أسهل وأرخص وأقصر طريقة ليصبح العرب عباقرة، هي أن يتناولوا أقراص ما يسمى بـ«حبوب الذكاء» (Intelligence Pills) التي تشيع في الغرب، وبخاصة في الولايات المتحدة، وتعمل عملها في تحسين أداء الدماغ. لا أمزح! فإذا كانت حبوب الحمية والتخسيس والفياغرا تنتشر في بلداننا، كما ينتشر المرض والفقر والجهل، فلم لا تنتشر «حبوب الذكاء» بين النخب والموظفين والطلبة والنساء والخدم؟ وتكون عندئذ كالمضادات الحيوية، حبة كل ثماني ساعات مثلا، يتناولها الأفراد، تحت إشراف متخصصين في مجالات العبقرية المطلوب تنميتها. وكما لكل العقاقير، بالتأكيد لحبوب الذكاء آثارها الجانبية، وهذه تختلف بحسب حساسية كل عربي، وحسب قدرة تحمّل كل دولة عربية. دعني أكلمك عن العبقرية أولا، كنوع من تسويق لـ«حبوب الذكاء» في أوطاننا.
كيف يصبح العرب عباقرة؟
مثلما الموهبة والجمال، هناك ناس بطبيعتهم أذكياء لحد العبقرية. ومثلما الموهبة والجمال، هناك أطياف وأنواع من العبقرية أيضا. فهناك عباقرة في الإبداع والاختراع، وعباقرة في التفكير (واقرأ إن شئت كتاب «لماذا لم أفكّر في هذا من قبل؟» لتشارلز ماكوي)، وعباقرة في التخيل، وعباقرة في حرفيتهم ومهاراتهم الناطحة للسحاب، وعباقرة في وعيهم وفضولهم الزائد في اكتشاف الأشياء، وعباقرة في وضع الرؤى والإستراتيجيات في السلم والحرب. وعدد محدود، لكنه موجود، من العباقرة استطاع أن يجمع بعضا من كل ذلك (ليوناردو دافينشي؟).
والعبقري هو من يملك عقلية طفل عمره سنوات في استعداده لأن يرى الأشياء من زاوية جديدة، ويمتلك القدرة على التخيل المبالغ فيه، وإيجاد علاقة بين أشياء تبدو مقطوعة الصلة. ولكن العبقرية ليست موهبة فطرية فحسب، وإنما نتيجة تراكم مهارات ومعلومات عبر الزمن.. ولذلك من المرجح أن عدد العباقرة سيزيد بمرور الوقت، وهذا خبر جيد للعرب، لكنه جيد أكثر للهنود والصينيين. فالصينيون لم يبدأوا اختراع البارود والبوصلة والطباعة والورق من الصفر، وإنما سبقهم أجدادهم في قرون ما قبل الميلاد في اختراع العقاقير وأدوات الحرث، والساعات الفلكية. والأحفاد اليوم في بكّين سيورثون عبقريتهم للأجيال المقبلة، ويمكنّون الصين من أن تخلف القوى العظمى الراهنة.
بعدما تفتحت شهيتنا للعبقرية، نعود إلى «حبوب الذكاء» الآن… إن بحث الإنسان عن المنبهات أمر لا ينتهي. وفي حالة العرب، بدأ مع اليمنيين منذ أن كانوا يتناولون بُن القهوة الذي تنتجه مدينة مُخا اليمنية المطلة على البحر الأحمر. وكان المتصوفة اليمنيون يعملون صباحا لحد الإرهاق، ثم يتناولون القهوة بشراهة من أجل أن يذكروا الله في الليل. ولكن التجربة الصوفية انتشرت في باقي الدول العربية، ثم «تعولمت» إلى الهند والصين أوروبا وأميركا، وأفرزت المقاهي التي تطورت في أحدث موضاتها إلى «ستاربكس» الذي يقدّم لزبائنه العرب «شراب الموكّا» أي المُخا- بضاعتكم رُدّت إليكم!
ومع التقدم الطبي، انتقلنا من المنبهات الطبيعية إلى المنبهات الكيميائية المصنّعة، وهو عالم لايزال الأطباء يكتشفون مجاهيله. ومثلما صار لكل شيء سوق، صار للعالم سوق الحبوب: حبوب مضادة للكآبة، وحبوب لتحسين الذاكرة، وحبوب لـ«الهلوسة» بين الشباب، والفياغرا بين الرجال، وحبوب الحمية والتخسيس للنساء.
وآخر صرعات الحبوب هي «أقراص المودافينيل» (Modafinil) التي يفترض أنها تنبه الأعصاب وتقوي القدرة على التفكير والتركيز. وتفعل الأقراص ما نحتاج إليه من أي وقت مضى: فهي تقوي الذاكرة، والشعوب العربية من أكثر الشعوب التي تنسى بسرعة. والموادفينيل ينبّه الذهن، وهذه مفيدة للموظف الذي يذهب لوظيفته بعين نصف مفتوحة وثانية مغلقة تماما، ويؤدي أداء مترديا. والموادفينيل مفيد للطالب، الذي يواصل ليله بنهاره، في زمن ما عادت فيه الشاشة تنام، وإنما تبث 25 ساعة في اليوم،
فلا يجد المسكين وقتا للنوم إلا أثناء الحصة أو المحاضرة.
تكلمنا كثيرا عن أثر التربية والتعليم في التغيير، وتنمية الذات والمجتمع. وانعقدت لأجل ذلك، على مدى عقود، مؤتمرات، وورش عمل. وقلنا إن منهجا دراسيا يستند إلى أدبيات وتقنيات القرن العشرين، لا يصلح أن يدرّس لطلبة القرن الحادي والعشرين. وقلنا إن القطاع العام يترهل، لأن الموظف تعيّن في وظيفته، إما بالواسطة، وغالبا بمهارات انتهت صلاحيتها. ويبدو أن المسألة ستستغرق أجيالا قبل أن نرى تغييرا حقيقيا في هذا الاتجاه.
ولكن الآن ما دمنا في عصر السرعة، والسرعة في كل شيء، من الأكل إلى العلاقات الإنسانية، لماذا لا نجرب «حبوب الذكاء» كوسيلة أسرع، وربما أنجح في التغيير؟ على المدى البعيد سيكون لها آثار جانبية سياسية واجتماعية واقتصادية أكيد. ولكن ظنّي أنها يمكن أن تحسّن النسل العربي على مستوى المخ… هل من يجرِّب؟
هشام العوضي
نقلا عن “أوان” الكويتية