في الوقت الذي فضلت فيه كثير من المغربيات ملازمة البيت أو النضال من أجل انتزاع الحقوق السياسية والمدنية على الساحة المغربية، أو استثمار مؤهلاتهن العلمية لامتهان وظائف مناسبة، بادرت أخريات إلى التسلل الهادئ في المجتمع واقتحام مهن كانت إلى وقت قريب من اختصاص الرجال.
حسنية جوهري التي تعمل تاجرة للملابس والأواني، ووصفية الجراوي التي تعمل خبازة نموذجان لهؤلاء السيدات؛ فبسبب الحاجة للمادة والفراغ بعد زواج البنات قررت حسنية أن تشغل وقتها في ببيع الملابس والأواني. أما وصفية فقد لجأت لهذا العمل بعد طرد زوجها من عمله؛ بسبب خلاف مع صاحب العمل.
وتصف حسنية رحلتها مع هذه المهنة بقولها إن البداية كانت صعبة، فقد بدأت مشروعها بـ1200 درهم (الدولار = 8.24 دراهم مغربية)، لكن بعد أن توثقت صلتها بتجار الجملة من الدار البيضاء، لم يَعُد الأمر يتطلب منها إلا مكالمة هاتفية ليرسلوا لها ما تحتاجه من المواد، دون أن يأخذوا أي ضمانات (شيكات) كما يفعلون مع غيرها من التجار؛ لثقتهم في أمانتها وسرعة سدادها لأثمان البضائع.
ولا يسبب لها تعاملها التجاري أي مشاكل، بل بالعكس جلب لها احترام الجميع خاصة الرجال، على عكس ما قد يتصور البعض؛ فأصهارها “أزواج بناتها” يفتخرون بعملها، وزوجها سعيد بما تقوم به.
وتعتبر حسنية أن عنصر الثقة هو السبب في نجاحها بالتجارة، فكما وثق فيها تجار الجملة، وثق فيها أيضًا الزبائن؛ لأنها تبيع السلعة بثمن موحد لهم دون تفرقة، كما تعطي لهم تسهيلات في سداد ثمنها عن طريق التقسيط.
ويبدو الحال مختلفا إلى حد ما مع وصفية الجراوي التي تعمل “كخبازة” تقوم بإعداد الخبز في أحد الأفران القريبة من منزلها وبيعها بالشارع؛ فوجودها بالشارع هو أساس معاناتها، فقلما تسلم من مطاردة رجال البوليس، ومن تعليقات الجيران التي تحمل قدرًا من السخرية. فإنها ورغم ذلك مجبرة تحت وطأة الظروف أن تستمر بالعمل وتضرب عرض الحائط بكل هذه المشاكل.
وعن دخلها من هذا العمل تقول: كان بسيطًا في البداية، ولكن الآن أصبح يكفي أسرتي، وأصبحت أدخر منه أيضًا بعد أن زادت ساعات العمل، حيث أعمل من السادسة صباحًا، ولا أعود للبيت إلا متأخرة.
وكما أن الثقة التي تشكلت بين حسنية والزبائن هي السبب في نجاحها، فقد كانت أيضًا سببًا في نجاح وصفية التي تقول إن بعض زبائنها يأتون من الأماكن البعيدة عن محل عملها؛ بسبب ثقتهم في جودة المنتج الذي تبيعه.
ويرجع د. عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، امتهان المرأة المغربية لمهن هي من اختصاص الرجل إلى الحاجة المادية، وارتفاع مستوى التعليم والثقافة الذي جعل المرأة تطمح إلى الاندماج في سوق العمل.
ويقدر الكتاني مساهمة المرأة المغربية في العمل بنسبة تتراوح بين 25 – 30% من المستوى الكلي لسوق العمل، وهي بذلك تساهم بـ20% من الدخل الوطني.
ويشير إلى أن اشتغال المرأة المغربية، سواء في مهن تناسبها أو لا تناسبها له آثار إيجابية وأخرى سلبية؛ فعمل المرأة له مردود اجتماعي واقتصادي ويساهم في تحسين مستوى الدخل لدى الأسرة، إلا أن له آثارًا سلبية على المستوى الدراسي لأبنائها؛ لعدم وجود الأم داخل البيت طيلة اليوم.
ويؤكد د. لحسن الداودي، أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن عمل المرأة في مهن هي من اختصاص الرجال أصبح ظاهرة دولية وعالمية لا تقتصر على المغرب فقط؛ لأن الفقر والتهميش وندرة الفرص المناسبة للمرأة تعاني منها العديد من دول العالم.
ويلفت الداودي الانتباه إلى المشاكل الاجتماعية التي تترتب على عمل المرأة في مهن لا تتلاءم مع طبيعتها، حيث لا تجد وقتًا للتوفيق بين عملها وتربية أبنائها، وهي المشكلة التي لا تعاني منها السيدات اللاتي يعملن في مهن تتناسب وأدوارهم الاجتماعية، كمهنة التدريس مثلاً.
وعلى اختلاف تفسير علماء الاقتصاد لامتهان النساء المغربية لمهن لا تناسب طبيعتهن، فقد أصبح المجتمع المغربي يستأنس وجود المرأة في كل مكان ومؤسسة، من نادلة في المقاهي توزع الشاي والبن على رواد كلهم رجال، إلى شرطية تنظم المرور في الطرقات أو عسكرية تقود الرجال إلى مخافر الشرطة، في الوقت الذي استسلم كثير من الرجال لضغط الظروف والتخلي عن القوامة التي بدأت المرأة المغربية تتسلمها بالأمر الواقع.
عن إسلام أون لاين