عالم جليل تخصص في الهندسة الوراثية، وحقق العديد من الإنجازات والاكتشافات التي خدمت بلاده وأمته، آمن بدور العلم في إسعاد الفقراء، وحل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم بالعلم الذي امتلك ناصيته، وهو أيضا الأديب والشاعر ذو الحس المرهف والأسلوب المميز، صاحب الدواوين والكتب التي وضع فيها عصارة فكره وخلاصة جهده في مجال الأدب والشعر، وهو أيضا الإنسان صاحب المواقف الوطنية والإنسانية المشرفة الذي عشق بيئته وانطلق منها إلى فضاء العلم إنه العالم المصري الدكتور أحمد مستجير الذي عرف نفسه قائلا “أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ وأستعذب التأمل في الآخر.. وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في الـ نحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة؛ فأنا مطمئن أرنو إلى القلق”
ولد الدكتور أحمد مستجير مصطفى في ديسمبر 1934م بمحافظة الدقهلية شمال مصر وهو احد علماء مصر الأفذاذ له العديد من الاكتشافات والإنجازات العلمية الكبيرة التي استحق عنها بجدارة لقب “أبو الهندسة الوراثية” حيث نبغ الدكتور مستجير في علم الهندسة الوراثية وكان يرى أن البيوتكنولوجيا من الممكن أن تستخدم لإسعاد الفقراء، وحل مشكلاتهم الاقتصادية فهي تتضمن زراعة الأنسجة ودمج الخلايا والهندسة الوراثية، وباستخدامها يمكن إنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير، فالبشر -من وجهة نظره- يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز، ومن هنا بدأ د.مستجير يفكر في استنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل الملوحة والجفاف من خلال التهجين الخضري مع الغاب وذلك بعد أن لاحظ في إحدى سفرياته على الطريق الصحراوي المؤدي إلى الإسكندرية كثافة الغاب والبوص في الملاحات ونموه برغم نسبة الملح المرتفعة، وقال مستجير في هذا الصدد : “إننا نتبنى حاليا التكنولوجيات التي تصلح لحل مشاكلنا الخاصة، فلو عرفنا الاستغلال الأمثل لمياه البحر في الري، لتمكنا من إنتاج أصناف من المحاصيل الزراعية التي تتحمل الملوحة والجفاف”وتبرز أهمية هذه التجربة بعد قيام الشركات الأمريكية بإنتاج بذور عقيمة صالحة للإنتاج، ولكنها لا تصلح للاستنبات مرة أخرى، وهو ما يحرم الفلاح من حقه الأزلي في الاحتفاظ بكمية البذور لزرعها في الموسم القادم، ويجعل الولايات المتحدة تتحكم في المستقبل الغذائي للبشرية، وقد أطلق مستجير على هذه البذور “بذور الشيطان” محذرا من خطرها على زراعتنا واقتصادنا، وكان من أحلام مستجير أيضا إثراء الفول البلدي بحامض الميثونين الأمينى لتقترب قيمته الغذائية من قيمة اللحم ، وأراد أيضا إدخال جين مقاومة فيروس الالتهاب الكبدي وهو المرض المنتشر في مصر إلى الموز، وغيرها من الأحلام التي كان هاجسها الوحيد فقراء هذا الوطن.
وللدكتور أحمد مستجير العديد من المؤلفات والكتب في الهندسة الوراثية منها مقدمة في علم تربية الحيوان، دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن، كتاب في التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة، وكتاب في النواحي التطبيقية في تحسين الحيوان والدواجن، والمشاكل الفلسفية للعلوم النووية، والربيع الصامت، صراع العلم والمجتمع، وصناعة الحياة، والتطور الحضاري الإنساني، وطبيعة الحياة، والبذور الكونية ، وهندسة الحياة، ولغة الجينات، والشفرة الوراثية للإنسان، الجينات والشعوب واللغات.
وإلي جانب نبوغه في العلم نبغ أيضا الدكتور مستجير في مجال الأدب فمنذ صغره وهو مولع بالشعر وقد قال في هذا الصدد ” في جوف كل عالم شاعر هو الذي يأخذه إلى طريق الأحلام والأوهام ليخلق منها علماً حقاً، لا علم بلا خيال، ولا شعر بلا خيال، وشطحات الشاعر هي نفسها شطحات العالم”.
