شخصيات دينيةمبدعون

محمد دولي.. التاجر الذي أسس أول مسجد “مؤقت” في لندن عام 1895

في إطار رحلة استكشافه لتاريخ الإسلام والمسلمين في بريطانيا، اكتشف الباحث الدكتور مجدي سعيد اسم الحاج محمد دولي Mohammed Doulie or Dollie والذي يعتبره المؤرخون الآن أول من أسس مسجد في العاصمة البريطانية لندن، أواخر القرن التاسع عشر.

مسجد فضل

يقول الدكتور مجدي سعيد: يبدو أنني لم أكن الوحيد الذي “اكتشف” هذا الرجل الذي ربما تتوافر مصادر كثيرة متاحة عنه الآن، فقد سبق الجميع إلى ذلك اكتشاف موقع ذلك المسجد “عبد المالك تايلور“، وهو أحد المسلمين الجدد في بريطانيا، والذي يقول إنه عند قراءته لسيرة عبد الله كويليام، فوجئ بمعرفة أن مسجد يُعرف باسم مسجد “ريجنت بارك” كان افتتح عام 1895. ويبدو أن سبب المفاجأة هو أنه من المعروف تاريخيا – ووفقا لتقرير نشره موقع الجارديان البريطانية – فإن أول مسجد مسجل افتتح في لندن، يعرف باسم مسجد فضل Fazl Mosque كان قد افتتح في منطقة ساوثفيلدز عام 1926.

تساؤلات

وباعتبار أن عبد المالك هو أول بريطاني مسلم مؤهل للعمل كمرشد سياحي، فقد تساءل: أين يمكن أن يكون هذا المسجد؟ ومن الذي فتحه وماذا حدث للمؤسس؟ وماذا كانت نشاطات ذلك المسجد؟ وكما يقول فقد أثارت تلك الأسئلة فضوله للكشف عن ذلك المسجد الفيكتوري في لندن، وعن حياة مؤسسه الحاج محمد دولي الذي وافته المنية في عام 1906.

محمد دولي.. التاجر الذي أسس أول مسجد "مؤقت" في لندن عام 1895
محمد دولي.. التاجر الذي أسس أول مسجد “مؤقت” في لندن عام 1895

مولد محمد دولي

وكما يشير المصدر فقد كان الحاج محمد دولي ابنا لأب اسكتلندي وأم من الملايو، ولد في كيب تاون بجنوب إفريقيا عام 1846، وقد سبق له افتتاح أول مسجد “حنفي” في كيب تاون مع هولندي اعتنق الإسلام في ثمانينيات القرن التاسع عشر.

وقد وصل “محمد دولي” إلى لندن في حوالي عام 1895، وأقام في شارع ألبرت مع ولديه حيث كان من الصعب عليهم الدراسة في جنوب إفريقيا في ذلك الوقت.

وقد طُلب من محمد دولي – باعتباره حافظا للقرآن – من قبل الجالية المسلمة في لندن الذين كان عددهم يتراوح ما بين 200 و300، أن يعلم أطفالهم القرآن، وقد وافق دولي، ومنذ ذلك الحين قرر تحويل غرفة الرسم الخاصة به إلى مسجد.

ومن ذلك المنزل – المسجد، كان “دولي” يغامر بالذهاب إلى مناطق مختلفة لأداء صلاة الجنازة. وداخل ذلك المسجد – البيت، كانت تقام صلاة منتظمة، بما في ذلك صلاة العيد حيث كان المصلون يرتدون زيهم الوطني، مما لفت انتباه الجيران.

محمد دولي.. التاجر الذي أسس أول مسجد "مؤقت" في لندن عام 1895
محمد دولي.. التاجر الذي أسس أول مسجد “مؤقت” في لندن عام 1895

محمد دولي والإرشاد الديني

ومن هناك كان يقدم إرشادًا دينيا ودعما للبيض الذين يتحولون إلى الإيمان، كما كانت تحدث الزيجات بين الأعراق هناك أيضا. ومن ثم فقد كانت تلك الغرفة – المسجد بمثابة مركز لأعضاء المجتمع المسلم في العصر الفيكتوري الذين كانوا يعقدون اجتماعات حول المخاوف التي يعتقدون أنها ذات أهمية مثل الشؤون داخل الدول الإسلامية بما في ذلك الإمبراطورية العثمانية، وغالبًا ما يقدمون دعوات لرئيس الدولة الإسلامية، السلطان عبد الحميد الثاني، ومن ثم فقد كان هذا المنزل المسجد مكانا تحدثوا فيه بصوت موحد.

