
عملية العين بالسن | في خبر طبي لافت أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى الواقع، نجح الأطباء في إعادة البصر لشاب بريطاني يُدعى برنت تشابمان بعد أن فقد قدرته على الرؤية لما يقارب عقدين كاملين. العملية النادرة التي خضع لها تُعرف باسم عملية العين بالسن، وهي تقنية جراحية فريدة من نوعها تعتمد على زرع أحد أسنان المريض في عينه ليصبح أساسًا لعدسة صناعية تنقل الضوء إلى الشبكية.
Table of Contents
بداية القصة: مرض نادر يطفئ النور
بدأت مأساة برنت وهو في الثالثة عشرة من عمره، عندما تناول مسكنًا شائع الاستخدام “إيبوبروفين” أثناء مباراة كرة سلة. بشكل غير متوقع، أصيب بمتلازمة ستيفنز–جونسون، وهو اضطراب نادر وخطير يؤدي إلى تفاعل مناعي يهاجم الجلد والأغشية المخاطية.
دخل برنت في غيبوبة استمرت 27 يومًا، وفقد خلالها إحدى عينيه بالكامل، فيما تضررت العين الأخرى وفقدت الرؤية تدريجيًا. وعلى مدار 20 عامًا حاول استعادة بصره عبر عشرات عمليات زرع القرنية، لكن جميعها باءت بالفشل بسبب رفض الجسم للأنسجة المزروعة.
الأمل الأخير: تقنية نادرة تسمى “العين بالسن”
بعد رحلة طويلة من المعاناة، اقترح الأطباء على برنت الخضوع لعملية العين بالسن، وهي جراحة دقيقة تُجرى على مراحل وتُعتبر الملاذ الأخير للمرضى الذين فشلت معهم كل محاولات زرع القرنية التقليدية.
الفكرة تقوم على اقتلاع ناب من فم المريض، ثم تجهيز هذا السن بفتحة دقيقة يتم تثبيت عدسة بلاستيكية بداخلها. بعد ذلك يُزرع السن والعدسة في خد المريض أو تحت جفنه لفترة معينة حتى يكتسب إمدادًا دمويًا ويصبح جزءًا حيًا من الجسم.
وفي المرحلة الثانية، يُنقل السن المزود بالعدسة إلى العين المصابة بعد إزالة القرنية التالفة، ويُغلف بأنسجة مأخوذة من الفم لتثبيته وحمايته.
لماذا الناب بالذات؟
اختيار الناب في عملية العين بالسن لم يأتِ اعتباطًا؛ فهو يتمتع بخصائص تجعله الأنسب لهذه الجراحة:
-
القوة والصلابة: الناب يتحمل الظروف القاسية ولا يتآكل بسهولة.
-
الحجم المناسب: يسمح بحفر فتحة دقيقة لتثبيت العدسة.
-
الإمداد الدموي: الجزء العظمي المحيط بالسن يساعد في استمرار تغذيته بعد الزرع.
-
التوافق الحيوي: كونه جزءًا من جسم المريض يجعل احتمالية رفضه من الجهاز المناعي شبه معدومة.
من الظلام إلى الضوء
أجريت العملية على مرحلتين خلال عدة أشهر، حيث نُزع الناب في فبراير، وزُرع في العين في يونيو، وفي أغسطس اكتمل العمل الجراحي.
النتيجة كانت مذهلة: بعد 20 عامًا من العمى تقريبًا، أعلن الأطباء أن برنت بات قادرًا على الرؤية مرة أخرى. وصف الشاب إحساسه بأنه “ميلاد جديد”، مؤكدًا أن أبسط تفاصيل الحياة – مثل رؤية الضوء، والألوان، وحركة الناس – أصبحت بالنسبة له معجزة يومية.
أهمية عملية العين بالسن في عالم الطب
تمثل عملية العين بالسن أملاً جديدًا لآلاف المرضى الذين فشلت معهم عمليات زرع القرنية، خاصة في حالات الأمراض النادرة أو الحروق الشديدة التي تدمر أنسجة العين. ورغم ندرة إجرائها لكونها معقدة ولا يجيدها سوى عدد قليل من الجراحين حول العالم، فإن نجاحها يفتح الباب لتطوير تقنيات أكثر تقدمًا في المستقبل.

الجراحة بين العلم والإنسانية
بعيدًا عن الإنجاز الطبي، تحمل قصة برنت بُعدًا إنسانيًا عميقًا. فهي تذكرنا بأن العلم لا يقتصر على المعادلات والأرقام، بل يتجسد في تغيير حياة إنسان، وفي منح الأمل لمن يظن أن الأبواب قد أُغلقت أمامه.
التحديات والآفاق المستقبلية لعملية العين بالسن
رغم النجاح اللافت الذي حققته عملية العين بالسن في إعادة البصر للعديد من المرضى حول العالم، فإنها ما زالت تواجه تحديات كبيرة تحد من انتشارها. أهم هذه التحديات هو ندرة الأطباء القادرين على إجرائها، إذ يتطلب التدريب على هذه الجراحة سنوات طويلة من الممارسة الدقيقة، كما أن تنفيذها يحتاج إلى تجهيزات خاصة ومراكز طبية متقدمة. كذلك فإن العملية لا تناسب جميع الحالات، فهي موجهة أساسًا للأشخاص الذين يعانون من تلف شديد في القرنية أو فشل متكرر في عمليات زرع القرنية التقليدية.
ومع ذلك، ينظر الباحثون إلى العملية باعتبارها نقطة انطلاق لتقنيات جديدة في مجال زراعة الأعضاء الدقيقة. ففكرة استخدام أنسجة من جسم المريض نفسه لحمل عدسات أو مكونات صناعية قابلة للاندماج مع العين قد تفتح الباب أمام تطوير بدائل أكثر تطورًا وأقل تعقيدًا. بعض المراكز البحثية تعمل بالفعل على ابتكار عدسات حيوية مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، بينما يسعى آخرون إلى دمج التكنولوجيا البصرية مع الذكاء الاصطناعي لابتكار “عين صناعية” أكثر قدرة على محاكاة العين الطبيعية.
ولعل الجانب الأكثر إنسانية في عملية العين بالسن هو الأمل الذي تمنحه للمرضى بعد سنوات من العمى واليأس. كثير من المرضى الذين خضعوا لهذه التقنية وصفوا التجربة بأنها “عودة إلى الحياة”، مؤكدين أن مجرد رؤية النور أو ملامح أحبائهم يمثل معجزة شخصية لا تقدر بثمن. وبالرغم من صعوبة الجراحة وارتفاع تكلفتها مقارنة بعمليات العيون الأخرى، فإن قصص النجاح التي تنتج عنها تجعلها جديرة بالاهتمام والدعم من الحكومات والمؤسسات الطبية. إن الاستثمار في مثل هذه العمليات النادرة قد يكون الخطوة الأولى لتعميمها مستقبلاً، وجعل استعادة البصر حقًا متاحًا لعدد أكبر من البشر حول العالم.
الخلاصة
قصة برنت تشابمان ونجاحه في استعادة البصر بعد 20 عامًا عبر عملية العين بالسن تبرز كيف يمكن للطب أن يدمج بين الإبداع العلمي والابتكار الجراحي ليحقق نتائج تبدو أقرب إلى المعجزة. إنها تفتح آفاقًا جديدة أمام المرضى والأطباء على حد سواء، وتؤكد أن الأمل لا ينقطع مهما طال الزمن.