وكانت بدايته مع الشعر عندما قرأ ديوانا شعريا للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور بعنوان “الملك لك” حينها كتب مستجير قصيدة شعرية بعنوان “غدا نلتقي” وطلب من صديقه أحمد محمود الذي كان يشجعه على كتابة الشعر مساعدته في مقابلة صلاح عبد الصبور باعتبار أن أحمد محمود صديق لعبد الصبور ، وعندما قرأ مستجير الشعر أمام الشاعر عبد الصبور أثنى الأخير على هذه القصيدة مما شجعه على الاستمرار في الكتابة وأصدر ديوانين هما “عزف ناي قديم” و”هل ترجع أسراب البط؟” أما في الأدب فمن أبرز جهوده كتاباته في عروض الشعر العربي وإيقاعاته الموسيقية ومنها كتابة “مدخل رياضي إلي عروض الشعر العربي وإيقاعاته”، الذي قدم فيه رؤية مختلفة في الموسيقى والشعر، من شأنها أن تبسط أمره لكل من يود معرفته، عوضا عن الطريقة التقليدية التي تعتمد على التفعيلات والتي تقوم على الذوق بصفة أساسية.
حصل أحمد مستجير على بكالوريوس الزراعة من جامعة القاهرة عام 1945م ثم ماجستير في تربية الدواجن عام 1958م ودبلوم وراثة الحيوان عام 1961م من جامعة أدنبره بإنجلترا وحصل على الدكتوراه من نفس الجامعة في وراثة العشائر عام 1963.
وعمل مدرسا بكلية الزراعة جامعة القاهرة عام 1946م ثم أستاذا مساعدا عام 1971 ثم أستاذا عام 1974م ثم عميدا للكلية من عام 1986م وحتى عام 1995م وأصبح متفرغا لها وكان مستجير عضوا لاثنتي عشرة هيئة وجمعية علمية وثقافية منها مجمع الخالدين والجمعية المصرية للعلوم الوراثية واتحاد الكتاب ولجنة المعجم العربي الزراعي ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، عضو الجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيواني ، عضو المجمع العلمي المصري، وكان مقررا لقطاع الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بالمجلس الأعلى للجامعات، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العلمية، عضو المجلس القومي للإنتاج، عضو المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي، عضو لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة، كما شارك في العديد من المؤتمرات العلمية والعالمية والعربية والمحلية.
أما عن أهم الجوائز التي حصل عليها فمنها جائزة الدولة التشجيعية للعلوم والزراعة عام 1974م ووسام في العلوم والفنون التطبيقية الأولى عام 1974م أيضا، كما حصل على جائزة أفضل كتاب علمي مترجم عام 1993م، وجائزة الإبداع العلمي عام 1995م، جائزة أفضل كتاب علمي عام 1996م، جائزة الدولة التقديرية لعلوم الزراعة عام 1996م، جائزة أفضل كتاب علمي لعام 1999م وجائزة أفضل عمل ثقافي عام 2000م وجائزة مبارك في العلوم والتكنولوجيا المتقدمة لعام 2001م.
وتوفي الدكتور أحمد مستجير بعد مسيرة حافلة بالعطاء في أحد مستشفيات فيينا بالنمسا في 16 أغسطس 2006 عن عمر يناهز 72 عاما وكما عاش إنسانا مهموما بمشكلات الناس والوطن مات أيضا إنسانا مهموما بمشكلات وقضايا الوطن وكيف لا وقد قال عنه كل من عرفوه “إنه كان شديد الوطنية والحب والعشق لمصر وللعروبة وللعلم” فلا عجب إذا أن يصاب الرجل بجلطة شديدة وهو يشاهد المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان ضد الأطفال والمدنيين، لتكتب نهاية رحلة مليئة بحب الناس وحب العلم وحب الأدب، ولكن ترحل الأجساد وتبقى الآثار شاهدة على عظمة الرجال.