اختارت “قائمة ماركيز” أشهر موسوعة عالمية توثّق مشاهير العالم في المجالات العلمية والإنسانية، أخصائي جراحة المخ والأعصاب السعودي الدكتور حسام سعيد الحبيب ضمن أبرز شخصيات العالم لعام 2009م، تقديراً لأبحاثه الطبية الرائدة، كما رشحته الموسوعة أيضاً ضمن “قائمة الإنجازات الطبية” العالمية للعام الحالي.
وجاء في مسوغات اختيار الدكتور الحبيب في الموسوعة إنجازاته في مجال الأبحاث الطبية، والتي شملت اكتشاف طريقة جديدة لإغلاق الأوعية الدموية، واكتشافا آخر يمهد لجراحي العمود الفقري إجراء العمليات الجراحية المعقدة، بالإضافة إلى سلسلة دراسات وأبحاث تناولت نزيف الدماغ وشلل الحبل الشوكي، والتي نشرتها مجلات عالمية معروفة.
ولد الدكتور حسام سعيد سلمان العبد الهادي الحبيب ونشأ في المنطقة الشرقية، وكان أحد العشرة الأوائل على المنطقة في الثانوية العامة، وفي عام 1997م تخرج في كلية الطب بجامعة “الملك فيصل” وحصل على درجة الدكتوراه في جراحة المخ والعمود الفقري عام 2005م من نفس الجامعة، وحصل في العام الماضي على تخصص في جراحة العمود الفقري للبالغين من جامعة “ألبرتا” الكندية. وهو يتخصص حاليا في جراحة العمود الفقري للأطفال في نفس الجامعة.
وكان الدكتور الحبيب هو الباحث الرئيسي في اكتشاف طريقة جديدة لإغلاق الشرايين دون الحاجة للخيوط الجراحية، وذلك باستخدام مادة أطلق عليها “الغراء الجراحي” وتمت مناقشة بحثه في “جامعة الملك فيصل” وحصل على درجة امتياز كما كان أيضاً الباحث الرئيسي في اكتشاف طريقة جديدة تساعد في عملية تثبيت العمود الفقري، وله عدة أبحاث أخرى في جراحة العمود الفقري، وله أيضا عدة مقالات طبية منشورة في مجلات علمية عالمية ومحلية في جراحة المخ والعمود الفقري، منها نزيف الدماغ عند الأطفال حديثي الولادة, والشلل عند مرضى “الثلاسيميا”, والجلطات والنزيف الدماغي وغيرها.
و”قائمة ماركيز” التي أُدرج الدكتور الحبيب ضمنها تعد أشهر موسوعة عالمية، توثق مشاهير العالم في جميع المجالات العلمية والإنسانية، وتصدر في الولايات المتحدة منذ 110 عاما، وتوجد في كثير من المكتبات ومراكز البحوث والمكتبات الإلكترونية لجامعات أمريكا الشمالية كجامعة “هارفارد” و”الشمال الغربي” و”تورونتو” و”ألبرتا” وهي متوفرة كذلك في مكتبة “جامعة الملك فهد للبترول والمعادن” بالظهران.
ويعتمد إدراج المرشح قي القائمة العالمية على معايير صارمة مبنية على إنجازاته، ولا تكون رغبة الشخص أو وضعه الاجتماعي كافيا لإدراجه، وتقوم لجنة مؤلفة من سبعين محرراً واثني عشر باحثاً بمراجعة السير الذاتية للمرشحين للتأكد من مطابقتها للمعاير اللازمة، كما لا يوجد تكاليف مالية يتحملها المرشح.
في عام 2005م اكتشف الدكتور الحبيب بمشاركة باحث سعودي آخر هو الدكتور باسم بن يوسف شيخ استشاري جراحة المخ والأعصاب والأوعية الدموية، طريقة جديدة لإغلاق الفتحات الشريانية أثناء العمليات الجراحية بواسطة مادة NBCA “الغراء الطبي” دون الاستعانة بالخيوط الجراحية التقليدية.
وتتميز الطريقة الجديدة بتفوقها على الخيوط الجراحية من ناحية السرعة وسهولة التطبيق، كما أنها لا تؤدي للمضاعفات الخطيرة كالنزيف وانسداد الشرايين. وقد لاحظ الباحثان الخاصية اللاصقة للمادة المستخدمة أثناء عملهما في عمليات قسطرة الشرايين الدماغية، حيث قاما بتطبيقها بنجاح على الحيوانات تمهيداً لتطبيقها على الإنسان.
وفي 28 سبتمبر من عام 2005م قدم الدكتور الحبيب البحث في جامعة “الملك فيصل”، وتمت مناقشته كجزء من زمالة الجامعة في جراحة المخ والأعصاب وحاز على درجة “امتياز”.
واستعرض بحث د. الحبيب تاريخ إغلاق الجروح، وطرق إغلاق الأوعية الدموية وإيقاف النزيف بواسطة الخيوط الجراحية، وبواسطة الطرق الأخرى غير المتداولة على نطاق واسع كالمواد الكيميائية والليزر والروابط المصنعة، كما تطرق البحث إلى مضار تلك الطرق وركز على الخيوط الجراحية وما تسببه من عوارض جانبية من تضييق الشرايين وتخثر الدم والالتهاب والنزيف، وقدم نبذة عن مادة NBCA))، وهي مادة معروفة وتستخدم في عمليات تشوه الدماغ والقسطرة-عبر الحقن- لإغلاق أوعية الدماغ المشوهة بواسطة القسطرة.
وتتميز هذه الطريقة بتفوقها على الطرق التقليدية في جراحة الأوعية الدموية بشكل عام وجراحة الأوعية الدموية الدماغية بشكل خاص، فعلى سبيل المثال تضيّق “الشريان السُباتي العام” يؤدي إلى جلطات الدماغ ومضاعفاتها الخطيرة كالإعاقة والوفاة، ولعلاج هذا التضيق يجب فتح الشريان وإزالة “البليك” وهي المادة التي تضيق الشريان أو تغلقه، واستخدام الخيوط الجراحية في إغلاق الشريان قد يسبب بعض المضاعفات.
وبدأ الباحثان تطبيق الفكرة على فأرة وأرنب، وبعد نجاحها تم وضع برنامج متكامل لتطبيقها على الماعز، وتم إغلاق أحد الشريانين “السباتيين” للماعز بعد فتحه بواسطة الخيوط الجراحية، والآخر بواسطة الغراء الطبي فقط، وقد تم العمل بواسطة الميكروسكوب والأدوات الجراحية الدقيقة.
وأجرى الباحثان أربعاً وأربعين تجربة مناصفة بين الخيوط والغراء، وأثبتت الدراسة أن مادة (NBCA) أو “الغراء الطبي” تتميّز بقوة التماسك، حيث لم يفتح أي شريان بعد العملية، كما أن استخدامها لا يحتاج للتدريب المعقد كاستخدام الخيوط الجراحية، ويتميز بسرعة التطبيق، حيث تناقص وقت العملية بمعدل 60 % مقارنة باستخدام الخيوط الجراحية، وذلك يقلل نسبة احتمالية حدوث جلطات جديدة.
كما بينت الدراسة أن هناك احتمال حدوث نزيف بنسبة عالية تصل 38.9 % عند استخدام الخيوط، بينما تناقصت بشكل مذهل مع “الغراء الطبي” إلى 5.6 %، كذلك كانت النسبة نفسها للنزيف بعد العمليات.
وتمت متابعة الماعز لمدة ستة أشهر بعد العمليات، حيث كانت تعيش حياة طبيعية، وبعدها ذبحت الماعز وأخذت الشرايين للدراسة المجهرية وقياس قطر الشريان، فبينت الدراسة أن تضيّق القطر في عينات الغراء الطبي أقل من التضيّق في عينات الخيوط الجراحية، كما وجد أن هناك إغلاقاً كاملاً للشريان مع الخيوط الجراحية بنسبة 16.7 % بينما مع الغراء كانت النسبة صفر %، أما بالنسبة للالتهابات فكانت نسبتها 11.10 % مع الخيوط بينما مع الغراء الطبي كانت صفر %، وعند مقارنة طبقات الشرايين في الطريقتين لم يجد الباحثان اختلافات مجهرية مهمة.
وعن الفترة التي استغرقتها هذه الدراسة قال الدكتور حسام الحبيب: “بدأنا بالتمهيد للدراسة، وبداية لم يكن لدينا مكان مجهز للأبحاث، فأخذنا فترة لعمل مختبر أبحاث وحظائر لمتابعة الحيوانات، ولأن الميزانية لا تتحمل اعتمدنا على إمكاناتنا وعلاقاتنا الشخصية لتخفيض التكاليف، كما أن فترة المتابعة استغرقت ستة أشهر، وبعد أخذ العينات استغرق الأمر شهرين، والدراسة بأكملها استغرقت عاما ونصف”.
وأضاف د. الحبيب: ” كان هناك محاولات لاستخدام مادة مشابهة لربط الشريان جرت في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1960م،وقد ذكرناها في بحثنا، ولكن المحاولات فشلت بسبب التفاعل الشديد مع الأنسجة، لذا أُجهضت التجارب ولم تتكرر المحاولة مرة أخرى”.