تؤثر نوعية الغذاء المقدمة للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة في تحديد مستويات الذكاء والقدرة على الانتباه والتركيز لديهم وحتى في تحديد سلوكياتهم تجاه المجتمع المحيط بهم، حيث أثبتت دراسات التغذية أن تناول الأغذية التي تحتوي على الفيتامينات والأملاح المعدنية تلعب دورا رئيسيا في تنمية مستوى ذكاء الطفل، وأن الطفل الذي ورث الذكاء عن والديه قد يهبط معدل الذكاء لديه إذا لم يحصل على تغذية سليمة.
وكشفت باحثون أميركيون مؤخرا أن سوء التغذية خلال السنوات الأولى من العمر يؤدي إلى انحدار معدلات الذكاء لدى الأطفال وتوليد نزعة عدوانية في سلوكهم الاجتماعي تستمر معهم خلال فترة الطفولة وإلى أواخر فترة المراهقة، حسب دراسة نشرتها الأميركية للطب النفسي.
وفي مشروع بحثي استغرق 14 عاما، قام باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا، بقيادة الدكتور “جيانغ هونغ ليو” بتتبع النمو الغذائي والسلوكي والإدراكي لأكثر من 1000 طفل من أصول هندية وصينية وإنجليزية وفرنسية، يعيشون في جزيرة موريشيوس التي تقع في المحيط الهندي قبالة السواحل الأفريقية.
وشملت عينة البحث أطفالا في سن الثالثة، وقام الباحثون بتقييم الحالة الغذائية لكل منهم من خلال البحث عن مؤشرات محددة، مثل وجود تشقق في الشفاه أو في زوايا الفم، كمؤشر على نقص أحد مركبات فيتامين (ب)، أو لون الشعر، حيث يؤدي نقص أحد البروتينات، خاصة في المناطق الاستوائية، إلى تلون الشعر باللون الأحمر البرتقالي، وكذلك سُمك وكثافة الشعر، وهما يتأثران بنقص عنصري الزنك والحديد، إضافة إلى مرض الأنيميا الذي يشير غالبا لنقص عنصر الحديد.
وتم قياس معدلات إدراك وذكاء الأطفال، كما قام موظفون اجتماعيون بزيارة أسر الأطفال الذين تجري عليهم الدراسة للوقوف على الظروف الاجتماعية لهم مثل مستوى الدخل ومستوى تعليم الآباء ومهنهم.
ولدى وصول الأطفال لسن 8 و11 و17 عاما، أجرى الباحثون تقييما لسلوكهم في المدرسة والمنزل، ومن خلال ذلك التقييم خلص الباحثون إلى أن ثمة علاقة مثبتة بين سوء التغذية وبين النزعة العدوانية في السلوك الاجتماعي.
وبمقارنة الأطفال الذين كانوا يعانون من مشكلات سوء التغذية مع أقرانهم الذين لم تكن لديهم تلك المشكلات، اتضح أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أظهروا سلوكا عدوانيا أكثر من أقرانهم الأصحاء بنسبة 41% عند سن 8 سنوات، وبزيادة قدرها 10% عند سن 11 سنة، وزيادة في العنف بنسبة 51% عند سن 17 سنة.
وأرجع الباحثون ذلك إلى أن نقص عناصر مهمة مثل الزنك والحديد أو مركبات فيتامين (ب) أو نقص البروتينات يؤثر سلبا على نمو الدماغ، مما يؤدي إلى نقص معدل الذكاء، وينتج عن ذلك سلوك اجتماعي عدواني، ولاحظ الباحثون أنه كلما ارتفعت درجة سوء التغذية، زادت حدة النزعة العدوانية في السلوك الاجتماعي.
فيما يعتقد البعض أن مستوى ذكاء الطفل يولد معه ولا يمكن تغييره بأي شكل من الأشكال، ويرجع البعض الأخر مستوى ذكاء الطفل إلى العامل الوراثي؛ إلا أن خبراء التغذية يؤكدون أن هناك نوع من الفيتامينات يحتل أهمية قصوى في مسالة رفع نسبة الذكاء لدى الطفل وهو (فيتامين كولين) الذي يدخل في بناء نواقل عصبية مهمة لتنشيط الذاكرة يطلق عليها (استيل كولين)، حيث يساعد هذا الفيتامين على تكوين زوائد عصبية لتحسين الذاكرة وزيادة معدل الذكاء، ويوجد هذا النوع من الفيتامينات في صفار البيض والقمح واللحوم والكبد والأسماك والأجبان والفول السوداني.
وأوضحت دراسة أجراها معهد التغذية الأمريكية أن فيتامينات (ب) تزيد نسبة الذكاء أيضا لأنها تعمل على إنتاج الطاقة اللازمة لعمل مخ الطفل إضافة إلى أنها تعمل على إنتاج النواقل العصبية وتنشط الدورة الدموية للمخ وتقاوم مرض الأنيميا الذي يؤدي إلى قلة التركيز.
