في عام 1865كتب الفرنسي جولز فيرن رواية بعنوان (رحلة إلى القمر). وبعده بمائة عام تقريباً انطلقت ابوللو 11في رحلة حقيقية لوضع أول إنسان على القمر. والغريب هو وجود تطابق كبير بين ما جاء في الرواية وما تم فعلاً بعد قرن من الزمن؛ ففي الرواية يقلع الصاروخ من قاعدة تدعى كيب تاون في فلوريدا، وفي الحقيقة يقلع الصاروخ من قاعدة قريبة تدعى كيب كانافرال. وكان اسم المركبة في الرواية “كولمبياد” وتحمل ثلاثة رجال، وفي الواقع كان اسم المركبة “كولومبيا” وتحمل أيضاً ثلاثة رجال. وكانت المركبة في الرواية تسير بسرعة 40ألف كلم ووصلت للقمر بعد أربعة أيام، وفي الحقيقة سارت ابوللو بسرعة 38ألف كلم ووصلت للقمر بعد أربعة أيام وبضع ساعات.. وفي الرواية كان الرواد يأكلون خلاصة الطعام في حبوب وأقراص وكان رواد ابوللو يأكلون أحجاماً مضغوطة من اللحم والخضار!
هذا التوافق قد يكون عجيباً ولكنه ليس فريداً أو وحيداً. فهناك الكثير من الإنجازات العظيمة التي تنبأ بها كُتَّاب الخيال العلمي قبل فترة طويلة.. والسؤال هو:
– هل يتنبأ كُتَّاب الخيال العلمي بالمستقبل، أم يلهمونا بإنجازات المستقبل!؟
– العلاقة في نظري تبادلية متجاذبة؛ فكُتَّاب الخيال العلمي غالباً ما يقتنصون بدايات الأفكار و”بذور” الإنجازات ويبنون عليها روايات ذات علاقة. وحين يفعلون ذلك (وينتهون من إكمال المشروع في عالم الخيال) يُلهمون العلماء كيف ينهونه في الواقع!
والنبوءات العلمية الفذة نجدها أكثر من غيرها في الروايات الكلاسيكية القديمة (لا لشيء سوى لأن الروايات الحديثة لم يتح لها الوقت للتطبيق).. فعلى سبيل المثال:
– في عام 1869كتب ادوارد هييل رواية بعنوان “لبنة القمر” تحدث فيها عن أقمار اصطناعية تدور حول الأرض!!
– كما تحدث جولز فيرن عن اختراع الغواصة قبل ظهورها بزمن طويل (في رواية 20ألف فرسخ تحت البحر).
– وفي عام 1905كتب ردايارد كيبلنج رواية بعنوان “بريد الليل” تحدث فيها عن ظهور الطائرات النفاثة وانتقال البريد بسرعة حول العالم!
– وفي عام 1910تنبأ ادوين بالمر بظهور جهاز كشف الكذب في رواية “إنجاز تراند”!
– وفي عام 1932تنبأ الدوس هيكسلي بظهور أطفال الانابيب في رواية “عالم جديد شجاع”!
– كما تنبأ الانجليزي آرثر كلارك عام 1970بظهور البث الفضائي وشبكة الإنترنت في رواية “الوليد المرعب”!
وإذا فكرنا بالبحث عن أكثر إنجاز تم التنبؤ به فلن نجد أكثر من الصعود إلى القمر؛ فهناك على الأقل 57رواية أو إشارة تتحدث في هذا الموضوع (ناهيك عن آلاف القصص الهزلية والكرتونية). فبالإضافة لرواية فيرن (التي بدأنا بها المقال) قال المؤرخ جوزيف غلانجيل قبل 337عاماً: (وبهذا أؤكد لكم أنه في العصور القادمة لن يكون السفر إلى القمر أمراً خارقاً)، كما تنبأ كاتب الخيال البريطاني ج. ويلز بهبوط الإنسان على سطح القمر في رواية “رجل على القمر” عام 1901.وفي عدد اكتوبر 1903من مجلة مانسي الأمريكية كتب ارنست دودج مقالاً بعنوان (هل يستطيع الإنسان زيارة القمر؟) وصف فيه رحلة ابوللو 11وكأنه يراها فعلا!!
.. أما أكثر كاتب حظيت نبوءاته بالتحقق فهو البريطاني ج. ويلز؛ فبالإضافة إلى تنبئه بهبوط الإنسان على سطح القمر تنبأ باختراع المدرعات (في رواية أرض الحديد عام 1903) وبالقنابل الطائرة (في حرب الأجواء عام 1908) وبالقنبلة النووية (في العالم يعود حراً 1914) وبظهور الفيديو والتلفزيون ومكيف الهواء والأبواب الاتوماتيكية في رواية (حين يستيقظ النيام عام 1899). وآخر ما تحقق من نبوءاته هو الاستنساخ وهندسة الجينات (التي تعرض لها في رواية جزيرة الدكتور مور عام 1896)!
فهد عامر الأحمدي