تعتمد المجتمعات المعاصرة على التكنولوجيا الحاسوبية بقدر كبير. ولا يمكن تشغيل الحاسوب دون برمجيات. وتعمل البرامج الحاسوبية يدا بيد مع أجهزة الحاسوب في مجتمع اليوم القائم على المعلومات. ولا غرابة إذاً في أن حماية البرمجيات بموجب الملكية الفكرية أمر حاسم بالنسبة إلى شركات البرمجيات وبالنسبة إلى الشركات في القطاعات الأخرى أيضا.
وكان موضوع حماية البرمجيات بموجب الملكية الفكرية محطّ جدال مطوّل على الصعيد الوطني والدولي. ففي الاتحاد الأوروبي مثلا، نوقش مشروع توجيه أوروبي عن الاختراعات المنفذة بالحاسوب وأهليتها للحماية بموجب البراءة بغية تحقيق نوع من التنسيق في تفسير الشروط الوطنية بشأن أهلية الاختراعات المرتبطة بالبرمجيات للحماية بموجب البراءة، بما في ذلك الأساليب التجارية المنفذة بواسطة الحاسوب. وتبرز تلك المناقشات وجهات نظر متباينة عند أصحاب المصالح في أوروبا. وتطرح شبكة الإنترنت أيضا قضايا معقّدة فيما يتعلق بإنفاذ البراءات لأن الحماية بموجب البراءة تُمنح في كلّ بلد على حدة ولأن قانون البراءات في كلّ بلد لا يسري سوى داخل حدوده الإقليمية فقط.
وليس الهدف من هذا المقال شرح جميع المسائل ولا توضيح كل النقاط الغامضة فيما يتعلق ببراءات البرمجيات وإنما يقدّم خمس نصائح أو اقتراحات ينبغي تذكّرها عند التفكير في طلب حماية الاختراعات المرتبطة بالبرمجيات بموجب البراءة.
أولا – هل أنت فعلا في حاجة إلى براءة لاختراعك المرتبط ببرنامج حاسوبي؟ فكِّر مليًّا قبل إعداد طلب البراءة.
تتمتع البرامج الحاسوبية في العديد من البلدان بالحماية بموجب حق المؤلف سواء كانت بلغة المصدر أو بلغة الهدف. والميزة الأساسية في الحماية بموجب حق المؤلف هي بساطتها. فهي لا تقتضي أية إجراءات شكلية كالتسجيل أو إيداع نسخ في البلدان الأطراف في اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية والبالغ عددها 151 بلدا. ومعنى ذلك أن الحماية الدولية بموجب حق المؤلف حماية تلقائية أي أنها تبتدئ بمجرّد إبداع المصنف. ثم إن مالك حق المؤلف يتمتع بالحماية لمدة طويلة نسبية وهي تدوم بصورة عامة طيلة حياة المؤلف بالإضافة إلى 50 سنة أو 70 سنة (حسب البلدان) بعد وفاته.
أما البراءة فيجب طلبها مبدئيا في كل بلد يريد المخترع أن يحصل على الحماية فيه. وللحصول على الحماية بموجب البراءة، يجب أن يستوفي طلب البراءة شروطا شكلية وشروطا موضوعية ويتعيّن أيضا الكشف عن الاختراع للجمهور. وقد تكون هذه الشروط معقّدة من الجانب القانوني والتقني وغالبا ما يقتضي استيفاؤها الاستعانة بخبير قانوني. ثم إن مدة الحماية قصيرة جدا بالمقارنة مع مدة الحماية بموجب حق المؤلف فهي تدوم عموما 20 سنة من تاريخ إيداع الطلب.
فلماذا إذاً يرغب الكثير في حماية اختراعاتهم المرتبطة بالبرمجيات بموجب البراءة؟ الأسباب في ذلك متعدّدة. ولعلّ أهمها هو أن الحماية بموجب حق المؤلف لا تشمل سوى التعابير ولا تمتد إلى الأفكار ولا الإجراءات ولا أساليب التشغيل ولا المفاهيم الرياضية في حدّ ذاتها. والحماية بموجب حق المؤلف تشمل “التعابير الأدبية” للبرامج الحاسوبية بيد أنها لا تحمي “الأفكار” التي يقوم عليها البرنامج الحاسوبي والتي تكون لها عادة قيمة تجارية كبرى.
