ما بعد الصدمة باستخدام حركات العين !
قد يبتسم البعض ساخرا عندما يسمع عن علاج ضحايا الاغتصاب والكوارث والاعتداءات بأسلوب جديد يعتمد علي حركة العين.. ولكن هذه الطريقة الجديدة في رفع المعاناة عن المرضي والمسماة ‘إبطال الإحساس وإعادة العلاج بحركات العين’ حققت نتائج مذهلة وسريعة حتى ان بعض علماء النفس ومراكز علاج ضحايا العنف يقسمون بتأثيرها السحري.
يقول ‘جيرار لوبيز’ مدير معهد علم الضحايا في باريس ان هناك حالة تعرف باسم ‘توتر ما بعد الصدمة’ تصيب أي ضحية تعرضت لكارثة سواء علي المستوي العام أو الخاص وواجهت الموت في موقف ما. ومن هؤلاء الذين تعرضوا للعنف أو لاعتداء أو لسوء معاملة الأهل أو للتحرش الأخلاقي أو الجنسي أو لكوارث طبيعية أو حوادث منزلية أو علي الطريق أو حتى لحوادث اغتصاب.
هذه النوعية من المرضي يعالجها البروفيسور ‘لوبيز’ مع اثني عشر متخصصا في إسعاف الطوارئ النفسي ويصل عددها إلي حوالي 7 آلاف شخص سنويا ويعتمد المعهد علي مجموعة من الطرق المشتقة من العلاج السلوكي والتنويم المغناطيسي. وأكثر هذه الطرق نجاحا من حيث النتائج طريقة ‘إبطال الإحساس وإعادة العلاج بحركات العين’ EMDR ورغم غرابة الاسم إلا أنه أسلوب غير عادي يمكنه شفاء صبي تعرض للاعتداء من أثر الصدمة خلال ثلاث جلسات فقط. ويمكن لشخص بالغ يتصرف بشكل سلبي ويتسم بسلوك غير طبيعي أن يبرأ من علته ما بين خمس إلي عشر جلسات. وينصح بهذه الطريقة العلاجية لمواجهة العديد من الاضطرابات النفسية والسلوكية.. فحوالي 10 % فقط من الأشخاص الذين تعرضوا لكارثة ما تظهر لديهم بوضوح أعراض حالة ‘توتر ما بعد الصدمة’ في حين ان 50 % منهم يعانون من اكتئاب حاد ويعاني 25 % منهم من القلق و15 % منهم من الاضطرابات الهضمية والإدمان. وهؤلاء لا يربطون في البداية بين حالاتهم والحدث المأساوي الذي دمر حالتهم النفسية.
ويوضح عالم النفس الأمريكي ‘فرانسين شابيرو’ والذي اكتشف بمحض الصدفة أثر حركات العين المنظمة والتي تتحرك بإيقاع معين علي إعادة ترتيب الذكريات المؤلمة كيفية عمل هذا الأسلوب فيقول انه يساعد المريض علي الاندماج مع الذكري المؤلمة وإعادة تخيل الحدث والشعور الذي عايشه في هذه اللحظات. وعملية ‘الهضم الطبيعي’ للذكريات واستيعابها تحدث أثناء معايشة الحدث في الحاضر ولكن كيف يتأثر المخ بطريقة EMDR.. يقول د.ديفيد سرفان شرايبر ان الذكري المؤلمة تكون بمثابة باقة من المعلومات المعزولة داخل المخ العاطفي الذي يحتوي علي كل التأثير السيئ للحدث المأساوي ‘الصور، الأصوات، الروائح، الكلمات التي صدرت أثناءه وحتي رؤية الشخص لنفسه في هذه اللحظة’ ‘كأن يري نفسه جبانا أو عاجزا.. الخ’ هذا المخزون بأكمله والذي حبسه الشخص الضحية داخل وعاء مغلق يعود الذاكرة في كل مرة يحدث شيء بسيط يذكر الضحية بأحد جوانب المأساة.. علي سبيل المثال فإن سيدة تعرضت للاغتصاب علي يد شخص يرتدي نظارة سوداء تنهار داخليا في كل مرة تقابل رجلا يرتدي نظارة سوداء في الطريق.. وهنا تعايش الضحية جسديا جميع الانفعالات والأفكار التي تعرضت لها بعد الصدمة وتصدر نفس الحكم السلبي علي نفسها.
وخلال جلسة العلاج يتم استثارة الشخص وكأنها عملية ‘تسخين’ لوعاء الذكريات وذلك عن طريق أسلوب تمهيدي لرصد الجوانب الانفعالية للصدمة.. ثم يقوم الطبيب المعالج بعمل حركة فجائية حتى يتبعها المريض الراقد علي الفراش بعينيه مع التركيز علي إحساس معين أو صورة معينة. وتثير هذه الحركة الحواس التي توطد صلة المريض بالحاضر. والمهم كما يقول د.شرايبر ان تكون احدي قدمي المريض في الحاضر من خلال حواسه والقدم الأخرى في الماضي من خلال إعادة تذكر الانفعالات.
وهذا الوضع يولد حالة تسمي ‘تجربة العقل الكامل’ وتعني إحياء الوعي أو مضاعفة الانتباه تماما كما يحدث في التأمل.. وهو أسلوب قديم جدا قام الباحثون بجامعة كمبريدج بدراسة تأثيره علي الإنسان…وبعد دقيقة واحدة من التجربة يتوقف المريض ويبدأ في التعبير لغويا عما ظهر في خياله وهو يقوم بحركات العين. وتتم إعادة التجربة مع مجموعة من الحركات. فيبدأ المخ في محو الصدمات الحديثة قبل القديمة وهكذا تدريجيا حتى يصبح ‘نظيفا’ تماما من أي آثار سلبية.. ويري علماء النفس المريض الذي يعايش تجربة التخلص من الصدمة وكأنه داخل قطار يتابع حياته تمر أمامه كشريط سينمائي. ويصحبه الطبيب المعالج من الخارج ليتأكد من عدم زيادة سرعة القطار أو توقفه.. لان المريض يغوص بشدة في انفعالاته ولابد أن يخرج منها دون ألم أو توتر.. وهذا يتوقف علي مهارة الطبيب المعالج.