ليس كل البشر ملاك شركات تقتل البشر بالسموم وتلوث البيئة بالكيماويات ليربحوا هم. ليس كل البشر كذلك يا سادة، فلا زال هناك أناس تحركهم دوافع الرحمة والرأفة التي تملأ جوانحهم تجاه كل ضعيف ومحروم ومضطهد، فتندفع جوارحهم لفعل ما يستطيعون للتخفيف من تلك الآلام.
الشابة الأمريكية ماجي دوين Maggie Doyne التي تبلغ من العمر حاليا 32 عاما، هي واحدة من هؤلاء البشر الاستثنائيين. محبة للخير، حركتها دوافع الرحمة والرأفة بأطفال أيتام يضطرون للعمل الشاق من أجل كسب أقواتهم، وعندما أدركت أن هناك الملايين من الأطفال في العالم يعانون نفس المعاناة قررت أن تتحرك وتبدأ بدعم ولو طفلة واحدة منهن عندما كانت هي شابة يافعة تبلغ من العمر تسعة عشر عاما، لكن الأمور تطور فقامت ببناء بيت للأطفال، ومدرسة ومركزاً نسائياً ومشروعات أخرى كثيرة في سورخيت Surkhet، بنيبال في رحلة امتدت اليوم إلى 13 عاما. فحصلت على جائزة السي إن إن لأبطال العمل الخ يري في عام 2015، فضلا عن جوائز وتكريمات أخرى.
ولدت ماجي عام 1986، ونشأت مع والديها وأختيها في ولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة، واعتادت العمل كجليسة أطفال منذ أن كان عمرها 12 عاما، وادخار ما تكسبه. وبعد أن أنهت دراستها الثانوية حصلت على سنة إجازة بين المراحل الدراسية في عام 2005، للسفر مع منظمة LeapNow خلال تلك الرحلة، أمضت بعض الوقت في العمل التطوعي في منزل للأطفال في شمال الهند، وأثناء وجودها هناك، أصبحت صديقة للاجئة من نيبال وخلال وقف إطلاق النار في الحرب الأهلية النيبالية، ذهبت معها لزيارة قريتها.
وفي نيبال، التقت ماجي بالطفلة “هيما Hema ” البالغة من العمر ست سنوات، والتي كانت بالكاد تعيش على الروبيات القليلة التي تحصل عليها عن طريق كسر الحجارة في مجرى النهر الجاف وبيعها. ساعدت ماجي هيما على الذهاب إلى المدرسة، ودفع رسوم تعليمها، وزيها المدرسي، وكتبها، وحينئذ قررت استخدام مبلغ 5000 دولار كانت قد ادخرته من مجالسة الأطفال كي تستطيع مساعدة المزيد من الأطفال، واتصلت بوالديها في المنزل لإرسال الأموال إليها. ومن خلال أموالها الخاصة، والمزيد من الأموال من الداعمين في جميع أنحاء العالم، اشترت ماجي أرضا في وادي كوبيلا. وانضمت إليها صديقتها توب مالا Top Malla، النيبالية التي التقت بها ماجي في الهند، كشريكة في المشروع. ويدير مشروعها في نيبال الآن مدرسة، ومنزل للأطفال، ومركز للنساء، ومنزل آمن للبنات.
على هذه الأرض التي اشترتها وبنت عليها مشروعاتها هذا أسست ماجي مؤسسة BlinkNow في عام 2007, وهي منظمة غير ربحية تحظى بمقر في الولايات المتحدة، فضلا عن مقر نيبال، وذلك بهدف توفير الدعم المالي والإشراف الإداري على المشروعات التي تشمل مدرسة، ومنزلًا للأطفال، ومركزاً للنساء، ومنزلًا آمناً للفتيات، وعيادة صحية مع التركيز على الاستدامة.
