بعد مرور عقدين على التنبؤ النظري القائل إنّ ذلك يجب أن يكون ممكنًا، فقد تمكّن العلماء من إنتاج ضوء هندسي (ذي نمط هندسي متكرر) من الليزر .ليس ذلك فحسب، بل وأظهروا أنه يمكن إنتاج الضوء الهندسي بهيئة ثلاثية الأبعاد بدلًا من بُعدَين فقط. يقول الفريق الذي حقق هذا الإنجاز: «قد يفسح إبراز أحد أكثر الأنماط شيوعًا في الطبيعة من خلال تقنية بشرية الصنع المجالَ لفرص في شتى ميادين التواصل والتصوير. لا يجب عليك البحث طويلًا لرؤية هذه الروائع الهندسية في الطبيعة، فهي في كل الأرجاء من رقائق الثلج إلى المسطحات الملحية، ولكن تبيّن أنّ اكتشافها في شعاع ضوء الليزر يتطلّب بعض عمليات الرصد المُعايرة بعناية شديدة.
يقول أحد الباحثين (جوهانس كورتيال – Johannes Courtial) من (جامعة جلاسغو – University of Glasgow) في المملكة المتحدة: «الأمر الباهر هو أنّ المُتطلَّب الوحيد لتفسير التأثير -كما هو متوقع- هو ليزر بسيط مع مرآتين كرويتين مصقولتين. كان هناك طوال الوقت، لكن تَصعب الرؤية إن لم تبحث في المكان الصحيح».
ويضيف (آندرو فوربس – Andrew Forbes) وهو عضوٌ آخر في الفريق، من جامعة ويتواترسراند (University of the Witwatersrand) في جنوب إفريقيا: «انظر إلى المكان الخاطئ داخل الليزر؛ لن ترى إلا بقعة ضوء، انظر إلى المكان الصحيح -حيث يحدث التصوير- سترى أنماطًا هندسية متكررة». نُشر ذلك التوقّع الذي أشار إليه كورتيال في ورقة بحثية عام 1999 بعد أن حدّد الباحثون بعض أنماط التلاعب بالليزر، والتي ينبغي أن تنتج أنماطًا هندسية متكررة من الضوء، ولكن هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها حدوث ذلك.
الطريقة التي يتم بها ذلك هي باستخدام أسلوب ارتداد ضوء الليزر ذهابًا وإيابًا، مرتدًا بين مرآتين ومكررًا الضوء على نفسه لمحاكاة الأنماط الهندسية المتكررة في الطبيعة. بالتحكّم الدقيق في ضوء الليزر من خلال مراياه الكروية؛ تمكّن العلماء من الحصول على الضوء بهيئة أصغر أو أكبر في كلّ مرة يعود إلى نقطة يمكن رصده فيها؛ ما أدّى إلى وجود أنماط هندسية متكررة.
تُسمّى نقطة الرصد هذه (مستوى التصوير الشائع – common imaging plane)، وتتطلب النظر داخل معدات البصريات الخاصّة بالليزر نفسه، لا في الحزمة الناتجة والصادرة عنه. وفقًا للباحثين، ما يزال الوقت مبكرًا للحديث عن الكيفية التي سيُستخدم بها هذا الاكتشاف في المستقبل، ولكن، تُعد إمكانية أن يمتدّ تأثيره إلى مجالات التصوير، والشبكات، وتقنية الهوائي (المستقبلات الهوائية)، والطب، ذات أهمية.
ترتبط الأنماط الهندسية المتكررة بشكل وثيق مع نظرية الفوضى (التي تُعرف أيضًا باسم تأثير الفراشة)، وتشير هذه النظرية إلى أنَّ حدوث تغير ضئيل في الطبيعة يمكن أن تكون له نتائج ضخمة وغير متوقعة. يمكن أن تساعد الأنماط الهندسية المتكررة في تنظيم بعض هذه الأنظمة الديناميكية (الحركية) المعقدة، وقد يكسبنا وجود مولدات خاصة بنا لتلك الأنماط فهمًا أفضل لآلية عمل الكون على نطاق أكبر.
في النهاية، يأمل الباحثون أن يتمكّنوا من تطوير أشعّة ليزر مصنوعة خصيصًا لتكون قادرة على إنتاج تصاميم هندسية متكررة حسب الطلب؛ الأمر الذي سيجعلها أكثر فائدة للعلماء والمهندسين. وقد أدى البحث الجديد إلى تكهّن آخر؛ وهو أنّ الصور ثنائية الأبعاد -والتي أُنشئت هنا- قد تتحقق يومًا ما أيضًا بهيئة ثلاثية الأبعاد، في إشارة إلى وجود بنية ذات نمط هندسي متكرر على طول محور آخر داخل الليزر.
كتب فوربس في (ذا كونفيرسيشن – The Conversation ): «هذه هي سجية العلم؛ فالإجابة عن الأسئلة القديمة تؤدي حتمًا إلى أسئلة جديدة أكثر تعقيدًا تجب الإجابة عنها. لذا، على الرغم من الانتهاء من فصل واحد من كتاب العلم، يبقى هناك آخر غير مكتوب تمامًا».