من أهم رواد الشعر العربي الحديث، الذين تمردوا على الشعر العمودي التقليدي وجددوا في شكل القصيدة حين كتبوا شعر التفعيلة متخلين عن القافية لأول مرة في تاريخ الشعر العربي، وهي أول من وضع دراسة جادة عن الشعر الحديث وأوزانه وعروضه في كتابها قضايا الشعر المعاصر.
ولدت الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة في بغداد عام 1923م وتخرجت في دار المعلمين عام 1944م، ثم في معهد الفنون الجميلة “فرع العود” عام 1949م، ولم تتوقف في دراستها الأدبية والفنية إلى هذا الحد، حيث درست اللغة اللاتينية في جامعة “برستن” بالولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلي العديد من اللغات الأخرى أهمها الفرنسية والإنجليزية وقد ترجمت بعض الأعمال الأدبية عنها.
وفي عام 1959م عادت نازك الملائكة إلى بغداد بعد أن قضت عدة سنوات في الولايات المتحدة لتتجه إلى انشغالاتها الأدبية في مجالي الشعر والنقد، والتحقت في عام 1954م بالبعثة العراقية إلى جامعة “وسكونسن” لدراسة الأدب المقارن، وقد ساعدتها دراستها هذه المرة للاطلاع على أخصب الآداب العالمية، فاطلعت على الأدب الألماني والإيطالي والروسي والصيني والهندي.
واشتغلت الملائكة بالتدريس في كلية التربية ببغداد عام 1957، وخلال عامي 1959م و1960م تركت العراق لتقيم في بيروت وهناك أخذت بنشر إنتاجها الشعري والنقدي، ثم عادت إلى العراق لتدرس اللغة العربية وآدابها في جامعة البصرة.
وكان عام 1947م الانطلاقة الحقيقية لتجربة نازك الملائكة الشعرية، و كانت هذا العام هو بداية ظهور ما سمي بالشعر الحر و تحديدا مع قصيدة الكوليرا التي الفتها نازك الملائكة وشرحت ظروف كتابتها في كتابها “قضايا الشعر الحديث” قائلة: “كانت أول قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة (الكوليرا) وكنت قد نظمت تلك القصيدة عام 1947م أصور بها مشاعري نحو مصر الشقيقة خلال وباء الكوليرا الذي دهمها وقد حاولت فيها التعبير عن وقع أرجل الخيل التي تجر عربات الموتى من ضحايا الوباء في ريف مصر وقد ساقتني ضرورة التعبير إلى اكتشاف الشعر الحر”.
و قد صادف في العام نفسه أن نشر بدر شاكر السياب قصيدة من الشعر الحر أيضا وكانت بعنوان “هل كان حبا؟” و قد جاء نشر هذه القصيدة تأكيدا على أن بداية الشعر قد جاءت من العراق حيث ذكرت نازك الملائكة ذلك أيضا في كتابها المذكور آنفا أن بداية حركة الشعر الحر كانت سنة 1947م في العراق وزحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله.
و على الرغم من أن القصيدتين قد نشرتا في العام نفسه واعتبرتا بداية لما سمي بالشعر الحديث إلا أن النقاد وجدوا قصيدة الكوليرا أقرب صورا و بناء للشعر الحر منها لقصيدة السياب التي كانت امتدادا لقصائده الوجدانية السابقة مع فرق اعتماده للتفعيلة للمرة الأولى عوضا عن العمود الخليلي.
وفي العام نفسه أي عام 1947م نشر في بغداد أول ديوان لنازك الملائكة وكان عنوانه “عاشقه الليل” الذي تميز بالقصائد ذات الشجن و الحزن العميق، ومن بعد ديوان عاشقة الليل توالت دواوين الشعر وأهمها: “شظايا ورماد” عام 1949م، و”قرار الموجة” عام 1957م، و”شجرة القمر” عام 1968م، و”مأساة الحياة وأغنية الإنسان” وهو ملحمة شعرية” صدرت عام 1970م، و”يغير ألوانه البحر” عام 1977م، و”للصلاة والثورة” عام 1978م.
ومن أهم أعمالها النقدية: “قضايا الشعر المعاصر” عام 1962م، و”الصومعة والشرفة الحمراء” عام 1965م و”سيكولوجية الشعر ” عام 1993م.
حصلت نازك الملائكة على جائزة البابطين عام 1996م وجاء في قرار منحها الجائزة أنها “شقت منذ الأربعينيات للشعر العربي مسارات جديدة مبتكرة وفتحت للأجيال من بعدها باباً واسعاً للإبداع دفع بأجيال الشعراء إلى كتابة ديوان من الشعر جديد يضاف إلى ديوان العرب واستحقت الجائزة للريادة في الكتابة والتنظير والشجاعة في فتح مغاليق النص الشعري”.
وفي يوم 26 مايو من عام 1999م أقامت دار الأوبرا المصرية احتفالاً لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي وشارك في الاحتفال الذي لم تشهده نازك الملائكة لمرضها شعراء ونقاد مصريون وعرب بارزون إضافة إلى زوجها الدكتور عبدالهادي محبوة الذي أنجبت منه ابنها الوحيد البراق.
وفي 20 يونيو من عام 2007م توفيت الشاعرة الكبيرة في احد المستشفيات المصرية عن عمر يناهز 84 عاما إثر هبوط حاد في الدورة الدموية، بعد معاناتها من أمراض الشيخوخة.