قصة “عنان الجلالي”, هي قصه شبيهة بقصص الأساطير, هى قصة بدأت بفشل ولكن هذا الفشل أدى على نجاحات, هى قصة صبر وتضحية ووصولاً إلى القمة, من طالب راسب في الثانوية العامة بمصر.. ووصولاً إلى أحد أهم رجال الأعمال العرب فى الدنمارك, من مجرد عامل بيسط يغسل الأطباق, إلى القمة فى مجال الفنادق ليصبح اليوم مالك سلسلة فنادق “هلنان” العالمية.
وبالرغم من أن هناك العديد من الناس يربطون النجاح في إقامة مشاريع ناجحة بضرورة توفر رأس المال والحصول على شهادات جامعية في إدارة الأعمال، إلا أنه يوجد العديد من الأمثلة على وجود العديد من رواد الأعمال تمكنوا من تحدي الفقر وضعف التعليم والافتقار للخبرة وحققوا النجاح. وعنان الجلالى أكبر مثال على ذلك.
ولد عنان الجلالي في القاهرة عاصمة مصر ونشأ في أحد ضواحيها وهي منطقة هليوبوليس، وكان والده ضابطاً في الجيش المصري. تسبب انشغال والده بعمله ودراساته العليا في كره عنان للدراسة والكتب فرسب في الثانوية العامة عدة مرات، وشعر بسبب فشله الدراسي بأنه غريب بين أهله وأصدقائه في مصر، فكان الحل من وجهة نظره هو السفر للخارج ليكون غريباً بحق في بلاد أجنبية.
حيث تحول عنان من تلميذ راسب فى الثانوية العامة بمصر وعامل لغسيل الصحون فى دولة الدنمارك إلى أحد أشهر رجال الأعمال العرب فى الدنمارك والعالم وصديق لملوك ورؤساء دول العالم. أحب الألقاب وأقربها إلى قلبه وعقله لقب “راسب الثانوية العامة”.!
من يصدق أن راسب الثانوية يصبح لقباً محبباً إلى قلب وعقل إنسان حقق النجاح الذي يكاد يكون متكامل من وجهة نظر الجميع رغم أنه يكره كلمات النجاح والفشل والحظ.. ثلاث كلمات يكرهها عنان ولايحب استخدامها فكلمة حظ تعنى التواكل وانتظار ما تأتى به الأيام، كلمة نجاح تؤدى إلى الغرور والتعالى ويظن الإنسان الناجح أنه أفضل من غيره وكلمة فاشل تعنى الإحباط.
خاض عنان تجارب مريرة فى الغرب تناول طعامه من صناديق القمامة وكان يبحث عن مكان ليقيم فيه فكان يقضى ليلته فى صناديق التليفونات “الكابينة” حتى الصباح وهذا ما دفعه للعمل بمجال الفنادق لتوفير وجبة طعام.
من رسوبه المتكرر فى الثانوية العامة وهو ما شكل لديه شعورا بالغربة داخل أسرته التي يقودها ضابط كبير فى الجيش المصري. ولاتعترف بالرسوب وهو بطبيعته, كان من أبناء حى هليوبوليس بمصر الجديدة. ووالده ضابط بالقوات المسلحة ولم يكن الأب بالطبع متفرغا للأسرة لانشغاله الدائم كان عنان لا يحب الكتب ولا القراءة فتكرر رسوبه بالثانوية العامة ومع فقدان الأمل فى الحصول على الثانوية العامة شعر بالغربة بين أهله وزملائه فهوليس مثلهم وقرر أن يبتعد وسافر للخارج فى مركب سياحى فى رحلة كانت تطوف الموانئ لمدة أيام كان معه حينئذ 10 جنيهات أسترلينى تعادل 10 دولارات فقط لا غير، توقفت السفينة السياحية فى بيروت ثم إيطاليا وغادرت إيطاليا إلى النمسا لأعيش فى فيينا وأعمل فى بيع الجرائد، كان ذلك فى عام 1967، حيث كان رسوبه فى الثانوية العامة متزامنا مع الهزيمة وشعر بالغربة خارج البلاد بعيدًا عن الأهل والمعارف ورغم قسوتها وعنفها إلا أنها كانت أهون من غربة الداخل بين الأهل والأسرة.