كما أن تناول الأغذية التي تحتوي على فيتامين (ج) مثل الفواكه الحمضية كالبرتقال والليمون والجريب فروت والفواكه الحمراء مثل الكرز والطماطم والفراولة إضافة إلى الخضراوات الورقية مثل الملفوف والخس والسبانخ والكوسا والفلفل يساعد أيضا على تنمية الانتباه والخلايا العصبية التي تقوي الذاكرة، وكذلك فإن الأملاح المعدنية لها دورها المهم في عمل المخ، حيث يقوم الفسفور بتقوية الذاكرة وزيادة التركيز وهو يتوافر في الأسماك واللحوم والبيض والدواجن ومنتجات الحليب والتمر والخضراوات الطازجة إلى جانب اليود الذي يؤثر في النمو العقلي للأطفال ويتواجد في ملح الطعام المدعم والأسماك.
وهناك بعض الأغذية التي تعمل على تنشيط الذاكرة، وعدم تغذية الجسم بها يؤدي إلى ضعف عام بالذاكرة، من هذه الأغذية أسماك السلمون والبيض وبعض المكسرات كالجوز والزبيب، وبعض العصائر مثل عصير العنب وعصير الجزر.
دائما ما يوجه الآباء صعوبة في تحسين نوعية الوجبات المقدمة للأطفال في سن الدراسة، نتيجة عدم التزام الأطفال بتناول الأغذية المقدمة إليهم، ما يؤدي إلي تأثر أدائهم الدراسي، ولذلك ينصح خبراء التغذية بالحرص على تقديم الوجبات الغذائية التي تحسن أداء الذاكرة والعمليات العقلية لدى الطفل، ومن هذه النصائح نذكر :
يجب تقديم الأغذية التي تحتوي على فيتامينات (C) و(E)، بعدما ثبت علميا أن وجود هذه الفيتامينات في الجسم يساعد الذاكرة بصورة كبيرة في عمليات تسجيل واسترجاع المعلومات بسلاسة, ويوجد فيتامين (C) في الفواكه والخضراوات الطازجة بصفة خاصة وبكميات كبيرة في الليمون والتوت والفراولة والجوافة والخضراوات الورقية المختلفة علي أن تؤكل طازجة.
أما فيتامين (E) فيتوافر بكثرة في الزيوت النباتية خاصة زيت جنين القمح وفي المكسرات وزيت عباد الشمس والطماطم والسبانخ ولبن الصويا والبطاطا والبروكلي وزبدة الفستق والسوداني وفي القرع والمانجو, ولفيتامين (E) تأثير علي نشاط الخلايا حيث انه من مضادات الأكسدة ويساعد وجودة الجهاز العصبي علي تنظيم نسبة الجلوكوز الموجود في المخ والذي يعد غذاء المخ الرئيسي، وينصح بتقديم هذين النوعين من الفيتامينات صباحا في وجبة الإفطار لضمان أداء أفضل للأطفال في الدراسة.
على القائمين بالتربية الاهتمام بحصول الطفل على احتياجه الكامل من فيتامين (B) خاصة (B1) و(B2) و(B6) و(B12) وهي التي تقوم بدور مهم في ضبط وظائف الأعصاب، ويوجد فيتامين (B1) في اللحوم والحبوب الكاملة والزبادي وقد أكدت التجارب أن الإكثار من تناول الحبوب الكاملة يؤدي لزيادة التركيز والصفاء الذهني ويرفع درجات النشاط، ويوجد (B2) في الألبان والكبد والنباتات الورقية والموز وقد يؤدي نقصه لحدوث تشنجات شديدة للطفل، كما يوجد (B12) في اللحوم والكبد والكلي والقلب والبيض والدواجن ومنتجات الصويا وهو يساعد علي تكوين مادة الميلين التي تغطي وتحمي الأطراف العصبية ونقصه يؤدي لتأخر النمو العقلي.
وتؤكد الدكتورة “بيتاني بيترا” – المتحدثة باسم معهد التغذية الأمريكية – فإن حصول الطفل علي (الاوميجا3) والزنك مهم جدا لتنمية الذكاء وتنشيط العمليات العقيلة، ويوجد (الاوميجا3) في السلمون والتونة وبذور التوت وزيت الزيتون، أما الزنك فمتوافر في البيض.
وتنصح د . “بيتاني” بالاعتماد علي السلاطة كبديل عن الأشكال الغذائية التقليدية حيث يمكن للأم من خلال طبق السلاطة تقديم كل العناصر المطلوبة للطفل والمقصود بالسلاطة هنا السلطات غير التقليدية كتلك التي تحتوي علي الفول والفاصوليا واللوبيا والذرة المسلوقة وزيت السوداني أو جنين القمح والبيض وشرائح السمك والتوابل, كما يمكن مزج كل هذا وخلطه وهرسه لإعداد مزيج لشطائر الصباح والظهيرة مع التغيير في الأشكال وإضافة هذا المزيج حتى تنال إعجاب الأطفال ويستجيبون لها.
ويراعي أيضا تقديم الألبان أو منتجاتها يوميا للطفل لاحتوائها علي فيتامين(D) اللازم لضمان التوافق العضلي والعصبي عند الأطفال، وتنصح “بيتاني” بضرورة الاهتمام بتقديم (28) جراما فقط من اللحم الحيواني أو الدواجن للطفل يوميا بعد إضافة الليمون إليه لضمان استفادة الطفل من سائر إشكال البروتين النباتي وضمان كفاءة امتصاص البروتين.
صلاح عبد الصبور