محمد بن أحمد معبِّر.. (جاحظ عسير) المنقطع للعلم، والمتبتل في محراب القراءة والتأليف
محمد بن أحمد معبِّر.. كنتُ قد سمعتُ به كثيرًا من الأستاذ الدكتور غيثان بن جُرَيس (مؤرخ الجنوب) ومن آخرين، وقد التقيته مرةً أو مرتين في لقاءات ثقافية عابرة، ثم كانت الزيارةُ الأولى إلى مكتبته بخميس مشيط.
هذا الرجل انقطعَ للعلم، وتبتَّلَ في محراب القراءة والبحث والتأليف عمرًا طويلًا، اختطَّ لنفسه نهجًا في الحياة، ومنهجًا في التأليف، يعيشُ مع الكتاب والبحث، ويقضي ساعاته الطويلة بين الكتب.
جعل من منزله مكتبةً عامرةً وقد استغرقت الطابق الأرضي المفتوح على الشَّارع لتكون قريبة من الناس لا يحجبها عنهم حاجب، هي مكتبة كبيرة ومرتَّبة فيها أنواع الكتب القديمة والحديثة، وهي مصنَّفة بتصنيف (ديوي العشري) وبتصنيفه الخاص في الوقت نفسه -وبالمناسبة فقد كان أمينًا لمكتبة الجامعة لخمس سنوات كما أخبرني- وأمَّا مكتبته هذه فقد رتَّبها ترتيبًا عامًّا وخاصًّا لتناسبَ جهوده البحثية وقراءاته المتنوعة.
Table of Contents
دوريات قديمة وحديثة
فيها كتب قيِّمة في مجالات المعرفة المختلفة، وتحتوي على دوريات قديمة وحديثة كثيرة ونادرة، والمكتبة كذلك أشبه بورشة عمل، تجدُ في كلِّ ركنٍ منها بصمتَه الخاصَّة وأفقه البحثي المرتَّب، دواليب كثيرة تحملُ مشاريعه البحثية ومخطوطات أعماله القادمة منها والمنجَزة، ودواليب أخرى تحتوي النوادر من الكتب، والأبحاث، والمخطوطات المصوَّرة منها والأصلية.
الجاحظية
جعل محمد بن أحمد معبِّر واجهة المكتبة لاستقبال الزائرين لها، وفيها حلقةٌ تضمُّ ما لا يزيد عن عشرة كراسي أسماها (الجاحظية) لاستقبال ضيوفه وللحديث معهم، ولإدارة الحوارات الثقافية والنقاشات المعرفية.
الأستاذ (محمد بن أحمد معبِّر) مؤلفٌ وباحثٌ كبيرٌ يعزفُ عن الأضواء، وينقطع للقراءة والبحث والتأليف، يدهشك بسعة معرفته، وقراءاته الواسعة، وحديثه عن الأدباء والشعراء والأعلام في بلده وفي منطقته التي يُعدُّ من المتخصِّصين فيها، وكذا لديه معرفة واسعة واطلاع كبير عن اليمن وعن سائر الأقطار العربية.
لم يَسعَ إلى الشُّهرة، ولا يجد وقتًا لينشر عن نفسه- كما قد يفعل الكثير- بل إنَّه إلى الآن لا يحملُ هاتفًا نقالًا؛ لأنه برأيه لا يحتاجه ويستغرق وقتًا يهدره هو في حاجة إليه. ومن يريده يقصده إلى محرابه وصومعته العلمية، ويزوره في مكتبته، فيجده حاضرًا جاهزًا في كلِّ وقت.
حقيقةً هو أنموذج نادر في هذا الزمان..
حدثني محمد بن أحمد معبِّر عن مشاريعه الكثيرة التي يعملُ عليها، وعلى الرغم من أنَّه قد أصدر ما يربو عن (120) كتابًا وبحثًا وكتيِّبًا مفرقةً بين تاريخ، ودراسة نقدية، وبحث، وتراجم وسير، ومقالات، وموضوعات من حقول مختلفة في اللغة والتاريخ والتراجم والدراسات الوصفية والقضايا الاجتماعية، وموضوعات الأدب المختلفة وغيرها، إلا أنَّه ما يزال لديه الكثير من الكتب الجاهزة للنشر، والمعدَّة للطبع، وكذا المشاريع التي تسعى للاكتمال. ويعكفُ منذ فترة على عددٍ منها، ومن أطرفها كتاب موسوعي ظريف ما يزال يجمع في مادته، وهو (الحمار في الأدب العربي). وكتاب (معجم الألقاب العلمية والأدبية) الذي أصدر مقدمته في كتاب عام 1433 عن مكتبة الرشد، وما تزال أجزاؤه الكثيرة في انتظار النشر. وفي اختياراته الكثير من الاختلاف والتميّز، يبحثُ عن موضوعات لم تُطرق، ويدرس قضايا لم تُسبق.
ذخائر أدبيَّة
في اللقاء تحدثنا طويلًا، وتذكرنا الكثير من الأدباء والعلماء اليمنيين، وأطلعني على ما تحتويه مكتبتُه من ذخائر أدبيَّة، وسمعتُ منه حديثًا عن قراءاته واستيعابه للأدب والتاريخ، والتراث اليمني القديم والمعاصر، ومنها قراءاته المبكرة للأستاذ المحقِّق عبد الله بن محمد الحِبْشِي، ويعتزم كتابة سيرته وترجمته وإصدارها في كتاب خاص؛ وذلك نظرًا لجهوده وأعماله الكثيرة، وقد رصدها بيبليوغرافيا، وطلب مني الاتصال بالأستاذ الحبشي وأخذ سيرته المحدَّثة والربط بينهما، فوعدته بأن أفعل إن شاء الله.
قراءاته المبكِّرة
ثم استطرد في الحديث عن قراءاته المبكِّرة لأعمال الأستاذ الأديب أحمد الشَّامي الفكرية منها والشعرية، هذا فضلًا عن كبار أدباء اليمن وشعرائها الذين وجدتُ في مكتبته طبعاتٍ قديمةً وربما نادرة من أعمالهم أمثال: الزبيري، والبردوني، والمقالح، وغيرهم، وكذلك الشوكاني، وابن الأمير الصَّنعاني، وابن الوزير، والمقبلي، والجلال، والعمراني، وأمثالهم.
عدتُ من مكتبته ممنونًا بكرم ضيافته العلمية، وحسنِ حديثه، ولُطفِ حواره، ومحمَّلًا بعددٍ وفيرٍ من كتبه القيِّمة وإهداءاته الكريمة.
شكرًا للكاتب والمؤلف والمحقِّق الأستاذ محمد بن أحمد بن معبِّر، وتحيَّةً له وهو يصنع النور وينشر العلم وينقطع إلى التأليف في زمنٍ يهتمُّ فيه الكثير من الناس بمتابعة الغثاء والزَّبد، ويتركون السَّمين والنافع.
فجزاه اللهُ خيرًا عن العلم وأهله، وعن الباحثين والدارسين، وأمدَّه الله بالعمر الطويل، والعمل النافع!
د. إبراهيم أبو طالب
17 من رمضان 1444هـ