أظهرت دراسة أجريت في قسم “فارما كولوجي” – علم أدوية البحار بجامعة نجازاكي اليابانية – على عينات من مياه الخليج المعروف في اليابان باسم ” مثلث التنين” أن لماء هذا الخليج خصائص علاجية فريدة ، خاصة في معالجة الأمراض الروماتيزمية وأمراض الجلد ؛ حيث تصل نسبة الشفاء من هذه الأمراض إلى 62 % خلال 6 أسابيع ، حال مداومة المريض على الاستحمام لمدة 3 ساعات يوميا على الأقل في ماء هذا الخليج الغريب!
فمن المعروف لدى علماء البحار أن لمياه ” مثلث التنين” وهو خليج صغير قبالة السواحل اليابانية خصائص فريدة من نوع آخر ، حي تصاب الأجهزة الالكترونية ، وأجهزة الراديو في السفن في السفن والطائرات بأعطال غريبة عند مرورها على ” مثلث التنين” ، ولا يعرف العلماء اليابانيون تفسيرا لهذه الظاهرة المثيرة، ومن المعروف أيضا أن براكين قديمة ألقت بحممها على مدى عقود طويلة في مياه هذا الخليج خلال القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين، وهو ما قد يفسر خصائص هذه المياه العلاجية ، لكنه لا يفسر – قطعا – تعطل الأجهزة الالكترونية.
وعلم ” فارما كولوجي البحار” هو أحد العلوم الحديثة ، على الرغم من أن الاستشفاء بالماء المالح وخاصة أمراض الجلد معروف منذ القدم، وهو يبحث في الخصائص العلاجية لمياه البحار والمحيطات، التي تحتوي على 52 مادة عضوية وعنصرا كيماويا، حتى أن كل ميل مكعب من المياه المالحة يحتوي على 200 مليون طن من هذه المواد والعناصر، بالإضافة إلى 200 نوع من المركبات العضوية السامة المتركزة في قاع البحار ، والتي يطلق عليها العلماء اسم ” السموم السمكية” ولهذه السموم فوائد جمة في علاج بعض الأمراض المزمنة.
تغطي مياه البحار والمحيطات نحو 71 % من مساحة الكرة الأرضية ، وفي هذه الدنيا مترامية الأطراف من المياه تعيش 80 % من الكائنات الحيوانية على كوكب الأرض ، حيث لا تشكل نسبة الحيوانات التي تعيش على اليابسة أكثر من 20 % فقط، وهو ما يعني – ببساطة – أننا أمام عالم أكبر وأوسع من عالمنا، له خصائص لم نتعرف إلا على القدر اليسير منها فحسب.
وهناك كميات هائلة من النباتات تعيش في البحار والمحيطات، لبعضها فوائد علاجية كثيرة، وهي تنمو بمعدل أسرع من النباتات على اليابسة، وتصل إلى 14 آلاف طن لكل ميل بحري مربع، فضلا عن كونها تزود كوكبنا بنسبة لا يستهان بها من غاز الأكسجين أكسير الحياة على الأرض.
يقول الدكتور ” نشأت نجيب فرج” استشاري التشريعات الصحية الدولية، إن مياه البحر معين لا ينضب من المنافع الطبية للإنسان، فهي تحتوي على العديد من الأملاح والعناصر الكيماوية النافعة ، ومنها كلوريد الصوديوم ” ملح الطعام” و البوتاسيوم والماغنسيوم واليود ولابروم بكميات لا حصر لها ، فضلا عن أملاح الذهب والفضة والبلوتينيوم واليورانيوم الموجودة بنسب أقل.
ومعلوم مثلا أن المتر المكعب من ماء البحر يحتوي على 117 مليون طن ملح الطعام، وهو من العناصر المهمة جدا لحياة الإنسان، وكان القدماء يقاضون الملح بوزنه ذهبا لمعرفتهم بالخصائص الطبية الفريدة لهذا العنصر السحري، وفي العصور الحديثة دخل ملح الطعام في العديد من المركبات الدوائية، ويتم حاليا تدعيم الملح بكميات من مادة “اليود” في كثير من دول العالم، وهذه المادة تساعد على تخليص الإنسان من أعراض نفسية مثل الاكتئاب ، ناهيك عن فوائد اليود الأخرى للجسم البشري.
يضيف د . فرج : أن هذه الثروة البحرية في تجدد مستمر، على النقيض من مناجم اليابسة التي تنفذ بمرور الزمن، حيث تستقبل البحار بصفة دائمة مزيدا من العناصر والأملاح الذائبة،التي تأتيها من الحمم البركانية ومن الأنهار بمعدل 6500 مليون طن سنويا، فضلا عن الغبار الكوني الناتج عن الفضاء الخارجي ، وعملية التحلل الكيماوي لكائنات البحار نفسها.
