أن تشرب مياهاً نقية فهو أمر عادي، لكن أن تكون رخيصة التكلفة فهذا هو الهدف الصعب الذي حققه بالفعل فريقان بحثيان أحدهما من السعودية، والآخر من مصر، حاز كل منهما على براءة اختراع منفصلة على ابتكاره القيم، خاصة مع الحجم الضخم من مياه التحلية التي تستهلكها الدولتان، فمصر تحتل المركز الثاني كأكبر الدول العربية في تحلية المياه بعد السعودية بحصة مقدارها 200 مليون متر مكعب؛ وذلك وفقا لبيانات المؤتمر العربي للمياه 2008.
الفكرة المصرية رخيصة التكلفة رأت النور على يد فريق بحث بقسم موارد المياه بمركز بحوث الصحراء؛ لابتكاره أسلوبا جديدا لتحلية المياه باستخدام تقنية الضغط الأسموزي، وقام بتطوير أغشية للتحلية تقل تكلفة الواحد منها عن نصف دولار أمريكي (جنيهان مصريان)، وهو ما يساهم في تخفيض تكلفة تحلية المتر المكعب لأكثر من 90% من التكلفة الحالية، ويضع حدا لعجز المياه المتوقع أن يصل إلى 18 مليار متر مكعب بحلول عام 2015، وفقا لبيانات وزارة الري المصرية.
وعلى نفس المنوال كانت خطوة السعودية الجادة، والتي أتت نتيجة لتعاون بحثي مشترك مع شركة IBM الأمريكية، أثمر عن اختراع أغشية جديدة لتحلية المياه من الأملاح، وتنقيتها من المواد السامة بكفاءة وسرعة عالية؛ وذلك بالاعتماد على تقنية النانو تكنولوجي، وتطويعها لابتكار أغشية ضغط أسموزي.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أنه تم تسجيل حقوق الاختراع السعودي- الأمريكي باسم مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وشركة (IBM) الأمريكية، وتم الاتفاق بين الجهتين على الإعلان عنه في وقت واحد، في كل من السعودية والولايات المتحدة.
فكرة الأغشية السعودي تعد من أهم الاكتشافات في مجال تنقية وتحلية المياه؛ إذ بموجبها تمكن الفريق المشترك بين المدينة والشركة، من وضع مفهوم جديد للأغشية والمواد التي بإمكانها مقاومة الكلور، بالإضافة إلى فلترة المواد السامة بسهولة، وجودة أعلى، كما أنها لا تسمح بتراكم البكتيريا في المياه.
المخترعون أطلقوا على غشاء التحلية الجديد اسم “i – Phobe”؛ نظرا لتركيبته الكيميائية الفريدة من الهيدروفوبات المؤينة التي تمكنه من التغير الجذري عند مواجهته لظروف مختلفة؛ فيتحول إلى غشاء هيدروفيلي، كما أن كفاءة تمرير الماء من خلال الغشاء تتحول إلى كفاءة عالية في الظروف البسيطة؛ مما دفع المخترعين إلى تسميته أيضا بـ”الطريق السريع للماء”.
وعلق بوب ألين المسئول في مركز أبحاث (آي بي إم) بمدينة سان خوسيه بكاليفورنيا على هذا الاختراع بالقول: إن هذا البحث الذي أسفرت عنه نتائج واعدة سوف يضع الأساس لتطبيقات أكثر ذكاء وصحة تسهم في المحافظة على استمرار الكوكب، والنظام البيئي حاضرا للأجيال المقبلة.
ويهدف المركز الدولي المشترك بين المدينة وشركة آي بي إم للأبحاث في تطبيقات النانو إلى إيجاد الحلول التي تقلل تكلفة تحلية المياه؛ حيث يضم المركز عددا من الباحثين، من بينهم باحثة سعودية متخصصة في تقنية النانو.
أما عن الاختراع المصري لتحلية المياه، فقد استطاع الباحثون تخليق خمسة أنواع من الأغشية باستخدام عدد من الخامات المحلية مثل البوليمرات والمونميرات، والتي تشتق من النواتج الثانوية لبعض الصناعات، ويتم الحصول عليها بأسعار رخيصة جدا أو مجانا، وتسمى أغشية الضغط الأسموزي المنعكس؛ حيث تعتمد في طريقة عملها على ضخ المياه في أنبوب يحوي الأغشية، وبتعريضها للضغط فإن جزيئات المياه العذبة تنفصل وتحتجز الأملاح.
وأهم ما يميز هذه الأغشية عن غيرها من طرق تحلية المياه هي قابليتها للاستخدام على المستوى الصناعي، إلى جانب استخدامها في المحطات الضخمة التي تصل سعتها إلى 100 ألف متر مكعب. ويشترط فيها أن تزيد قدرتها على التحمل عن 80 بارا ضغطيا، وأن تحجز الأملاح بنسبة عالية في التحلية لا تقل عن 35%، ويهدف الباحثون أن تصل تكلفة تصنيع الغشاء ربع جنيه مصري في خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات.
ويؤكد د.مجدي حسني، المشرف على البحث وصاحب الفكرة، أنه على الرغم من وجود أبحاث لتصنيع هذه الأغشية، وتمكن بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والدنمارك، إلا أنهم اعتبروا طريقة التصنيع سرا؛ لذا فقد قرر الدكتور مع فريقه البحثي تقصير الفترة الزمنية وإنتاجها داخليا بلا تقليد، فعكف 15 عاما على إجراء الأبحاث حتى تمكن من إنجازها، خاصة مع ما تمر به مصر والمنطقة من وضع خطير بعد أن وصل نصيب الفرد من المياه إلى 815 مترا مكعبا، وهو تحت خط الفقر المائي المحدد دوليا بـ1000 متر مكعب للفرد.
ويضيف د.حسني أن فريق الباحثين المكون من عشرة باحثين يعكف حاليا على استخدام تكنولوجيا النانو لتصنيع مساحة تصل إلى متر ونصف متر من الأغشية، وهي تلك المستخدمة حاليا على المستوى الصناعي، لافتا إلى أن الأغشية التي تمكن الفريق من التوصل إليها مساحتها تصل إلى20سم2، ويتم استخدامها على المستوى نصف الصناعي وتصل تكلفتها لجنيهين بدلا من أربعة جنيهات، وهي التكلفة الحالية لهذه الأغشية في محطات التحلية.
ووفقا للأرقام التي أعلنتها وزارة الري والمؤتمر العربي الأخير للمياه، فإن العجز في المياه في مصر سيصل إلى 18 مليار متر مكعب بحلول عام 2015، وإلى 32 مليار متر مكعب بحلول عام 2030، ويتوقع الخبراء نشوب حرب على المياه، خاصة أن إسرائيل وصل نصيب الفرد من المياه فيها إلى 400 متر مكعب؛ مما سيدفعها لعمل أي شيء لسد هذا العجز من موارد المياه في مصر.
محمد السيد علي
المصدر: إسلام أون لاين