أما منزل الأطفال فقد كان أول مشروعات المؤسسة حيث تأسس في عام 2007، ليؤوي الأطفال الأيتام الذين كانوا يضطرون لممارسة أعمال شاقة لكسب أقواتهم، والذين كانوا هم الحافز الأول لماجي للبقاء في نيبال وفعل شيء يخفف من مأساتهم. وقد أصبحت ماجي، بشكل تدريجي، الوصي القانوني لأكثر من 45 طفلا من هؤلاء الأيتام. جنبا إلى جنب مع مساعدة مقدمي الرعاية النيباليين في داخل الدار، والذي تعيش فيه ماجي معهم لتقوم على رعايتهم بجانب من يساعدونها في المشروع من النيباليين.
أما المدرسة فقد افتتحتها ماجي بـ 220 طالباً عام 2010 لأنها لم تكن راضية عن التعليم الذي يتلقاه الأطفال الأيتام الذين يسكنون الدار التي بنتها، ورغبة منها في مساعدة أطفال آخرين في المجتمع، كثيرون منهم هم أول من يذهب إلى المدرسة في عائلاتهم. توفر المدرسة للطلاب الرعاية الصحية والطعام، وتوظف حوالي 50 نيبالياً، بما في ذلك المدرسون والموظفون ومدير المدرسة ونائبه ومسؤول الصحة والمستشار وفني الصحة.
المنهج الخاص بالمدرسة يكمل المناهج الوطنية النيبالية مع مزيد من تعليم الأدب والفن والمسرح والموسيقى والرياضة. ويتم تدريس الفصول الدراسية فيه باللغتين النيبالية والإنجليزية، مع التأكيد على التفكير الإبداعي والنقدي. وبدءاً من عام 2018، زاد عدد طلاب المدرسة إلى أكثر من 380 طفلاً.
وفي عام 2011، افتتحت ماجي عيادة Kopila Valley الصحية بالشراكة مع مدرسة Kopila Valley School . تركز هذه العيادة الصحية المجتمعية بشكل أساسي على التعليم والوقاية. حيث توفر الرعاية الأولية الأساسية، ورعاية الأسنان، وخدمات الصحة العقلية لأطفال وموظفي وادي كوبيلا، فضلا عن مجتمع سورخيت الأكبر.
أما مركز كوبيلا فالي للنساء فقد افتتح في عام 2013 لتقديم تعليم مهارات القراءة والكتابة والمهارات الأخرى لنساء سورخيت. ويدير مركز النساء أيضا محلا تجاريا، يعمل به بعض المتدربين السابقين، في سورخيت، يبيع السلع للمجتمع المحلي ويوفر الزي الرسمي لمدرسة وادي كوبيلا.
أما منزل الأخوات الكبريات في وادي كوبيلا Kopila Valley Big Sisters فقد افتتح في عام 2017 من أجل توفير بيئة آمنة لأكثر الطالبات الشابات المعرضات للخطر في مدرسة وادي كوبيلا.
ويقيم في المنزل 10 فتيات، وتقدم لهم مجموعة من الإرشادات والمحبة والدعم أثناء استعدادهم لإعادة الاندماج مع عائلاتهم البيولوجية أو الأوصياء.
وتعمل ماجي وفريقها حالياً لبناء مبنى دراسي جديد سيحل محل مبنى مدرسة وادي كوبيلا الحالي على الطريق. ويستخدم فريق من المهندسين والمهندسين المعماريين والمطورين والخبراء البيئيين تقنيات مستدامة وخضراء لبناء المدرسة. ستقام مدرسة وادي كوبيلا الجديدة على ما يقرب من ثلاثة أفدنة من الأراضي المشتراة على بعد كيلومترين حيث تعمل كمدرسة ما قبل التعليم الابتدائي، ومدرسة ابتدائية، ومدرسة ثانوية حتى الصف الثاني عشر، ومدرسة ما بعد المرحلة الثانوية، ومركز مهني. سيكون هناك 18 فصلا دراسياً لنحو 500 طالب. حاليا،ً يحتوي مقر المشروع التعليمي الجديد على مزرعة عاملة ومشتل فاكهة يقوم بتوفير المنتجات الغذائية لمدرسة ومنزل أطفال وادي كوبيلا.
هناك عشرات الآلاف، بل ربما الملايين من أمثال ماجي دوين، لكن أخبار القتلة وسفاكي ومصاصي الدماء تصرف الناس عن الالتفات لها ولأمثالها من البشر.
د. مجدي سعيد