تتعدد أشكال الخير ومراتبه فـ “كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الإثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها، أو تحمل له عليها متاعه صدقة”.. إلى آخر الحديث المشهور، فلا عليك إن فعلته، لكن في تقديري فإن من أكثر ألوان الخير تأثيرا ونفعا – والله أعلم – هو ذلك الذي تستثمر فيه سابق علمك وخبرتك، فتضيف إليه من وحيهما ابتكارا وإبداعا يزيد من نفعه، فتحل به مشكلة مزمنة بطريقة مبتكرة ومستدامة تتعدد منافعها، وهذا ما يسمونه بريادة الأعمال الاجتماعية Social Entrepreneurship.
Table of Contents
من هو ماسيمو بوتورا؟
ماسيمو بوتورا Massimo Bottura هو أحد أشهر وأمهر الطهاة وأنجح أصحاب المطاعم في العالم، ولد في سبتمبر من عام 1962 بمدينة مودينا التي تقع في منطقة إميليا رومانيا الإيطالية، وهو صاحب ورئيس الطهاة في مطعم أوستيريا فرنسيسكانا Osteria Francescana، وهو مطعم حائز على نجمة ميشلين الثلاثية ومقره في مودينا، تم إدراج المطعم في قائمة أفضل 5 مطاعم في جوائز أفضل 50 مطعم في العالم. منذ عام 2010 وتلقى أعلى التصنيفات من الهيئات والأدلة العالمية المتخصصة، وحاز على المرتبة الثانية في العالم كأفضل مطعم في العالم أعوام 2015 و2017، والمرتبة الأولى أعوام 2016 و2018. لكن إنجازه الأعظم – كما عبرت صحيفة الجارديان في تقريرها عنه عام 2017 – هو مؤسسته “الغذاء من أجل الروح أو Food for Soul” وهو مشروعه العالمي لإطعام المحرومين والمهمشين وخفض نفايات الطعام والذي أسسه عام 2016 مع زوجته الأمريكية لارا جيلمور Lara Gilmore والتي تتولى رئاسة المؤسسة الآن.
ماسيمو بوتورا وأول مطعم
كان ماسيمو بوتورا من المفترض أن يكون محاميا، أو لاعب كرة قدم، لكنه صار صاحب مطعم، هكذا يحكي في حواره مع الجارديان، فعندما كان صبياً في مودينا، كان لديه فرصة لأن يكون لاعب كرة قدم، لكن والده، الذي كان يدير شركة ناجحة لتوريد الوقود، أصر على أن يدرس ماسيمو القانون. ولكن، وقبل أن ينهي ماسيمو بوتورا دراسته، وذلك في عام 1986، سمع عن مبنى قديم على جانب الطريق في إحدى ضواحي مودينا معروض للبيع، ومن ثم اشترى المبنى ولم في ذهنه مذروع محدد حينئذ، وقام بتجديده، ثم قام بفتح مطعم أول مطعم له وهو ترتوريا ديل كامبازو Trattoria del Campazzo، ويتذكر قائلاً: “كل شخص في مودينا قال إنني لن أبقى في هذا المشروع أكثر من ستة أشهر، ومن ثم ربما أصبح محاميًا دون المتوسط”. ولكنني كنت أعرف أنني لم أكن لأحبط أمّي التي كانت تقاتل من أجلي مع والدي قائلة: “دعه يفعل ذلك!” لذلك لم أستطع ترك المشروع”.
