معجزة غنائية واضحة، وعقلية فنية متفردة، كان أحد عمالقة الغناء العربي، ومن أهم المطربين في فترة ظهوره، غنى كافة أشكال الغناء، العاطفي، والوطني، والشعبي، والديني، جسدت أغانيه الوطنية مبادئ ثورة يوليو والحلم المصري فلقب بمطرب الثورة، كتب ولحن له كبار الشعراء والملحنين في عصره.
ولد العندليب الأسمر الفنان عبد الحليم حافظ في يوم 21 يونيو من عام 1929م في قرية الحلوات بمحافظة الشرقية واسمه الحقيقي عبد الحليم شبانة، توفيت والدته في نفس يوم ولادته وقبل أن يتم عامه الأول توفي والده ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج متولي عماشة، وكان عبد الحليم الابن الرابع أكبرهم إسماعيل شبانه الذي كان مطرباً ومدرساً للموسيقى في وزارة التربية، وقد التحق عبد الحليم بكتاب الشيخ احمد، ومنذ دخوله للمدرسة تجلى حبه العظيم للموسيقى حتى أصبح رئيسا لفرقة الأناشيد في مدرسته، ومنذ ذلك الوقت وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة ولعه به.
وفي عام 1943م التحق العندليب الأسمر بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين حيث التقى بالموسيقار كمال الطويل وكان عبد الحليم طالبا في قسم التلحين، بينما كان الطويل طالبا في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معا في المعهد حتى تخرجهما عام 1949م حيث رشح عبد الحليم للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل لمدة أربع سنوات مدرساً للموسيقى بمدينة طنطا ثم مدينة الزقازيق وأخيرا بالقاهرة، بعد ذلك قدم استقالته من التدريس، والتحق بفرقه الإذاعة الموسيقية عازفا على آله الأبواه في عام 1950م وتقابل مع صديق ورفيق عمره مجدي العمروسي في عام 1951م في بيت مدير الإذاعة في ذلك الوقت الإذاعي فهمي عمر، بينما كان الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب هو أول من اكتشف العندليب الأسمر وسمح له باستخدام اسمه “حافظ” بدلا من شبانة.
وعندما حاول عبد الحليم الغناء لأول مرة رفضه الجمهور في أغنية “صافيني مرة” التي لحنها محمد الموجي وقصيدة “لقاء” التي كتبها الشاعر صلاح عبد الصبور، ولحنها الموسيقار كمال الطويل، لأسلوبها المختلف.
وعلى مدى مشواره الغنائي قدم عبد الحليم حافظ العديد من الأغاني التي شملت كافة ألوان الغناء وتعاون فيها مع كبار الملحنين والشعراء
فلحن له موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب العديد من الأغاني أشهرها “أهواك”، “نبتدي منين الحكاية”، “فاتت جنبنا”،”ظلموه”.
وشكل عبد الحليم ثنائي فني مع الموسيقار المبدع بليغ حمدي وقدما العديد من الأغنيات الناجحة أشهرها ما كتبه الشاعر محمد حمزة مثل أغنيات “زي الهوا”، “سواح”، “حاول تفتكرني”، “أي دمعة حزن لا”، “موعود”، “مداح القمر” وغيرها الكثير من الأغاني.
وغنى عبد الحليم عددا من القصائد منها قصيدتي “قارئة الفنجان” و”رسالة من تحت الماء” للشاعر الكبير نزار قباني ومن الحان الموسيقار محمد الموجي، كما غنى قصيدتي “حبيبها” و”لست قلبي” للشاعر كامل الشناوي.
وقدم عبد الحليم مجموعة كبيرة من الأغنيات الوطنية التي جسدت مبادئ الثورة وهموم الشعب وطموحاته ومنها “فدائي”، “صورة”، “بالأحضان”، “ذكريات”، “يا أهلا بالمعارك”، ” بركان الغضب”، “بستان الاشتراكية”، “احلف بسماها وبترابها”، “إحنا الشعب”، “البندقية اتكلمت” وبعد هزيمة يونيو عام 1967م غنى “عدى النهار” وعقب انتصار أكتوبر عام 1973م غنى “عاش اللي قال”.
وفي مجال التمثيل قام المطرب الكبير ببطولة عدد من الأفلام السينمائية الغنائية أشهرها “لحن الوفاء” أمام المطربة الكبيرة شادية، و”الخطايا” أمام الفنانة نادية لطفي، و”شارع الحب” أمام المطربة الكبيرة صباح، و”يوم من عمري” أمام الفنانة زبيدة ثروت، و”حكاية حب” أمام الفنانة مريم فخر الدين، وكان آخر أفلامه ” أبي فوق الشجرة” أمام الفنانة ميرفت أمين.
وفي الإذاعة قدم عبد الحليم حافظ مسلسل إذاعي وحيد هو “أرجوك لا تفهمني بسرعة” شاركه في البطولة نجلاء فتحي وعادل إمام وعماد حمدي وماجدة الخطيب وهذا المسلسل أنتج لكي يذاع في رمضان من عام 1973م ولم يتم إذاعته كاملا في نفس العام بسبب اندلاع حرب السادس من أكتوبر العاشر من رمضان وقد أذيع كاملا في صيف العام التالي.
وبعد رحلة من العطاء والتميز في عالم الغناء توفي العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في يوم 30 مارس من عام 1977م في لندن لإصابته بتليف في الكبد سببه البلهارسيا عن عمر يناهز الثمانية وأربعين عاما، وقد حزن الجمهور حزنا شديدا وتم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة لم تعرف مصر مثلها سوى جنازة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، سواء في عدد البشر المشاركين في الجنازة أو في انفعالات الناس الصادقة وقت التشييع.