نقاط مضيئهمبدعون

جيف لوتون.. الفطرة التي جمعت بين الإيمان والطبيعة

جيف لوتون | عندما يحمل الإنسان في داخله نفسًا سوية متسقة مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، يصبح انسجامه مع الطبيعة أمرًا طبيعيًا، ويتحول انفتاح قلبه على الإيمان بالله إلى نتيجة منطقية لهذه الفطرة. هذه الحقيقة تجلت بوضوح في مسيرة جيف لوتون (Geoff Lawton)، أحد أبرز رواد الزراعة المعمرة (Permaculture) في العالم، الذي جسّد بفكره وعمله مفهوم العودة إلى الطبيعة والتعايش مع قوانينها الربانية، ليجد في الإسلام اكتمال هذا التوازن بين الإنسان والكون.

من هو جيف لوتون؟ بدايات الرحلة نحو الزراعة المعمرة

وُلد جيف لوتون في بريطانيا في 10 ديسمبر عام 1954، ثم انتقل إلى أستراليا حيث تتلمذ على يد رائد الزراعة المعمرة بيل موليسون (Bill Mollison)، مؤسس هذا العلم الحديث الذي يهدف إلى تصميم أنظمة زراعية متكاملة تحاكي الطبيعة وتعمل في تناغم معها.
في عام 1983، حصل جيف على شهادة تصميم الزراعة المعمرة (Permaculture Design Certificate – PDC)، لينطلق بعدها في مسيرة تعليمية وتطبيقية امتدت لأكثر من أربعة عقود، تنقّل خلالها بين أكثر من 50 دولة حول العالم، ناقلًا علمه إلى أكثر من 15 ألف متدرب.

الزراعة المعمرة كما يراها جيف لوتون: فلسفة للحياة

يصف جيف لوتون الزراعة المعمرة بأنها أكثر من مجرد طريقة للزراعة، بل هي أسلوب حياة متكامل، يقوم على الانسجام مع الطبيعة لا مقاومتها.
تعتمد هذه الفلسفة على تصميم بيئي مستدام، يدمج بين الزراعة والبناء وحصاد المياه والطاقة المتجددة، مع الحفاظ على ثلاثة مبادئ أخلاقية أساسية:

  1. رعاية الأرض.

  2. رعاية الإنسان.

  3. التقاسم العادل للموارد.

ومنذ عام 1985، كرّس جيف حياته لتدريس هذه المبادئ وتطبيقها، فأسس معهد أبحاث الزراعة المعمرة في أستراليا (Permaculture Research Institute – PRI)، الذي تحول لاحقًا إلى منارة عالمية لتعليم الزراعة المستدامة.

مشروع تخضير الصحراء.. نقطة تحول في حياة جيف لوتون

كانت تجربة جيف لوتون في الأردن، وتحديدًا في وادي رم عام 2000، نقطة تحول كبرى في حياته العلمية والروحية.
قاد هناك مشروعًا طموحًا بعنوان “تخضير الصحراء (Greening the Desert Project)”، أثبت من خلاله أن تقنيات الزراعة المعمرة قادرة على تحويل الصحارى القاحلة إلى واحات خضراء خصبة.

وخلال هذا المشروع حدثت تحولاته الأعمق:

إسلام جيف لوتون.. حين قادته الفطرة إلى الإيمان

بعد أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من حروب وغزو للعراق وأفغانستان، شعر جيف لوتون بنفور شديد من الخطاب الغربي المعادي للإسلام، خاصة عندما قال الرئيس الأمريكي آنذاك “من ليس معنا فهو مع الإرهاب”.
حينها قرر جيف أن يبحث بنفسه عن الحقيقة، فطلب من أحد زملائه المسلمين أن يصحبه إلى المسجد ليتعرف على الإسلام عن قرب.
كانت تلك الزيارة بداية رحلته نحو الإيمان، حيث نطق الشهادة، واختار لنفسه اسمًا جديدًا هو “جمال الدين”، مؤكدًا أن الإسلام منحه سلامًا داخليًا وتوازنًا روحيًا لم يعرفه من قبل.

الزواج والعمل المشترك.. جيف لوتون وزوجته نادية

في الأردن أيضًا تعرّف جيف لوتون على زوجته نادية، وهي فلسطينية تحمل الجنسية الأردنية، كانت من أوائل من حصلوا على شهادة الزراعة المعمرة عام 1999.
تشاركا الإيمان والرؤية، وتزوجا بعد إسلامه، لينتقلا معًا إلى أستراليا لتأسيس مشروعهما الأشهر مزرعة الزيتونة (Zaytuna Farm)، التي أصبحت فيما بعد نموذجًا حيًا للتناغم بين الإنسان والطبيعة.

جيف لوتون.. الفطرة التي جمعت بين الإيمان والطبيعة
جيف لوتون.. الفطرة التي جمعت بين الإيمان والطبيعة

مزرعة الزيتونة.. نموذج جيف لوتون للحياة المستدامة

تقع مزرعة الزيتونة في شمال ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية على مساحة 66 فدانًا.
حوّل جيف لوتون وزوجته هذه الأرض شبه القاحلة إلى جنة خضراء نابضة بالحياة، مكتفية ذاتيًا في كل تفاصيلها، من الغذاء والماء إلى الطاقة وإدارة النفايات.

تضم المزرعة:

  • أنظمة لحصاد وتنقية المياه طبيعيًا.

  • مشاريع لإعادة تدوير المياه الرمادية.

  • تقنيات لتحويل النفايات إلى سماد عضوي.

  • نظم لتربية الحيوانات والأسماك في توازن بيئي متكامل.

  • زراعة تعتمد على سبع طبقات بيئية متداخلة، تبدأ من الأشجار العملاقة وتنتهي بالأعشاب والخضروات.

ولأنها تحاكي النظام البيئي الطبيعي، أصبحت المزرعة موئلًا لأكثر من 110 نوع من الطيور، إلى جانب أنواع مختلفة من الضفادع والكائنات الصغيرة التي تشكل جزءًا من دورة الحياة فيها.

جيف لوتون وتلاميذه.. نشر العلم والفطرة

لم تتوقف جهود جيف لوتون عند حدود التعليم النظري، بل أسس مجتمعًا عالميًا من المتعلمين والناشطين في مجال الزراعة المعمرة.
من أبرز تلاميذه سام باركر ديفيز (Sam Parker Davies)، الذي صرّح بأن لوتون كان أكثر من معلم، بل كان قدوة روحية دفعته هو الآخر إلى اعتناق الإسلام، بعد أن وجد توافقًا عميقًا بين مبادئ الدين الحنيف وفلسفة الزراعة المعمرة.

جيف لوتون.. الفطرة التي جمعت بين الإيمان والطبيعة

قصة جيف لوتون ليست مجرد سيرة عالم زراعة أو مهندس بيئي، بل رحلة إنسان نحو الفطرة.
فمن خلال عمله في الأرض، أدرك جيف أن القوانين التي تحكم الطبيعة ليست سوى تجليات لحكمة الخالق، وأن العناية بالأرض والناس تتسق تمامًا مع جوهر الإسلام الذي يدعو إلى عمارة الأرض والإحسان إلى كل حي.

وهكذا اجتمع في مسيرته العلم والإيمان، الفطرة والعقل، الزراعة والإسلام، ليقدم للعالم نموذجًا ملهمًا لما يمكن أن تكون عليه الزراعة المعمرة حين تسكنها روح الإنسان المؤمن.

د/ مجدي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى