير الروايات إلى نجاح أرشميدس في تركيز ضوء الشمس نحو الغزاة (وإن كنت أشك بنجاحه في إحراق السفن الرومانية بهذه الطريقة) !!
… حكاية أرشميدس هذه استعانت بها (شركات محترمة) لنقض دعوى رفعها ضدها مخترع الليزر الحديث جوردن جولد . ففي عام 1957وضع هذا البروفيسور الأمريكي تصميماً لأول جهاز قادر على توليد الليزر (وابتدع بنفسه هذا الاسم الغريب ) . ولكن لقلة خبرته – وانشغاله بالتحضير للدكتوراه – لم يهتم بالحصول على براءة اختراع خاصة به . وحين بدأ يدرك أهمية اكتشافه كانت شركات كثيرة قد استعملت الليزر في تطبيقات صناعية مختلفة .. وهكذا بدأ جولد يطالب بحقوقه فتكاتفت ضده شركات عملاقة مثل هيوز وأي بي أم وجنرال اليكتريك … فهذه الشركات حققت أرباحا ضخمة من تقنية الليزر (تقدر ببلايين الدولارات) والاعتراف بجولد كمخترع يعني الاعتراف بحقه من تلك الأرباح بأثر رجعي . وبعد عشرين عاما من المطالبات والدعاوى حصل جولد على اعتراف الحكومة بحقه كمخترع لليزر . وكانت الخطوة التالية هي مقاضاة الشركات التي استعملت تلك التقنية والمطالبة بحصته من الأرباح .. وتطلب الأمر أحد عشر عاما أخرى حتى بدأ يحصل على أول عائد مادي كبير في عام 1986(واليوم أصبح واحدا من أثرى أثرياء العالم كونه يأخذ نسبة معلومة عن كل جهاز يستعمل الليزر ) !!
… الطريف أن الشركات السابقة حاولت إنكار حق جولد بادعائها ان أرشميدس هو أول من فكر بمضاعفة الضوء لإحراق الأسطول الروماني .. وأكاد أجزم أنها لو علمت بفرضية قطع الأحجار (التي قدمها الفرنسي لويس ديك) لما ترددت في حشر هنود الأنكا في عريضة الدعوى !!!
فهد عامر الأحمدي