الشيخ يوسف بن جاسم بن محمد الحجي (1923 – 29 مارس 2020) هو وزير أوقاف كويتي سابق، من المهتمين بالعمل الخيري الإسلامي. حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الإسلام سنة 1426 هـ 2006 م مناصفة مع الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
يوسف الحجي إمام العمل الخيري بالكويت وقدوة الخيّرين
ولد الشيخ يوسف بن جاسم الحجِّي في الكويت سنة 1341 هـ 1923م، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارسها، كما تلقى العلم الديني على يد عدد من كبار علماء الكويت في ذلك الوقت، في حين بدأ حياته العملية موظفًا بشركة أرامكو السعودية. ثم عاد إلى الكويت في أوائل الأربعينات من القرن العشرين، ليلتحق بالعمل في وزارة الصحة الكويتية سنة 1943.
تدرج الحجي في وظائف وزارة الصحة حتى وصل إلى منصب وكيل الوزارة، وأشرف في تلك الفترة على بناء أول مستشفى حكومي بالكويت، كما افتتح عدة مستشفيات أخرى، وسعي إلى إدخال الخدمات الصحية في القرى خارج مدينة الكويت. وهو من الأعضاء المؤسسين للهلال الأحمر الكويتي وكان رئيساً له.
وزارة الأوقاف.. وتأسيسي الهيئة الخيرية
تولى الحجي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت في الفترة من سنة 1976 إلى سنة 1984، فسعى إلى تأسيس بيت التمويل الكويتي وكلية الشريعة في جامعة الكويت وبرنامج الدعاة، كما أطلق مشروع الموسوعة الفقهية وأصدر أول أعدادها.
في سنة 1404 هـ 1984م، شارك الحجي في تأسيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، كما رأس اللجنة الكويتية للإغاثة التي قامت بأعمال إغاثة في المناطق المنكوبة في العالم الإسلامي مثل البوسنة والهرسك والصومال ولبنان والسودان والعراق، كما أسس الحجي ـ أو شارك في تأسيس وإدارة ـ عدد من الجمعيات الخيرية في الكويت، وكان نائبًا لرئيس مجلس إدارة بيت الزكاة الكويتي، ونائبًا لرئيس المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة بالقاهرة، ورئيس لجنة التمويل فيه، وعضوًا في مجالس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان، والمؤسسة الإسلامية في ليستر بالمملكة المتحدة، والجامعات الإسلامية في كل من إسلام آباد (باكستان) وشيتاجونج (بنغلاديش) والكونغو والنيجر، وعضوًا بالمجلس الأعلى العالمي للمساجد التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وكان عضوًا في مجلس إدارة بنك دبي الإسلامي.
العم يوسف ورحلة الخير
عُيِّن في وزارة الصحة مسؤولا عن مخازن الأدوية فى عام 1944، وتدرج فيها حتى صار وكيلا لوزارة الصحة العامة. وفي عام 1976 اختير وزيرًا للأوقاف والشؤون الإسلامية وظل بها حتى عام 1981، ترأس جمعيتي الإصلاح الاجتماعي وجمعية عبد الله النوري الإسلامية، وعرف طيلة سنوات حياته بالقبول لدى كل التيارات الإسلامية في الكويت على مختلف فصائلها.
رشحته سمعته الطيبة وجهوده الخيرية لأن يحظى بموقع المسؤولية وعضوية العديد من مجالس إدارات العديد من المنظمات الخيرية والجامعات الإسلامية والبنوك والهيئات الطوعية، مثل جمعية الهلال الأحمر الكويتية، وجامعات أوغندا والنيجر وإسلام آباد، وبنك دبي الإسلامي والمجلس الأعلى للمساجد فى رابطة العالم الإسلامي، والمجلس الأعلى للدعوة والإغاثة، ورابطة العالم الإسلامي، وغيرها…
وقد عرف عن الحجي أنه لا يتأخر عن دعوة يتلقاها من هذه المنظمات أو تلك للمشاركة في مناقشة هموم الأمة والتحديات التي تواجهها، كما أن بضاعته لا تقتصر على الكلام؛ فهو دائمًا يمتلك أجندة عملية، ربما مبعث ذلك طبيعته الخيرة وكونه يمتلك قرار مؤسستين خيريتين هما الهيئة واللجنة المشتركة أو لقبوله لدى الأوساط الرسمية والشعبية وسائر الجمعيات الخيرية في الكويت.
ترأس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية التي أسست في الكويت عام 1404هـ – 1984م، واختير بالإجماع رئيسًا لمجلس إدارتها منذ التأسيس حتى الآن، وهي تُعَد من كبرى الهيئات الخيرية فى العالم الإسلامي، وأمام كثرة اللجان والمؤسسات الخيرية وتنوعها في الكويت دعت الحاجة إلى تأسيس لجنة للتنسيق بين جهود هذه اللجان في ظل نظام أساسي أعد لها؛ فكانت اللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة التي أسست بتاريخ 19 سبتمبر 1987، واختير الحجي رئيسًا لها بإجماع رموز الكويت في الحقل الخيري.