غير أن تكاليف الحصول على البراءة وإنفاذها قد تكون باهظة نظرا إلى درجة تعقيد شروط تسجيل البراءات. وينبغي للشركات التي لا تملك موارد مالية كافية أن تبحث إن كانت حماية اختراعاتها المرتبطة بالبرمجيات بموجب البراءة هي أفضل وسيلة لحماية منتجاتها أو لا. ويمكن أيضا النظر في إمكانية الانتفاع بأنواع أخرى من الملكية الفكرية ودراسة جدواها، مثل العلامات التجارية والرسوم والنماذج الصناعية والأسرار التجارية.
ثانيا – ما الذي تريد أن تحميه من منافسيك؟ ابدأ بتحديد الجزء الجوهري في ابتكارك.
يكون البرنامج الحاسوبي أحيانا مدمجا في جهاز الحاسوب أو في جهاز آخر، مثل الأجهزة المنزلية أو السيارات. وغالبا ما يتم ابتكار ذلك البرنامج الحاسوبي واستنساخه وتوزيعه على دعامة (كالأقراص المرنة والأقراص المدمجة أو على الشبكات) وذلك بصورة منفصلة عن الجهاز في حدّ ذاته. وتؤدي البرامج الحاسوبية وظائف تقنية مثل مراقبة الآلات أو التحكم في درجة الحرارة الداخلية. وتستعمل أيضا في رصد أنظمة شبكات الاتصالات أو خلق واسطة بين الحاسوب والإنسان. وتستعمل أيضا لمعالجة البيانات العلمية والمالية والاقتصادية والاجتماعية في أنشطة متعددة كاستكشاف نظرية علمية جديدة أو البحث عن أعلى ربح يمكن تحقيقه من استثمار معيّن.
فتحديد ما تريد حمايته من منافسيك يعتمد على الطريقة التي يُستخدم بها البرنامج الحاسوبي في الجهاز المعني. وقد يكون الجزء الجوهري لابتكارك المرتبط بالبرنامج الحاسوبي الجهاز في حدّ ذاته أو نظاما معيّنا أو خواريزمية أو شبكة أو معالجة بيانات أو البرنامج الحاسوبي ذاته. وكل تلك الاعتبارات ستساعدك على تقييم الإمكانيات المتاحة أمامك للحصول على براءة لابتكارك كما هو مبيّن في النصيحة الثالثة أدناه.
ثالثا – هل ابتكارك أهل للحماية بموجب البراءة؟ ليس كل أنواع الابتكارات المرتبطة بالبرامج الحاسوبية أهلا للحماية بموجب البراءة.
يجب أن يستوفي الاختراع عدة معايير كي يكون أهلا للحماية بموجب البراءة. وخمسة من تلك المعايير هي الأهمّ في تحديد الأهلية للحماية وهي: “1” أن يكون موضوع الاختراع قابلا للحماية بموجب البراءة، “2” وأن يكون الاختراع قابلا للتطبيق الصناعي (أو مفيدا، حسب بعض البلدان)، “3” وأن يكون جديدا، “4” وأن ينطوي على نشاط ابتكاري (ألا يكون بديهيا)، “5” وأن يستوفي الكشف عن الاختراع في طلب البراءة معايير شكلية وموضوعية محدّدة. وحيث أن قانون البراءات ينطبق على الاختراعات في كل مجالات التكنولوجيا دون تمييز، يجب أن تستوفي الاختراعات المرتبطة بالبرمجيات والاختراعات المرتبطة بالأساليب التجارية تلك الشروط حتى تكون أهلا للحماية بموجب البراءة.
وينبغي الانتباه بصورة خاصة، فيما يتعلق بالابتكارات المرتبطة بالبرمجيات، إلى الشرط المتعلقة بأهلية الموضوع للحماية بموجب البراءة وشرط النشاط الابتكاري (عدم البداهة). أولا، تمنح البراءة “للاختراع” الذي يوصف عموما على أنه حلّ لمشكلة تقنية. وليس هناك حتى الآن أيّ تعريف دولي لمصطلح “الاختراع”، وعند التساؤل حول الموضوعات التي تدخل في مفهوم “الاختراع” الأهل للحماية بموجب البراءة، فإن الجواب يختلف باختلاف القوانين الوطنية. ويُشترط في العديد من البلدان أن تكتسي “الاختراعات” طابعا تقنيا أو أن تأتي بحلول باستعمال قوانين الطبيعة. ولا تعدّ بالتالي النظريات الاقتصادية وأساليب إنجاز الأعمال والأساليب الرياضية والبرامج الحاسوبية “اختراعات” أهلا للحماية بذاتها. وحيث أن ذلك الشرط يختلف من بلد إلى آخر، كما هو مبيّن في النصيحة الرابعة أدناه، ينبغي الحرص على التأكد من أن الابتكار المعني المرتبط ببرنامج حاسوبي يندرج في إطار موضوعٍ أهلٍ للحماية بموجب البراءة بناء على قانون البراءات المعني.
