عندما عرضت المومياوات المصرية في الولايات المتحدة حظيت بشعبية كبيرة, وكانت عامل جذب للمشاهدين من كل حدب وصوب, ومع ذلك هناك حالة من الغموض تحيط بهذه “الكبسولات الزمنية” الآتية من أعماق التاريخ السحيق, والحضارات القديمة.
ترى ما الأسرار التي يمكن ان تكشف لنا عنها هذه المومياوات وتحكي لنا عن ماضيها?
يأمل العلماء والباحثون في المجال الطبي ان تخبرنا هذه المحنطات ما الامراض التي اصيبت بها, وما الادلة التي تفيد في معرفة كيف تطورت وتقدمت الامراض عبر العصور, وهل كانت المومياوات المصرية تعاني من الامراض ذاتها التي تقضي مضاجعنا حتى اليوم, كالبدانة وانسداد الشرايين وتسوس الاسنان.
ان اي جثة حفظت وتم انقاذها من عملية الانحلال الطبيعية, اما عن طريق المعالجة الكيميائية المتعمدة, او بأسلوب طبيعي كأن دفنت تحت طبقات الجليد السميكة, او حافظت عليها الاراضي الصحراوية الجافة التربة, تعتبر هذه الجثة مومياء, وفي السنوات الاخيرة عرف العلماء معلومات قيمة من تلك المومياوات التي وجدت -ليس فقط- في وادي النيل بل في كوريا الجنوبية وهنغاريا وشيلي.
كشف الأسرار
كان اختراع أشعة “اكس” نهاية القرن 19 نافذة فتحت امام العلماء ومكنتهم من البحث في عظام المومياوات تحت اللفائف التي تغطيها, وبدأت اشعة اكس تقدم لنا معلومات حول سن المومياء وجنسها وتاريخ الاصابات التي تعرضت لها, وكشفت عن العظام, والتهاب المفاصل والى حد ما معرفة علاقات الدم والقرابة بالمومياوات الاخرى.
أما الخطوة الثانية للأمام فكانت ظهور الاشعة المقطعية CT في فترة السبعينات من القرن الفائت, ما اتاح الفحص بالأبعاد الثلاثة للأنسجة الرخوة, وللعظام, وهو ما اتاح للباحثين ان يكتشفوا كيف ان المومياوات المصرية كانت مصابة بتصلب الشرايين, فقد اظهرت صور الاشعة المقطعية وجود اللويحات المتكلسة داخل الشرايين.
ومع ذلك فالعلماء ارادوا معرفة المزيد, فقد اظهرت الاشعة المقطعية التلف في العظام والذي يوحي بوجود مرض ما, ولكن لم يتح للعلماء معرفة كيف قتل هذا المرض الشخص.
الحد من مخاطر الاشعاع
كان ظهور تحليل الانسجة والحمض النووي DNA بمثابة ثورة حقيقية في ميدان علم دراسة المومياوات, وكان استخدام ادوات دقيقة مثل المنظار الداخلي Endoscope وهو عبارة عن انبوب معقم مجهز بكاميرا صغيرة, وبفضل ذلك تمكن العلماء من الحصول على النسيج الحقيقي للمومياء, ومن ثم اتساع المعرفة والمعلومات حول المومياوات, لأن مجرد العينات الصغيرة من النسيج تثمر معلومات مهمة, ومثال ذلك عندما قام مارفن اليسون الاختصاصي في المعمل الطبيعي بجامعة فرجينيا كومونولث بفحص 3000 مومياء واكتشف ادلة قديمة عن امراض تصاب بها حتى اليوم, وبناء على دراساته حول مومياوات شيلي وبيرو استنتج انه “سرطان الثدي كان مرضاً شائعاً بين النساء منذ 3000 سنة”. اما أحدث التطورات التكنولوجية هو PCR او “البوليميريز” او سلسلة التفاعلات والتي تطورت في التسعينات, والذي تقدم بتحليلات الحمض النووي DNA الى مستويات متقدمة اخرى, فقد اتاح للعلماء معرفة الميكروبات والانظمة الحية التي تعيش في الامعاء والرئتين, او اي اجزاء اخرى من الجسم, وكذلك الجراثيم الخاصة بالملاريا, والبرص والتهاب الكبد وكذلك بكتيريا “هليوباكتر بيلوري” التي تسبب القرحات, والتي لاتزال نشيطة حتى يومنا هذا, وقد وجد كل ذلك في المومياوات, ولما كانت الميكروبات تتطور باستمرار السنين, فيمكن ان تصبح اكثر فتكاً, ومن خلال دراسة الفيروسات التي تبلغ 500 عام من العمر, يحاول العلماء دراستها للعثور على ادلة تمكنهم من مقاومة هذه الفيروسات.
اكتشافات طبية قد تنقذ حياتنا
لنأخد على سبيل المثال التهاب الكبد الوبائي B فقد وجده الباحثون في جثة محنطة “مومياء” مضى عليها 500 سنة لصبي من كوريا الجنوبية.
كما اكتشف العلماء السل الرئوي في عائلة مكونة من 5 أفراد اكتشفت مومياواتهم في “فاك” بهنغاريا” عام 1995 المرض, لكن الاب والابن لم يصابا به, مما حدا بالعلماء ان يطرحوا هذا السؤال, كيف لخمسة افراد من اسرة واحدة يعيشون في مكان واحد ويتنفسون الهواء نفسه دون ان يصابوا جميعاً? وفي خضم الاجابة على هذا التساؤل يأمل العلماء معرفة كيف حصل الذكور على الحماية?! وربما يتوصل العلماء بذلك الى طرق جديدة لمقاومة وعلاج الامراض.
السياسة الكويتية