ويقدر العلماء كمية الأملاح والعناصر الذائبة في مياه البحار والمحيطات على مستوى العالم بنحو 50 مليون مليار طن، وهذه الكمية كافية لتغطية سطح الأرض كلها بجبل من الأملاح يصل ارتفاعه إلى 45 مترا !
أسهمت الأبحاث الحديثة وأجهزة الكشف والمسح البحري المتطورة في كشف النقاب – شيئا فشيئا – عن بعض أسرار البحار، وعن بعض من الخصائص العلاجية الفعالة للمياه المالحة قدرتها الفائقة على علاج أمراض مزمنة ، والحفاظ على صحة الإنسان العضوية والنفسية على السواء.
و” العلاج بالمياه المالحة” أحد الطرق الطبية المعتمدة والمعترف بها عالميا منذ التسعينات من القرن الماضي، وهناك تنظيم طبي دولي يهتم بهذا النوع من الاستشفاء يطلق عليه “الاتحاد الدولي للعلاج بالمناخ ومياه البحار” ومقره لندن، وهو يقدم الدعم المادي للعديد من الأبحاث الطبية في هذا المجال، وقد تكفل الاتحاد بأبحاث جديدة حول “السموم السمكية” المشار إليها والتي ثبت أن لها مفعول مؤكد في علاج بعض أمراض الكبد ، وعوارض مرضية أخرى لم يتم كشف النقاب علميا عنها بعد.
وأكدت دراسات طبية حديثة أن للمياه المالحة تأثير علاجي على أمراض جلدية مثل ” الصدفية” وحب الشباب ، وهناك منتجعات علاجية معروفة على سواحل البحر الأحمر في مصر، يفد إليها آلاف السياح الأوروبيين الباحثين عن “الشفاء بالماء” .
وأثبتت الأبحاث أن لملح البحر مفعول ساحر في القضاء على أنواع من الإكزيما الجلدية وشفاء القروح المزمنة، حتى أن الملح يدخل في تركيب المراهم الطبية والصابون والكريمات المرطبة والمنظفة للجلد.
وفي ضاحية حلون جنوب القاهرة عيون كبريتية معروفة بقدرتها على علاج بعض الأمراض الجلدية، وخاصة حب الشباب والصدفية والإكزيما الحادة واحمرار الجلد الناتج عن التسلخات وغيرها، وذلك لاحتوائها على عنصر الكبريت بتركيز عال، وهي معروفة منذ ما يقر من آلف عام تقريبا، وأقيم بالقرب منها مستشفى لعلاج أمراض الجلد أطلق عليها اسم ” الحوض المرصود”
فضلا عن فوائد المياه المالحة علاجيا، فإن عملية الاستحمام في ماء البحار تعرض الجسم لضغط يختلف باختلاف العمق، ويقول الأطباء إن العمق العادي لمياه البحر له ضغط مؤثر طبيا، يفيد في تنشيط الدورة الدموية الطرفية وتخفيف آلام التصلب والتشنج العصبي الناتج عن بعض الأمراض الروماتيزمية المزمنة، وهذه الفائدة يعزوها العلماء إلى توفر عوامل ثلاثة هي الضغط والحرارة والمياه المعدنية.
ولهذا السبب أقيمت مستشفيات خاصة تحت سطح الماء لعلاج بعض الأمراض عن طريق توفير ضغط المياه على أعماق بعيدة، فضلا عن أن هذه المستشفيات توفر مناخا مناسبا لعلاج عوارض نفسية منها التوتر العصبي والاكتئاب والأرق وسواها، وهناك مستشفى شهير مقام غرب سواحل ” بورتريكو” في أمريكا الوسطى ، يتوافد عليه آلاف المرضى سنويا من مختلف دول العالم وخاصة الولايات المتحدة لعلاج بعض “أمراض الرفاهية”.
وأخيرا يقول الأطباء إن مجرد الاستحمام بماء البحر والاستجمام على الشاطئ، وتعريض الجسم لأشعة الشمس في الصباح حتى ما قبل الظهيرة، يجعل الإنسان عرضة للأشعة الكونية والموجات الكهرومغناطيسية الناجمة عن الأمواج، وهذه الإشعاعات تقوم بتحفيز العمليات الحيوية في الجسم، نتيجة التفاعل الصحي بين الحرارة والإشعاع والعناصر الكيماوية وهو الأمر الذي يسهم في زيادة مناعة الجسم شيئا فشيئا، ويؤكد أن ما عرفه الطب الحديث عن فوائد البحار الطبية إنما هو مجرد غيض من فيض!
طارق الديب