وثانيا، يجب أن يكون الاختراع غير بديهي لشخص من أهل المهنة بالنظر إلى حالة التقنية الصناعية السابقة كي يحصل على براءة. ولا يكفي أن يكون الاختراع المطالب به جديدا، أي مختلفا عمّا هو موجود في حالة التقنية الصناعية السابقة، بل ينبغي أن يكون الفرق بين الاختراع المطالب به وحالة التقنية الصناعية السابقة كبيرا وجوهريا في الاختراع. ومن الأرجح إذاً ألا تُمنح البراءة لابتكار مرتبط ببرنامج حاسوبي يستبدل الحلول التقنية والمادية بحلول مماثلة باستعمال البرامج والأجهزة الحاسوبية إذا كان ذلك الاستبدال بديهيا للمهندس المتوسط في المجال التكنولوجي المعني.
هل تجد أن هذه التفاصيل معقّدة؟ بلا، إن الحصول على البراءة يقتضي استيفاء جميع الشروط اللازمة والتي لا تخلو من تعقيدات قانونية وتقنية أيضا. لذلك السبب يوصى بالاستعانة بمتخصص في أمور الملكية الفكرية يكون عارفا بالمسائل التقنية والقانونية، كما هو مبيّن في النصيحة الخامسة أدناه.
رابعا – هل تحتاج إلى حماية ابتكارك في الخارج؟ شروط الأهلية للحماية بموجب البراءة ليست متطابقة في جميع البلدان.
إذا كنت ترغب في حماية ابتكارك في الخارج، عليك مبدئيا أن تحصل على براءة في كل بلد تريد الحماية فيه وفقا للقوانين السارية في ذلك البلد. فالبراءة الممنوحة في البلد ألف لا يمكن إنفاذها سوى في ذلك البلد ألف ولا يمكنك أن تمنع منافسيك من استخدام اختراعك في بلدان أخرى. وفي بعض المناطق، يقبل مكتب البراءات الإقليمي، كالمكتب الأوروبي للبراءات، تسلّم طلبات البراءات الإقليمية أو يمنح براءات يكون لها أثر الطلبات المودعة أو البراءات الممنوحة في الدول الأعضاء في تلك المنطقة. وأكبر الصعوبات التي قد تواجهها في طلب البراءة في الخارج هي أن القوانين والممارسات الوطنية والإقليمية تتباين حسب البلدان والأقاليم.
ومن الأمثلة على ذلك الشرط المتعلق بأهلية الموضوع للحماية بموجب البراءة. ففي أوروبا، تَستبعد الاتفاقية الأوروبية للبراءات صراحة “البرامج الحاسوبية بذاتها” وكذلك “أساليب إنجاز الأعمال بذاتها” من الموضوعات الأهل للحماية بموجب البراءة. ولا تحتوي الاتفاقية على أيّ تعريف لمصطلح “الاختراع”، فمن المفهوم عموما رغم ذلك أن الاختراعات من منظور قانون البراءات ينبغي أن يكون لها طابع تقني. وإذا أخذنا مثلا الأساليب لمراقبة طريقة صنع أو معالجة بيانات تمثل كيانات مادية (الحرارة والحجم والشكل وما إلى ذلك) والوظائف الداخلية للحاسوب ذاته، فإنها لا تعدّ ذات طابع تقني. والنظام الحاسوبي الذي يستخدم في المجال المصرفي قد كون له طابع تقني إذا كانت العملية قائمة على اعتبارات تقنية تتعلق بطريقة عمل الحاسوب (تحسين الأمن مثلا) وليس على طريقة عمل النظام المصرفي.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فليس هناك أي نص خاص يقضي باستثناء البرمجيات والأساليب التجارية من الموضوعات الأهل للحماية بموجب البراءة. وينص القانون على أن الموضوع يجب أن يكون طريقة صنع مفيدة أو آلة أو منتج أو تشكيل للمادة حتى يكون أهلا للحماية بموجب البراءة. وحسب المحكمة العليا الأمريكية، أراد الكونغرس الأمريكي للموضوعات الأهل للحماية بموجب البراءة أن يشمل في القانون “أي شيء تحت الشمس يصنعه الإنسان” علما بأن قوانين الطبيعة والظواهر الطبيعية والأفكار المجردة هي ثلاثة مجالات خاصة ليست أهلا للحماية بموجب البراءة. وعلى سبيل المثال، أمرت محكمة الاستئناف للدوائر الاتحادية بأن الاختراع البرمجي (الخوارزمية الرياضية) لإنشاء عرض سلس للبيانات الرقمية على كاشف ذبذبات هو موضوع أهل للحماية بموجب البراءة لأن الاختراع المطالب به ككل يعدّ تطبيقا عمليا لفكرة نظرية تقدّم “نتيجة مفيدة مادية مفيدة وملموسة”. وقد يترتب على ذلك إذاً أن تعتبر بعض الابتكارات المرتبطة بالبرمجيات أهلا للحماية بموجب البراءة في الولايات المتحدة وأن تقع خارج نطاق الموضوعات الأهل للحماية بموجب البراءة في أوروبا واليابان.