محمد دولى والانتقال لوسط لندن

وفي حوالي عام 1899، انتقل دولي وعائلته إلى مكان آخر في وسط لندن وتحديدا للعنوان “189 طريق يوستون”، ومن ثم انتقل ذلك المنزل – المسجد إلى العنوان الجديد، وربما يكون محمد دولي قد قام بهذه الخطوة من أجل أن يكون قريبا من محطة يوستون (وهي من بين أكبر محطات القطارات في مدينة لندن) بما يسمح بالتنقل السهل للمسلمين الفيكتوريين الآخرين في ليفربول بما في ذلك ابنه عمر الذي أرسله دولي ليدرس في المعهد الإسلامي في ليفربول الذي أسسه عبد الله كويليام.

محمد دولي.. التاجر الذي أسس أول مسجد "مؤقت" في لندن عام 1895
محمد دولي.. التاجر الذي أسس أول مسجد “مؤقت” في لندن عام 1895

خلال فترة وجود المسجد بعد انتقاله للمكان الجديد، زاره أحد مراسلي الصحف، وقد أشار ذلك المراسل إلى مدى قلق “محمد دولي” بشأن المسلمين الأصغر سناً الذين يصلون إلى المملكة المتحدة وتغريهم رذائل المجتمع، وأنه بالنسبة لدولي، فإن إنشاء مسجد لهذا الغرض من شأنه أن يوفر حلا للشباب المسلم لتلقي التوجيه من كبار السن.

طرد محمد دولي

بعد ذلك، وبسبب نشاط محمد دولي في الكتابة للصحف دفاعا عن الدولة العثمانية – كما يذكر مقال آخر نشره الكاتب البريطاني المسلم يحيى بيرت، فقد تم طرد الحاج محمد دولي – والذي كان يعمل تاجرا قبل وبعد مجيئه إلى بريطانيا – من جمعية التجار ومن ثم لم يتمكن من العمل، ومن ثم بعث “دولي” عام 1899 برسالة من ثلاث صفحات إلى السلطان العثماني يطلب فيها أموالا لبناء مسجد. حيث إنه أصبح بلا موارد، وهو يتحمل نفقات تعليم أبنائه، وهي الرسالة التي نقال مقال يحيى بيرت صورتها ونصها، والذي يشير إلى أن أمنية “دولي” في بناء مسجد دائم بدلا من مساجده المؤقتة لم تتحقق في حياته.

وفاة محمد دولي

وكما يشير مقال تايلور فإن ما حدث بعد ذلك في حياته غير مكتمل كما يقول “تايلور”، فالمعلوم أنه عمل كصانع عربات في 1902 في منطقة شيبرد باش أرشيز Shepherd’s Bush Arches، ثم توفي في 18 فبراير 1906 في منزله الأخير في منطقة ويست إيلنج West Ealing عن عمر يناهز 60 عامًا. ودُفن في مقبرة “نيو ويلسدن” New Willesden في لندن.

النشاط الاجتماعي لـ محمد دولي

يزودنا مقال يحيى بيرت، والذي نشر عام 2020، ببعض المعلومات الإضافية عن حياة محمد دولي، حيث يقول إن دولي كان – في جنوب أفريقيا – طالبا للباحث العثماني أبو بكر أفندي (1814-80) والذي أرسلته المحكمة العثمانية إلى كيب تاون لتعليم الإسلام بناءً على طلب قصر باكنغهام. وإن دولي كان ناشطا مجتمعيا راسخا، حيث أسس مسجدين (وليس مسجدا واحدا فقط) في جنوب إفريقيا، وقد جاء إلى ليفربول في عام 1893 فيما يبدو لتعليم أطفاله في كلية كويليام الإسلامية (حيث برع ابنه عمر)، لكنه انتقل بعد ذلك إلى لندن في وقت ما في عام 1895.

وبعد انتقال “دولي” إلى لندن تولى محمد دولي دورا قياديا في العاصمة، حيث أصبح نائبا لرئيس جمعية أنجومان الإسلامية، كما أصبح مراسلا منتظمًا في لندن لصحيفة “ذا كريسنت” التي كان يصدرها كويليام.

تبقى المعلومات المتاحة عن حياة هذا الرجل في أطوار حياته في كل من جنوب أفريقيا وبريطانيا تحتاج إلى جلاء ومعلومات أكثر، ربما يوفرها كتاب عن حياته تتضافر فيه جهود الباحثين في كلا البلدين، فضلا عن الباحثين في الأرشيف العثماني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى