خلف كل اختراع مدهش مصادفة غريبة وذهن مستعد.. وذات يوم وقف مهندس كبير أمام رادار صغير فلاحظ أن قطعة شوكولاته ذابت في جيبه. ولو كان شخصاً عادياً لتبرم وتأفف – وربما لعق ما تبقى من الشوكولاته. ولكن بيرسي سبنسر كان يملك 120براءة اختراع وعلم أنه في طريقه لاختراع جديد (نعرفه اليوم باسم الميكروويف)!
رادار في كل مطبخ!!
منذ طفولته تعلق المهندس بيرسي بالأجهزة الالكترونية. وحين اندلعت الحرب العالمية الثانية شارك ضمن الجيش الأمريكي كمهندس الكترونيات. وأثناء الحرب ابتكر طرقاً عديدة لتحسين عمل الرادار (الذي اخترعه البريطانيون أساساً). وحين عاد إلى أمريكا عمل في شركة رايثون للأسلحة وتولى قسم الرادار والسونار.
وفي إحدى المرات وقف أمام أنبوب ميجريترون جديد (وهو الأنبوب المسؤول عن توليد موجات الرادار) فلاحظ أن قطعة شوكولاته ذابت في جيبه. وعلى الفور أدرك بيرسي أن أمواج الميجترون هي السبب، وللتأكد من فرضيته طلب كيس “فوشار” ووضعه امام الأنبوب فانتفخ الكيس وبدأت حبات الذرة بالانفجار. وبذهنية الرواد أدرك أنه اكتشف طريقة جديدة في “الطبخ” تستغني عن النار لأول مرة. ولتوضيح فكرته لرئيس الشركة أحضر في اليوم التالي شريحة لحم وحبة بيض ووضعهما أمام الأنبوب. وحين انحنى رئيس الشركة ليسمع هسيس اللحم انفجرت البيضة في وجهه – كأول حادثة يتسبب بها فرن الميكروويف!!
– وفي عام 1955م سجل بيرسي براءة الاختراع الجديد تحت اسم “جهاز التسخين بالموجات الالكترونية الدقيقة”. ورغم أن هذا الاسم يصف بدقة طريقة عمل الجهاز إلا أنه غير مستساغ تجارياً. وفي البداية اقترح رئيس الشركة إطلاق اسم “الرادار المنزلي” على الأفران الجديدة. إلا أن بيرسي أقنعه بأن الاسم مخيف “ولن يرغب أحد في وضع رادار في منزله”. واقترح بدل ذلك اسماً مدمجاً هو “رادارانج”.. ولكن من الواضح اليوم أن المستهلكين تجاهلوا الاسماء الرسمية وأصبحوا يطلقون اسم “الميكروويف” على أفران الميجترون!!
.. وكلمة “ميكروويف” تعني في الأصل “الأمواج الدقيقة”. وهي بالتالي ترتبط بأجهزة كثيرة تستعمل تلك الأمواج كالرادار والسونار والراديو وأجهزة اللاسلكي. غير أن استخدامها في “الطبخ” يختلف عن استعمالها في الرادار وبقية الأجهزة؛ ففي الرادار مثلا تستعمل لاختراق الأجواء والعودة لمصدرها حين تصطدم بجسم صلب (كالطائرة مثلاً). أما في الأفران فتمر خلال الطعام وتهز ذراته بعنف فيسخن بفعل السرعة والاحتكاك (ولفهم الفكرة بشكل أفضل تصور ماذا يحدث حين تحُك كفيك ببعضهما بسرة 4000مرة في الثانية)!!
– وكما يحدث مع كل الاختراعات الجديدة كانت الاجهزة الأولى ضخمة ومكلفة. فأفران الميكروويف الأولى كانت ترتفع إلى مترين وتزن 250كيلو جراماً. وكانت تبرد بأنابيب الماء وتستهلك كمية هائلة من الكهرباء. وكان ثمنها لا يقل عن أربعة آلاف دولار واقتصر استخدامها على الفنادق والقطارات والبواخر السياحية.. غير أن التحسينات المتوالية (وتطوير اليابانيين الترانزستور) ساهما في تصغير حجمها والاكتفاء بمروحة صغيرة لتبريد المولد. وفي عام 1965م قدمت شركة تابان أول فرن ميكروويف يمكن وضعه في المطبخ وبسعر خمسمائة دولار. وفي عام 1971ظهرت معايير صناعية صارمة لمنع تسرب الأشعة والإضرار بالمستعملين… واليوم غدا الميكروويف ضرورة لكل منزل ووسيلة لا يستغني عنها العازب و”المستعجل”!!
– وكما قلنا في بداية المقال:
.. خلف كل اختراع عظيم صدفة غريبة وذهن مستعد!
فهد عامر الأحمدي