“نبيل على” و”المراكبي” و”سلام”.. جنود مجهولون في عمل عظيم | إذا كان رجل الأعمال الكويتي الراحل محمد الشارخ، رحمه الله، قد نجح ـ بجرأته وصلابته ـ في إدارة أول وأهم شركة تقنية عربية حققت الإنجاز الكبير بإدخال اللغة العربية على نظم تشغيل الحاسوب “الكومبيوتر”، فإن الأمانة والحق، تستدعي أن نذكر بكل امتنان وتقدير، جنودا مجهولين، أو شبه مجهولين، شاركوه في هذا العمل العظيم، وكانوا هم الكتيبة الهندسية والعلمية والتقنية التي حققت هذا الاختراق الكبير، والذي كان له بركة على ملايين الناطقين بالعربية ومستخدميها في مشارق الأرض ومغاربها.
Table of Contents
“نبيل علي” والتفرغ لتطويع لغة الكمبيوتر لخدمة النص العربي
يأتي في مقدمة هؤلاء الراحل العظيم الدكتور نبيل علي، أستاذ هندسية الطيران بجامعة القاهرة، الذي هجر الطيران وتفرغ لتطويع لغة الكومبيوتر لخدمة النص العربي، كتابة ونطقا، إملاء ونحوا وصرفا، وكل ما تراه أمامك الآن من علامات تصحيح الجمل أو الكلمات على برامج الكتابة العربية فهذا الرجل هو مبتداها وهو منشئها وهو صاحب الفضل على البشرية فيها.
وقد كرمت المملكة العربية السعودية الدكتور نبيل علي بمنحه جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة والأدب تقديرا لجهوده في هذا المجال، كما كرمته شركة “جوجل” العملاقة، واحتفلت بيوم مولده ـ مرفق صوة شاشتها التي تحتفل فيها بذكراه ـ وكتبت جوجل في هذه المناسبة تقول: “بالنسبة للدكتور نبيل، كان إدخال اللغة العربية بمصطلحاتها وقواعدها المعقدة إلى العالم الرقمي تحدياً مميزاً لربط متحدثي اللغة العربية بالعالم أجمع، فكان من الرواد في تطوير الأبحاث عن ثقافة المعلومات والذكاء الاصطناعي وتطبيقه على اللغة العربية، ومن أوائل من ساهم في إدخال الحاسوب للعملية التربوية”.
وفاة نبيل علي
توفي الدكتور نبيل علي في 27 يناير 2016 ، وقد ترك مع هذه الإنجازات العملية العظيمة، مؤلفات عديدة من أهمها كتابه الشهير “العرب وعصر المعلومات” وقد نشر في الكويت ضمن سلسلة “عالم المعرفة” .
محمود المراكبي وطويع لغة الحاسب الآلي لخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة
الجندي المجهول الثاني هو المهندس محمود المراكبي، أول من فكر في تطويع لغة الحاسب الآلي لخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، بل وتوظيف تقنية المعلومات في الدفاع عن السنة وحامليها من الصحابة وغيرهم، أمام شبهات عديدة أثيرت وراجت، فندها بشكل علمي مذهل باستخدام تقنية المعلومات، وجمع المراكبي كتب السنة التسعة : صحيح البخاري، وصحيح مسلم، ومسند أحمد، وسنن الترمذي “الجامع الصحيح”، وسنن النسائي، وسنن أبي داوود، وسنن الدارمي، وسنن ابن ماجه، وموطأ الإمام مالك، وأجرى لها الأرشفة والفهرسة، كما جمع أمهات كتب الفقه والسيرة، وفتح للأمة فتحاً في هذا المجال التقني، وكان الراحل الكبير قد دعاني من سنوات طويلة في مقر شركته بحي حدائق القبة في القاهرة، بعد أن غادر شركة “صخر” واستقل بعمله، ليطلعني على إنجازه، وكنت مذهولا مما أراه، وقد كتبت عن ذلك فيما سبق، ويذكر تلاميذه أنه عندما عرض مشروعه على العلامة عبد العزيز بن باز عندما زاره في الرياض، أصابته الدهشة نفسها، وطلب منه أن يبحث عن حديث “نهي النبي عن أن يبيت الرجل وحده” في مسند الإمام أحمد، حيث أنه طلب من طلابه أن يبحثوا عنه فأجهدهم البحث في مجلداته الضخمة أكثر من شهر، فأخرجه المراكبي له في ثوان معدودات بضغطة زر على حاسوبه، فاندهش الشيخ وقال: هذا أشبه بالخوارق.
وقد تولى استكمال الرسالة بعد رحيله، وإدارة مشروع “حرف” ـ إدارة التراث ـ من بعده المهندس علي القطان ، فأشرف على فهرست كتب السنة وتحميلها على شبكة الانترنت للمرة الأولى منذ ظهور الشبكة العنكبوتية، وكان ذلك حدثا فريدا في وقته .
المهندس أحمد سلام وكسر شفرة تشغيل مايكروسوفت لإدخال النص العربي في برامجها
الجندي المجهول الثالث في هذا الإنجاز العظيم، هو المهندس أحمد سلام، الشاب ـ وقتها ـ الذي نجح في كسر شفرة نظام التشغيل في مايكروسوفت لكي تسمح بإدخال النص العربي في برامجها، وأغلب الإنجازات التقنية التي مثلت فتوحات في حينها لشركتي “صخر” و”حرف” كانت تعود إلى إبداع أحمد سلام، وقد نال عدة جوائز دولية على ابتكاراته، كما قدم عدة خدمات برمجة مهمة للغاية لعدد من المؤسسات الرسمية المصرية منها شركة مصر للطيران، وقد عمل أحمد سلام مديراً لقسم الأنظمة والتعريب والحماية في شركة “صخر”، وبعد صعوبات إدارية وغيرها واجهها في مصر واستعصى عليه التعايش معها أو الشعور بالأمن قرر الهجرة، فتلقى دعوات للهجرة من ثلاث دول: فرنسا وكندا والولايات المتحدة، وقد اختار الأخيرة، وهو اليوم يعد واحدا من أبرز خبراء أمن المعلومات على شبكة الانترنت في العالم، وقد استفادت من جهوده شركات كبرى مثل “أبل” وشركة “مكافي” قبل أن يستقل بشركة خاصة به. ولا أنسى أن أشير إلى أن كل واحد من هؤلاء كان يعمل تحت قيادته فريق كبير من الباحثين، لا نعرف أسماءهم، لكن ذلك لا يقلل من عظمة عملهم وأهمية جهدهم، فبدونهم ما كان لمثل هذا العمل العظيم أن يظهر ويبهر ويحدث النقلة التاريخية، وعلى المستوى الشخصي أتوجه لهؤلاء جميعا بجزيل الامتنان والشكر على ما قدموه ويسروه لي ولغيري من مستخدمي اللغة العربية وبرامجها على الحاسوب.
هذه التجربة، بأشخاصها، وإنجازاتها، والسبق الذي حققته، بإمكانيات متواضعة، توضح لأي مدى تمتلك هذه الأمة القدرة على التميز والإبهار والتفوق، إلى أي مدى تملك العناصر الكفؤ والموهوبة والقادرة على إحداث الفارق، فقط نتيح لهم الفرصة، ونهيئ لهم الأجواء، ونوفر لهم الدعم والحماية، والتقدير.
بقلم/ جمال سلطان