ولتيسير إيداع طلبات البراءات على الصعيد الدولي، تتيح معاهدة التعاون بشأن البراءات نظاما للإيداع الدولي يمكّن مودع الطلب من إيداع طلب براءة دولي واحد يكون له الأثر ذاته للطلبات الوطنية المودعة لدى كلّ واحدة من الدول المتعاقدة بموجب تلك المعاهدة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن نظام المعاهدة يتيح إجراءا موحّدا لإيداع الطلبات بين أن الدولة هي التي تمنح البراءة في أراضيها الإقليمية للاختراع المطالب به والوارد في الطلب الدولي. ويسمح نظام معاهدة التعاون بشأن البراءات بتبسيط الإجراءات وخفض التكاليف المرتبطة بالحصول على البراءة في الخارج
خامسا – بادِر بالاستعانة بخبير في الملكية الفكرية يكون عارفا بالقوانين والممارسات الوطنية المعنية.
بعد استنباط الاختراع الجيّد، يبقى على المخترع أن يعدّ طلب البراءة الجيّد. فمن المهم جدا صياغة طلب البراءة جيدا منذ البداية لأن إمكانية تعديله بعد إيداعه تصبح محدودة جدا. وصياغة “المطالب”، بصورة خاصة، عنصر حاسم لأنها هي التي تحدّد الموضوع الذي يرغب مودع الطلب في حمايته بموجب البراءة. وبعد الحصول على البراءة، فإن الحقوق الاستئثارية المستمدة من البراءة لا يمكن إنفاذها إلا في حدود تعريف الاختراع كما ورد في المطالب. ولذلك، فإذا لم تكن على اطلاع كاف بالتكنولوجيا وبقانون الملكية الفكرية أيضا، فمن الأحسن أن تستشير خبيرا في الملكية الفكرية لصياغة طلب البراءة الذي يستوفي الشروط المنصوص عليها في قانون البراءات في البلد المعني.
وإذا كانت المطالب مصاغة بطريقة سليمة فإن ذلك قد يساعد في تفادي رفض طلب البراءة لاسيما فيما يتعلق بالابتكارات المرتبطة بالبرمجيات. فتقبل بعض البلدان مثلا المطالب التي تعرّف البرنامج الحاسوبي ذاته أو البرنامج الحاسوبي المجسّد على وسيط قابل للقراءة الآلية (كالأقراص المرنة أو الأقراص المدمجة). ويرجع ذلك إلى أن منتجات البرمجيات غالبا ما تطرح في الأسواق بشكل وسائط قابلة للقراءة الآلية أو مباشرة على شبكة الإنترنت بمعزل عن الأجهزة الحاسوبية. ولمنع التسويق غير المصرّح به لتلك المنتجات البرمجية، تسمح بعض البلدان بالمطالبة بالبرنامج الحاسوبي ذاته أو بالوسيط القابل للقراءة الآلية الذي يخزن فيه البرنامج الحاسوبي والذي يؤدي الوظائف المطالب لها. وهناك بلدان أخرى لا تقبل مطالبات من هذا القبيل. وينبغي في تلك البلدان بالذات الحرص على صياغة المطالب بدقة، كالمطالبة بجهاز مثلا أو طريقة صنع أو نظام يستوعب الأفكار الوظيفية التي يقوم عليها البرنامج الحاسوبي ويشمل في الوقت ذاته الجزء الجوهري من الاختراع.
وهناك بالإضافة إلى صياغة طلب البراءة عدد من الشروط الشكلية والموضوعية التي يفضل أن تترك للمتخصصين في الملكية الفكرية. وصحيح أن خدمات المتخصص ليست مجانية لكن المزايا المحققة بفضل مساعدة الخبير في طلب الحماية بموجب البراءة قد تزيد عن تكاليفها. بل قد يؤدي ارتكاب خطأ بسيط في بعض الحالات إلى فقدان الحق في الحصول على البراءة بصورة نهائية مما يفتح الباب على مصراعيه أمام المنافسين كي يستغلوا اختراعك بالمجان.