الطعام من أجل الروح
وكما يقول ماسيمو فإن مصدر إلهام مبادرته “الطعام من أجل الروح” جاءه أيضا عن طريق أمه، فهذا المشروع “يعكس الطريقة التي نشأت بها، والقيم التي أعطتني إياها والدتي وجدتي”، ويضيف “لقد جئت من مكان، إميليا-رومانيا، وهو مكان اجتماعي للغاية، وهو ما يعبر عن نفسه في الطعام، من خلال روح “نحن نعلم أننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بأنفسنا” وهي الروح الموجودة في اتحاد بارميجيانو ريجيانو Parmigiano Reggiano Consortium الذي يجمع المئات من صغار صانعي الجبن الذين يرون قوة العمل في الصوت الواحد.”. من ثم آمن ماسيمو بأن الشيف هو أكثر بكثير من مجموع وصفاته. وبدأ هذا الفهم يتركز بشكل أساسي في عقله منذ عام 2012، عندما تضررت 360 ألف عجلة من عجلات إنتاج جبن بارميجيانو ريجيانو بعد الزلزالين الرئيسيين اللذين ضربا إميليا-رومانيا في ذلك العام. حيث سأله اتحاد مصنعو الجبن عما إذا كانت لديه فكرة عن كيفية إنقاذ هذه الصناعة، فابتكر ماسيمو وصفة ريزوتو risotto التي تنطوي على قدر كبير من جبن Parmigiano Reggiano وروج لها من خلال حركة الغذاء البطيء Slow Food، ومن هناك “انتشرت الوصفة في العالم، حتى أنه في غضون ثلاثة أشهر قمنا ببيع جميع عجلات جبن البارميزان البالغ عددها 360 ألف عجلة، ومن ثم لم يفقد أحد وظيفته، ولم يغلق صانع جبن أبوابه. لقد كانت وصفة في شكل بادرة اجتماعية، كما يقول ماسيمو.
مبادرة Food for Soul
وكجزء من هذه البادرة أسس ماسيمو “الطعام من أجل الروح”، والتي يشير موقعها في التعريف بها إلى حوافز تأسيسها: في عالم يتم فيه التخلص من ثلث الغذاء الذي ننتجه، بينما يعاني أكثر من 800 مليون شخص من نقص التغذية، نفكر في هدر الغذاء وانعدام الأمن الغذائي كوجهين لنفس المشكلة. لذلك تأسست مبادرة Food for Soul في عام 2016 بهدف تشجيع المؤسسات العامة والخاصة وغير الربحية على إنشاء ودعم مطابخ المجتمع في جميع أنحاء العالم، وكذلك إشراك المهنيين من مختلف المجالات، بما في ذلك الطهاة والفنانين والمصممين وموردي المواد الغذائية، لتعزيز نهج بديل لبناء مشاريع المجتمع.
نحو مساحات اجتماعية
لا تقدم المبادرة نفسها على أنها مشروع خيري، بل باعتبارها مشروع ثقافي يتبنى نهجًا بديلاً لبناء مساحات اجتماعية مبنية على ثلاثة مبادئ أساسية: جودة الأفكار وقوة الجمال وقيمة الضيافة. وقد افتتحت المبادرة حتى الآن، من خلال عدد من الشراكات مع مؤسسات أخرى مطعما في ميلانو بإيطاليا، وآخر في لندن ببريطانيا، وثالث في ريو دي جانيرو بالبرازيل، تقدم وجبات غداء وعشاء مطهية من قبل أفضل الطهاة الذين يستضافوا في مطاعم المبادرة، فضلا عن المتطوعين الذين يساهمون في خدمة الزبائن من الفقراء والمشردين والمهاجرين في مطاعم مزينة ومصصمة وفق أحدث وأجمل أصول التصميم، ويستخدم في طهي الوجبات تبرعات محلات البقالة والأسواق وشركات بيع الغذاء الذي إذا لم يحصلوا عليه منهم، ربما يكون مصيره الإلقاء في المهملات بالرغم من صلاحيته. ومنذ تأسيس المبادرة قدمت مطاعمها خدمتها لـ 150 من ضيوفها، قدم لهم 450 ألف طبق، شارك في طهيهم 340 طاه ضيف، و830 متطوع، استخدموا في الطهي 45 طنا من الأغذية التي تم إنقاذها من الإلقاء في مكبات النفايات. لا تتوقف طموحات ماسيمو على ذلك، فهو يأمل في أن تكون مبادرته نواة حركة عالمية لمكافحة النفايات وإطعام الجوعى.
د. مجدي سعيد