انتهى المخترع الجزائري جعفر بن حجر من اختراع سرير خاص بالمعاقين يمكن أن يحول إلى كرسي بكل سهولة عن طريق تحريك ذر خاص بالتحكم في حركة ذلك السرير بكل سهولة ويسر.
بدأت الفكرة كما يرويها المخترع بإصابة أخيه بحادثه أقعدته عن السير، ويروي بن حجر القصة كاملة في السطور التالية:
“ذلك لأنّ ما أصاب أخي عمر.. لم يكن ليخطئه، لقد كان رياضيا؛ حيويا، ولا يعرف حقيقة سِنّهِ إلاّ أقرباؤه، تحسبه الأخ الأصغر بينا نحن الأربعة، من خفة روحه؛ وهو البكر عند والدينا رحمة الله عليهما.. لا يعرف الطّبيب، ولم تدخل بدنه إبرة للعلاج، حيث كانت أبغض الأشياء عنده، يخشى المستشفى، يتعوّذ دوما من الجراحة، لا يزور المرضى بالمستشفيات إلا نادرا، لأنّ قلبه لا يتحمّل تلك المآسي من حِسّه المرهف، وحاسّة الشمّ عنده عظيمة لكن الغيب عند الله، وما تدري نفس ماذا يحدث غدا….
وفي صبيحة اليوم الثالث من رمضان المعظّم الفائت، وبعد السّحور، ورجوعه من صلاة الفجر، وعند سريره زلقت قدماه، فانهار على الأرض مغشيا عليه، وفي لحظة؛ هرع الأهل إليه وما استطاعوا إيقافه على رجليه حيث تجلّت المصيبة عن شلل نصفه الأيسر ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله..
(وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون…..)
إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ما باليد حيلة إلاّ استدعاء الاستعجالات وأخذه إلى المستشفى وهو يئنّ مترجيا إيانا أن نتركه في بيته ينتظر أمر الله، لكن الطّبيب وحتى العائلة سلّمت أمرها لله وأخذت بالأسباب وقامت بجميع الإجراءات اللازمة من الأشعة والتحاليل وجهاز السكانار الذي أكّد الجلطة الدماغية، والتي تسبّبت في تعطّل جزء كبير من مخّه، فانشلّ نصفه وسلّمنا أمرنا لله عندما علمنا أنّ هذه الحالة لا يستطيع الطبّ (الحديث) التدخل فيها، اللهمّ إلاّ محاولة إصلاح تضرّر القلب والمعدة وحفظ التوازن السكري والضّغط الدّموي والأمر بيد الله سبحانه وتعالى.
ويتابع بن حجر القصة بقوله: سلّمنا أمرنا لله، وبدأ أخي شيئا فشيئا يتعامل مع الأمر الواقع راضيا محتسبا أمره لله، غير أنّ وضعه على السّرير وبعد مرور شهر تقريبا بدأ يضايقه ويقضّ مضجعه رغم جميع وسائل التّدليك ومتابعة بعض الحركات من طرف مختص يأتيه يوما بعد يوم، ويتحمّل الآلام دون أن يحرجنا أو يكثر علينا تغيير وضعيته ليخفّ عليه الألم، فلذلك رقّ قلبي لحاله وبدأت أفكّر…
في مساعدة أخي العزيز عمر بإيجاد وسيلة تغنيه عنّا جميعا فيتدبّر أمره بنفسه، ولو في بعض الحركات اليومية اللازمة له كلّ ساعة تقريبا، رغم أنّنا جميعا تحت إشارته.
انتهيت – بعون الله – إلى فكرة يمكن تحقيقها، وهي صنع سرير متحرك يتحوّل إلى أريكة – كرسي- يتحكّم فيه بيده اليمنى قاعدا أو ممدّدا بواسطة زرّ يتحكّم مباشرة في محرّك كهربائي مثبّت تحت السّرير، متغيّر السّرعة يدور في الاتجاهين عن طريق لولب حديدي، يمكنه طيّ السرير فيجعله كرسيّا كأريكة يرتاح فيها ظهره ومفاصله وعضلاته من وهن الرّقود على السرير، فهو لا يستطيع حتّى التّقلب على جنبيه من جراء شلله النّصفي ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
قدّمت هذه الإيضاحات لتعلمون أنّ الفكرة جاءت بعد هذه المحنة فأرشدني الله لصنع هذا السرير وهو في نفس الوقت كرسي يستطيع أخي المصاب أن يتمدّد ويقعد وقتما شاء بواسطة زرّ كهربائي مزدوج في متناول يده اليمنى يتحكّم فيه بنبضة واحدة فيتحوّل السّرير إلى أريكة مريحة من دون أي جهد، ثمّ إذا شاء أو تعب من الجلوس بنبضة ثانية يتمدّد الكرسي ليصير سريرا مريحا ، أو حتّى مثل كراسي شواطئ البحر في وضعية بين السّرير والأريكة.
يمكنني القول أنّني خفّفت عليه شيئا من العناء, وذلك ما لمسته من بهجة على محيّاه، وهو يلاعب حفيدته وحفيدتي في نفس الوقت “بثينة” وباستطاعته تغيير وضعيته متى شاء من دون إحراج الغير وذلك مبتغاه والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.
بقي شيء واحد وهو أنني لا أنتظر جعل الاختراع تجاريا بقدر ما يكون عملا خيريا لمساعدة المرضى الفقراء خاصّة؛ حيث يستطيع المؤسرون اكتسابه من الخارج – وربّما أحسن منه – لكن ليس في مستطاع الجميع، لأنّ ثمنه خياليا، وهذا الإنجاز الذي بين أيديكم لا يكلّف إلاّ مبلغا زهيدا، ولعلمكم فإنّ كلّ مستلزماته من محال الخردة وبقايا المصانع الحديدية، وأنا على استعداد لتزويد من أراد صنعه لمريضه أو من هو في حاجة إليه؛ بكلّ التّفاصيل في صناعته، وكلّ قطعة فيه وكيفية صنعها وتركيبها، بل وتطويره حسب ضرورات المريض واحتياجاته الخاصة من زوائد أو ملحقات كهربائية أو بطّارية، كما يمكنني جعله يتحرك آليا في جميع الجهات أو بواسطة أوامر المريض ، أو التّحكم عن بعد.
ونظرا لعدم استطاعتي ماديّا صنعه بطريقة إنتاجية تجارية ؛ وجعله متوفّرا بالأسواق وبأثمان يستطيع المعوزون من ذوي الحاجات اقتناءه، فأنا على استعداد للاشتراك مع من يمتلك هذه الرّوح الخيرية لتنفيذ هذا المشروع الخيري؛ فنفيد ونستفيد ؛ والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.