وفوجئ أثناء وجوده بالنمسا بأن السفير المصري هناك يستدعيه بناء على طلب من والده الذي كان يعرفه وقرر عنان أن يغادر النمسا ليواصل رحلة الاعتماد على النفس وجمع مدخراته القليلة التي جمعها من بيع الجرائد وتوفير ثمن الطعام والمبيت، حيث كان يقيم فى أحد بيوت الشباب. ولكنه غادر فيينا إلى الدنمارك هروبا من وصاية والده ليبدأ رحلة غربة جديدة بالدنمارك.
الهروب إلى الدنمارك
كانت الحياة فى بدايتها أكثر من قاسية كان كما قال يبحث عن مكان يقضى فيه الليل ويبيت فيه, كان الطعام بالنسبة له مشكلة حقيقية كان يعمل فى غسيل الصحون مقابل وجبة طعام يوميا لم تكن تسد رمقه فكان يعتمد على بقايا الأطعمة فى الأطباق. وكان فى نهاية اليوم يذهب ليتدرب فى أحد الفنادق على العمل دون مقابل يرتدى بدلة ويتدرب على العمل الإداري ونظرًا لأنه كان يبذل جهدًا خارقًا لم يكن يستطيع الالتزام بمواعيد العمل الصباحى فتم الاستغناء عن خدماته التي كانت بلا مقابل سوى الطعام وندم كثيرًا على فقدانه العمل الذي كان يحصل منه على وجبة طعام واحدة فقط ولكن القدر كان يخبئ له الكثير، تعلم أكثر من مهنة غسيل الصحون وأصبح هذا “الغبى” الذي يعرفه به الجميع فى أوروبا والدنمارك غاسل الصحون الذي أصبح مليارديرا.
غاسل الصحون
لم يخجل إطلاقا من لقب غاسل الصحون الذي التصق به وهو اللقب الذي يطلقه عليّ الإعلاميين سواء من الصحف أو التليفزيون حتى إن البعض فى أوروبا كان يريد إنتاج مسلسل عن حياته تحت اسم غاسل الصحون ولكنه رفض, نعم رفض لأنه سألهم من أين أتيتم بالمعلومات عن قصة حياتى قالوا مما نشر فى الصحف والإعلام، قال لهم أنتم لا تعرفون إلا القليل مماعانيته فى حياتى،انتظر حتى أكتب قصة حياتى كاملة فى كتاب، فما فى حياتى من أبعاد نفسية وقصص وأحاسيس لا يمكن لأحد أن يصفها مثلما سأصفها أنا ومثلما شعرت بها.
الهروب من النمسا!
وبسبب اتصالات والده بالسفير المصري في النمسا لكي يراعيه، قرر عنان السفر مرة أخرى بعيداً عن النمسا لكي يتمم استقلاله بنفسه، فاشترى بالمال الذي ادخره من بيع الجرائد تذكرة سفر إلى الدنمارك، ووصل إلى هذه الدولة بدون أي مقومات للحياة، فكان ينام أحيانا بما تبقى لديه من نقود في بيوت الشباب وأحيانا أخرى ينام في صناديق التليفونات، وحينما لم يجد في كوبنهاغن أي فرصة عمل ذهب إلى أقرب مدينة وهي مدينة أودينسا وفيها أصبح هدفه أن يجد عملا بأي وسيلة وبأي ثمن. فكان قوت يومه في هذه الفترة هو صناديق القمامة.
وبسبب إصراره وتصميمه على العمل حصل على وظيفة للعمل طول النهار في مقابل وجبة طعام فقط لا غير. وكان شعاره أنه سافر للخارج لكي يبني مستقبلا جديداً لا لكي يكون جزءاً من مشكلة، فكان يعمل صباحا مقابل وجبة طعام، ثم يعود عصراً ليرتدي بدلة ويعمل بدون مقابل كمتدرب في الوظيفة التي يريد أن يرتقي إليها، ثم يحصل على الوظيفة بعد أشهر من التدريب المجاني لإتقانه إياها. وتحول هدفه من مجرد الحصول على وجبة طعام وسرير لكي ينام فيه، إلى الحصول على الاحترام والخبرة. فوصل إلى منصب مدير أحد أكبر فنادق الدرجة الأولى بالدنمارك وهو في منتصف العشرينيات ثم إلى رئيس أكبر سلسة فنادق دنمركية وهو في الثلاثين من عمره. وواصل جهده حتى أسس شركته الخاصة فنادق هلنان العالمية والتي استوحى اسمها (هل) من (هليوبوليس) مكان مولده الأصلي بمصر لاعتزازه بها و(نان) من اسمه (عنان).