(شوشي باكاريان).. فتاة سورية أرمنية المذهب, 22سنة. تحولت من مجرد لاجئة سورية, ثم عاملة بسيطة في مطعم ماكدونالدز للوجبات السريعة, إلى مخترعة في مجال الملاحة الجوية الكندية. تمكنت (شوشي) من ابتكار شاحن يستخدم منافذ هواء الطائرة لتزويد أجهزة الطائرة بالطاقة. قبل 5 أعوام، كانت “شوشي” برفقة أسرتها في لبنان بانتظار المجهول، بعد أن تركوا سوريا كـلاجئين، إذ كانت الأسرة تعيش سابقاً في مدينة حلب.
مرت الأشهر, وإذ بشوشي, تدرس هندسة الطيران في جامعة كونكورديا في مونتريال في كندا، وتعمل في كلتا شركتي Stratos و Bombardier Aerospace لصناعة الطائرات ومحاكاة الملاحة الجوية، وهذا لم يقف عائقاً أمام مشروعها في إنشاء جهاز توليد طاقة متجددة للطائرات.
عاشت شوشي في سوريا مع والدتها (آني) ووالدها (أنتارنيك) وأختها (ميجري)، إذ أنهت كلتا الأختين شهادتيهما الثانويّة خلال فترة الحرب الطاحنة التي عاشتها سوريا. حيث كانتا تدرسان والصواريخ تنهمر على حيّهما.
كانت مدرستهم على خط النار لذلك توجب عليهم أن يدرسا في روضة أطفال على مقاعد صغيرة لم تكن تسعهم، كانت (شوشي) دائماً ما تطلق نكاتاً حول هذا الأمر ولكن في الحقيقة الأمر ليس مضحكاً بل محزن.
الخروج من سوريا
ومع تدهور الوضع في سوريا سنة 2015, إلى الأسوأ، هنا أدركت الأسرة أنّ عليها الخروج من سوريا، وقد عبّرت شوشي عن ذلك بقولها: “عندما كنت في الصف العاشر؛ بدأت القنابل الثقيلة بالسقوط على مدينتنا، وفي الصف الحادي عشر كنا نعيش دون ماء ولا كهرباء ولا إنترنيت، وهنا بدأ بعض الناس بالهجرة ولكننا لم نكن نعلم كيف يمكننا الخروج من مدينة حلب، ولم نعلم مَن كان من الممكن أن يترصدنا ونحن في طريق الهروب ليختطفنا ويطلب فدية من أقربائنا وبمجرد ما إن بدأت الصواريخ تتهاطل، لم يكن بمقدور أحد أن يحدد من أين تأتي وأين ستسقط”.
كندا.. حيث الحياة الجديدة
كان العامل الرئيسي ونقطة التحوّل لانتقال الأسرة إلى لبنان هو المشاكل الصحيّة للأم والتي لم يجدوا لها حلول في سوريا، حيث أمضت الأسرة في لبنان حوالي السنة إلى أن شفيت الأم تماماً من أسقامها.
ولكن الفرص في لبنان لم تكن مناسبة جداً للعائلة وخاصة في مجالي التعليم والعمل، وفي تلك الفترة؛ كانت كندا قد فتحت أبوابها أمام اللاجئين السوريين، وفي نهاية سنة 2015 وصلت الأسرة الصغيرة إلى كندا، لتبدأ حياةً جديدة، رحلة جديدة بدأتها الأسرة بتعلم اللغة الفرنسية والبحث عن فرص عمل. وبالفعل وجدت (شوشي) عملاً بسيط في مطعم (ماكدونالدز) للوجبات السريعة، لكنه قادر على مساعدة أسرتها إلى أن يتمكن والدها من إيجاد عمل.
الالتحاق بالجامعة
في كندا التحقت (شوشي باكاريان) وأختها بجامعة (كونكورديا) في (مونتريال)، كانت (شوشي) لا تزال تعمل لمدة 30 ساعة أسبوعياً في (ماكدونالدز) وهي تدرس هندسة الطيران في نفس الوقت.
وهنا بدأ عبء العمل يثقل كاهلها، تقول: “كنت مرهقةً نفسياً وبدنياً وعقلياً، ولكنني الآن أعوض تلك المرحلة التي مررت بها فعائلتي الآن بخير ونعيش حياة أفضل”، أثناء دراستها وقعت (شوشي) في حب أنظمة الطيران ومصادر الطاقة المتجددة وأنظمتها.
رعاية البروفيسورة
أخذت (إربي هاماليان)، بروفيسورة في الجامعة، الأختين تحت جناحها عندما وجدت عندهما هذه الرغبة الكبيرة في التعلّم والإبداع في هذا المجال في عام 2016. قالت البروفيسورة لوسائل الإعلام: “كانتا تبدوان ضائعتين في بداية المطاف ولكن سرعان ما عادتا إلى الطريق الصحيح، تعلم كلا الفتاتين بالضبط ما تريدانه وهما موهوبتان بشكل لا يصدق، وتستطيعان التركيز بشكل جيد لتحقيق أهدافهما بمجرد وجود الإرادة، ليس في هذه الحياة الكثير مثلهن”.
بعدها وظفت (ناور كوهين)، مالكة شركة (ستراتوس) للطيران، (شوشي) بعد أن التقتها بأيام في برنامج توعية نسائية في مجالات الطيران، وهنا بدأت تعمل كمدربة على أجهزة محاكاة لطيران الشركة.
الاختراع المبهر
اليوم (شوشي باركيان) هي العقل المفكر والمدبر لاختراع أحد أجمل ابتكارات الملاحة الجوية، وقد حمل هذا الاختراع مُسمى Ventus، وهو شاحن ملحق بقوة 5 فولط لطائرات “سيسنا” يدير فتحات التهوية في الطائرات ويبرد الهواء عن طريق ضغطه.
ومن المحتمل أن يصبح هذا النموذج الأولي ضرورياً للطيارين الذين يعتمدون على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية لإدارة الحسابات والعمليات الجوية.
تحب (شوشي باركيان) الطاقة النظيفة والمتجددة كطاقة الشمس والرياح وغيرها، لذلك قامت بتطوير هذا الجهاز وإضافة فكرة الشاحن له، أمضت الصيف الماضي كله في التصميم والرسم والاختبار حتى نجحت الفكرة. تسعى إلى أن تصل تجربتها إلى جميع الفتيات حول العالم، ليعتبرن منها ولا يحدُدن من قدراتهن ويقصُرنها فقط على مهن مثل معلمة صف أو شيء من هذا القبيل.
تخص بهذا الكلام فتيات بلدها اللواتي لا يعلمن مدى سعة مجالات الحياة، تريد أن تصبح قدوةً يحتذين بها، وفعلاً أصبحت (شوشي باكاريان) قدوة للكثيرات حول العالم.
والعبرة التى علمتنا إياها (شوشي باركيان) أنه بغض النظر عن أي مكان جئت منه ومدى عذابك خلال فترات حياتك، إن وضعت هدفاً يمكنك تحقيقه فقط ابذل ما بوسعك من جهد.