صلاح أبو سيف من أبرز المخرجين الرواد الذين أرسوا قواعد وتقاليد للسينما المصرية منذ البدايات الأولى، واشتهر بأفلامه الواقعية، وأصبحت أفلامه تمثل مدرسة سينمائية، لها مناهج وملامح ومراحل واختبارات، حتى أنه استحق بجدارة لقب أبو الواقعية في السينما المصرية.
نشائة صلاح أبو سيف
ولد المخرج الكبير صلاح ابوسيف في 10 مايو عام 1915م في حي بولاق بالقاهرة، وعمل في شركة النسيج بمدينة المحلة الكبرى وفي نفس الوقت عمل بالصحافة الفنية ثم انكب على دراسة فروع السينما المختلفة والعلوم المتعلقة بها مثل الموسيقى وعلم النفس والمنطق وهناك في المحلة التقى بالمخرج نيازي مصطفى الذي ساعده في الانتقال إلى أستوديو مصر في عام 1936م.
اعمال صلاح أبو سيف
بدأ صلاح أبو سيف العمل بالمونتاج في أستوديو مصر، وأصبح رئيساً لقسم المونتاج بالأستوديو لمدة عشر سنوات حيث تتلمذ على يده الكثيرون في فن المونتاج، وفي بداية عام 1939م وقبل سفره إلى فرنسا لدراسة السينما عمل صلاح أبو سيف كمساعد أول للمخرج كمال سليم في فيلم “العزيمة” والذي يعتبر الفيلم الواقعي الأول في السينما المصرية.
وفي أواخر عام 1939م عاد أبو سيف من فرنسا بسبب الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1946م قام بتجربته الأولى في الإخراج السينمائي الروائي وكان هذا الفيلم هو “دايماً في قلبي” المقتبس عن الفيلم الأجنبي جسر واترلو, و كان من بطولة عقيلة راتب وعماد حمدي و دولت أبيض.
وفي عام 1950م عندما عاد صلاح أبو سيف من إيطاليا حيث كان يخرج النسخة العربية من فيلم “الصقر” بطولة عماد حمدي و سامية جمال و فريد شوقي كان قد تأثر بتيار الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية وأصر على أن يخوض هذه التجربة من خلال السينما المصرية.
وكانت الواقعية عند صلاح أبو سيف تعني أن ترى الواقع وأن تنفذ ببصرك وبصيرتك في أعماقه وأن تدرك وتعي جذور الظاهرة، لا أن تكتفي برصد ملامحها فقط، وهذا بالضبط ما جسده في أفلامه الكثيرة والمهمة مثل “ريا وسكينة”، “الفتوة”، “شباب امرأة”، “بداية ونهاية”، “القاهرة 30″، “الزوجة الثانية”، “السقا مات”، “البداية”.
وقد نجحت هذه الأفلام في فرض مناخ حميم أكده حنانه وقلقه وتعامله الحسي الصادق مع آلة التصوير التي جال بها في الشوارع وفي الحارات الشعبية في مواضيع مستمدة من واقع الحياة المصرية والعربية ومشكلاتها فأثراها بالبعد الإنساني بأسلوب فني لا يتحقق في الاستوديوهات المغلقة، وأصبح صلاح ابوسيف رئيسا لمجلس إدارة أول شركة إنتاج سينمائي في مصر، وأستاذاً في المعهد العالي للسينما، وعميداً لمعهد السيناريو في القاهرة.
ويمثل أبو سيف مرحلة مهمة في تاريخ السينما العربية عامة بأفلامه ذات المواضيع المختلفة، ففي فيلم “الوسادة الخالية” الذي أخرجه عام 1957م يصور سعادة مستحيلة في إطار رومانسي راقٍ، مما يجعل هذا الفيلم من أكثر أفلامه رقة وجماهيرية، وفي فيلمه “الفتوة” يبرع في التقاط مناخات السوق الشعبية وصراعاتها المحتدمة مصوراً، بطريقة قريبة من الملحمية، شخصيات تسعى لتجاوز الضيق الذي يطوقها.
وتبدو علاقة أبو سيف مع الريف في فيلم “الزوجة الثانية” الذي أخرجه عام 1967م مختلفة عن الأفلام التي اتخذت الأجواء الريفية مسرحاً لأحداثها، ففي هذا الفيلم يصبح الموضوع وثيق الصلة بقضية الفلاح والصراع الطبقي فضلاً عن روح المرح والسخرية اللتين غلّفتا البناء السينمائي الذي يتناول فيه القهر الإنساني ساعياً إلى تقديم صورة واقعية صادقة لما يعانيه الريف المصري من بؤس وتخلّف وإهمال.
ويتناول فيلم “أنا حرّة” الذي أخرجه في عام 1959م موضوع المرأة ونضالها لإثبات وجودها في عالم تكبله القيود والتقاليد الموروثة في صراعها الحضاري ليقدم مقولة واقعية حارة وُصفت بجرأتها حين عرض الفيلم أول مرة، وتنطبق هذه المقولة أيضاً على فيلم “البداية” عام 1986م الذي اختار لـه درب الضحك للتعبير عن صراعات الديمقراطية والدكتاتورية، في القصة التي تدور حول هبوط طائرة ركاب اضطرارياً وسط الصحراء وعلى متنها حفنة من الرجال والنساء وطفل في مغامرة طريفة تضج بروح المرح والنقد اللاذعين.
وبلغ مجموع الأفلام التي أخرجها صلاح ابوسيف طوال مسيرته أربعين فيلماً نال عليها جوائز وأوسمة كثيرة في مهرجانات عربية ودولية، وفي 22 يونيو من عام 1996م توفي المخرج الكبير إثر إصابته بمرض عضال عن عمر ناهز 81 عاماً.
رحل أبوسيف عن عالمنا عام 1996،