القرضاوي أول الداعين للهيئة
وعَبْر جهود رئيسها احتلت الهيئة الخيرية مكانة متميزة في الكويت على المستويين الحكومي والشعبي، وهي عالمية التأسيس والإنفاق والتمويل؛ ولهذا تلقى الدعم المتواصل محليًّا وعربيًّا وإسلاميًّا، وفي هذا الصدد يقول الحجي: لقد احتضنت نخبة من مفكري وعلماء الأمة فكرة إنشاء هيئة خيرية عالمية بعد أن نادى الدكتور يوسف القرضاوي في مؤتمر للمصارف الإسلامية عقد على أرض الكويت بضرورة جمع مبلغ مليار دولار لدعم المسلمين ضد ثالوث الخطر: الفقر والجهل والمرض، من خلال هذه الهيئة، ردًّا على جمع النصارى للمبلغ نفسه في مؤتمر كلورادو الشهير للإنفاق على الأنشطة التنصيرية، ومن خصوصيتها أنها المؤسسة الخيرية الوحيدة في الكويت التي صدر بشأن تأسيسها مرسوم أميري (حمل رقم 64 – 1986).
وتقوم فكرة الهيئة على جمع التبرعات واستثمارها والإنفاق على المسلمين من عائد الاستثمار، ومنذ إنشائها بدأ نشاطها كما ينص نظامها الأساسي في مساعدة الفقراء ومحاربة الجهل المستشري بين كثير من أبناء المسلمين في العالم، والسعي إلى التخفيف عمن يتعرضون إلى النكبات الطارئة والكوارث المفاجئة، وتضم الهيئة عددًا من اللجان مثل لجنة “مسلمي آسيا” ولجنة “فلسطين الخيرية” ولجنة “ساعد أخاك المسلم” ذات النشاط النسائي، ولجنة “الشروق” التي تعنى بالشباب وطلاب العلم، وتلك اللجان تعمل في العديد من الدول الإسلامية مثل بنجلاديش والصومال والسودان ولبنان وفلسطين والهند ودول أفريقية وأوروبية كثيرة، ولها آلاف المشاريع الخيرية المتنوعة التي تديرها.
واللافت للنظر أن الهيئة حققت طفرة نوعية في مجال العمل الخيري المؤسسي التنموي، مدركة لطبيعة الواقع والصعوبات التي تواجه الدول الإسلامية الفقيرة، وقد غطت مشاريعها في المسار التنموي العالم الإسلامي وأماكن تواجد الأقليات المسلمة؛ فقد دشنت مئات المساجد والمراكز الإسلامية والآبار والمدارس والمشاريع الصحية المتنوعة، والمراكز المهنية والتعليمية، ومراكز تحفيظ القرآن، ودور رعاية الأيتام، وكفالة المدرسين والدعاة وأساتذة الجامعات.
واستطاع الشيخ الحجي ربط الهيئة مع عدة منظمات تابعة للأمم المتحدة مثل اليونسكو والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية لقطاع المجتمع المدني واتحاد المنظمات الأهلية العربية والهلال الأحمر والصليب الأحمر والمفوضية العليا للشؤون اللاجئين، وحصلت الهيئة بفضل جهوده وسياسته المدروسة على عضوية في منظمة الأمم المتحدة، هذا فضلا عن تنسيقها مع العديد من المنظمات الإقليمية مثل الأسيسكو، والمجلس الإسلامي للدعوة والإغاثة، وهو مثال للرجل المتطور غير التقليدي؛ حيث يعشق روح الإبداع والتطوير، والحرص على متابعة العمل الخيري على المستوى العالمي؛ ولذلك لم يكن غريبًا أن ينشأ بالهيئة مركزًا للدراسات والأبحاث الخيرية لرصد، ومتابعة كل جديد على ساحة العمل الخيري الذي أصبح له مدارسه وفنونه وأساليبه الخاصة.
إغاثة المنكوبين
وجاء تشكيل اللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة برئاسة الحجي على إثر رغبة من بيت الزكاة الكويتي بعد الفيضانات العارمة التي ضربت بنجلاديش فى أواخر الثمانينيات، وأسفرت عن تشريد أكثر من 30 مليون مسلم، وتدمير محاصيلهم الزراعية ومئات الآلاف من المساكن، وانتشار الأمراض والأوبئة والمجاعات التي كان طبيعيًّا أن ينتج عنها آلاف الوفيات؛ ولهذا تنادت آنذاك الهيئات والجمعيات الخيرية فى الكويت بشقيها الرسمي والشعبي بما تضم في عضويتها من وزارة الأوقاف والأمانة العامة للأوقاف وبيت الزكاة لدراسة الأمر والتنسيق فيما بينها لمواجهة الخطب وتقديم العون اللازم للمنكوبين من خلال العمل الجماعي المنظم والمشترك، وانبثق عن هذه اللجنة فرق عمل ولجان متخصصة مثل اللجنة الإعلامية واللجنة الطبية ولجنة المهندسين المتخصصة في إقامة البيوت.
وقد أدت اللجنة دورًا فاعلا في المناطق المنكوبة مثل البوسنة والهرسك والصومال ولبنان وبنجلاديش والسودان، وتجسد اللجنة نموذجًا متميزًا للعمل الخيري الإسلامي؛ حيث لا تتوانى عن نداء الأخوة الإسلامية والواجب الإنساني، وقد بدا ذلك في المساعدات السخية التي قدمتها للشعب العراقي أثناء الحرب الأنجلو – أمريكية على العراق بالتنسيق مع مركز العمليات الإنسانية التي أنشأته الكويت، وما زالت قوافلها الإغاثية والطبية والحاملة للأدوات التعليمية والحقائب المدرسية تتوالى على العراق، كما شهدت حالة من الاستنفار للجانها حين وصلتها أنباء عن الفيضانات التي ضربت السودان مؤخرًا، فخصصت 100 ألف دولار دفعة مبدئية لإغاثة المنكوبين، وأوفدت مندوبًا عنها لتقدير حجم الأضرار والخسائر على أرض الواقع؛ لاستمرار دورها في تخفيف المعاناة التي لحقت بالسودانيين.