في إطار سعي أوروبا لزيادة اعتمادها على الطاقة المتجددة بدلا من النفط، وقعت 12 شركة أوروبية، معظمها ألمانية، الإثنين، اتفاقا أوليا مع عدد من البلدان العربية والإفريقية لإطلاق مشروع عملاق يتضمن بناء شبكة محطات توليد الطاقة الشمسية لتزويد القارة البيضاء بالطاقة النظيفة.
ومن المتوقع أن يغطي المشروع الذي تبلغ تكلفته 400 مليار يورو (560 مليار دولار) 15% من احتياجات أوروبا من الطاقة في عام 2050، وسيكون نصيب الدول العربية المشاركة من الطاقة كبيرا لتلبية احتياجاتها من الطاقة، غير أن خبيرا ألمانيا في الطاقة الشمسية وصف هذا المشروع بأنه “سراب”.
ويتضمن المشروع بناء شبكة ضخمة لمحطات توليد الطاقة الشمسية، موزعة من السعودية حتى المغرب، ومتصلة بأوروبا عبر كابلات كهربائية تحت البحر الأبيض المتوسط.
ومن المخطط أن يساهم المشروع أيضا في تحويل مياه البحر إلى مياه صالحة للشرب ومياه ري تستفيد منها الدول المنتجة للطاقة الشمسية.
وقال نيكولاس فون بومهارد رئيس شركة “ميونخ ري” لإعادة التأمين المساهمة في المشروع، في أعقاب التوقيع على البروتوكول بمدينة ميونخ الألمانية: “اليوم اتخذنا خطوة للأمام” نحو تحقيق المشروع.
لكن مسائل عديدة ما زالت بحاجة لحل مثل أماكن إقامة هذه المحطات بدقة، وموعد تشغيلها، وكلفة الإنتاج، والفائدة التي ستجنيها منها البلدان الإفريقية والعربية، وكيفية نجاة المشروع من انعكاسات حالة عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول المشاركة.
ولم يعط الموقعون على الاتفاق أي جواب واضح في هذا الصدد، بينما تذرع مسئولو “ديزيرتيك” بأن العمل يقع الآن على عاتق مكتب الدراسات لإعطاء الأجوبة، ودافعوا في الوقت نفسه عن إمكانية تنفيذ المشروع الذي أحيط بضجة إعلامية كبيرة.
ولم يزد تورستن يفوريك، العضو في مجلس إدارة ميونيخ ري، عن أن وعد “بتعاون نزيه وعادل وعلى قدم المساواة مع الدول المنتجة”، وقلل من شأن المخاطر “الإرهابية” الممكن أن يتعرض لها المشروع، وربط تفاؤله بما يمكن أن تقدمه “ديزيرتيك” للبلدان المنتجة للطاقة في تسريع مشاريعها التنموية، وبالتالي المساهمة في استقرارها السياسي وتقليل خطر “الإرهاب”.
واتفقت الجهات المشتركة في المشروع على تشكيل شركة استشارية مشتركة تحت اسم “دي آي آي” مع نهاية أكتوبر القادم، تضع المعالم الرئيسية للمشروع والبحث عن طرق تمويله وتقديم خطة استثمار محددة خلال 3 سنوات من تأسيس الشركة، حسبما جاء في بيان مشترك.
لكن إن كان هذا المشروع العملاق سيرى النور فإن ذلك لن يكون غدا، فهذه الخطط أعدت في الواقع للعام 2050 (حتى إن بنيت منشآت قبل ذلك)، ومسألة التمويل لم تسوَ بعد، وستحتاج لدعم السياسيين، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية الإثنين 13-7-2009.
وجرى توقيع الاتفاق المبدئي في ميونيخ الألمانية بحضور الشركات المساهمة (الكونسرتيوم)، ومنها شركتا الطاقة الألمانيتان العملاقتان “أيون”، و”آر دبليو آي”، وشركة إعادة التأمين الألمانية “ميونيخ ري” ومصرف “دويتشي بنك”، وشركة “سيمنز” عملاق الصناعات الهندسية، إضافة إلى الشركة الإسبانية “أبنغوا سولار”، والجزائرية “سيفينتل”، والمؤسسة المسئولة عن المشروع “ديزيرتيك”، وذلك بحضور ممثلين عن جامعة الدول العربية ووزارة الطاقة المصرية.
وبالرغم من أن المشروع لقي ترحيبا من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، فإنه لم ينجُ من انتقادات؛ حيث قال النائب الاجتماعي الديمقراطي الألماني هرمان شير إنه “لا حاجة للذهاب إلى إفريقيا لتزويد أوروبا بالطاقة النظيفة.. يمكننا استثمار الـ 400 مليون يورو هنا”.
ووصف شير، أحد رواد بحوث الطاقة الشمسية في ألمانيا، الخطط الرامية لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في الصحراء الغربية وصحراء دول شرق أوسطية بأنها “سراب”.
وحسب بيان نشره الإثنين فإن “القائمين على المشروع تعمدوا تقدير نفقات المشروع بشكل أقل بكثير من التكلفة الحقيقية”، كما رأى أن المشروع “لن يساعد الدول التي تمتلك جزءا من هذه الصحراء في التحول من مصادرها الحالية للطاقة إلى الطاقة الشمسية النظيفة”، على حد تقديره.
ويرأس شير المنتدى الدولي للطاقات المتجددة وشركة “يوروسولار” للطاقة الشمسية، وحصل عام 1999 على جائزة نوبل البديلة على جهوده في دفع الاستفادة من الطاقة الشمسية.
وتعد ألمانيا من الدول الرائدة في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث شجعت في منتصف الثمانينيات، كل عالم أو مهندس يطور أو يبني محطات تجريبية جيدة، بمساهمتها بـ 50% من التكاليف، وبعد فترة أعلنت عن “برنامج المائة ميجاوات” الذي ينص على تقديم دعم لكل مستثمر في استغلال طاقة الرياح، بحسب ما نشرته صحيفة “الاقتصادية” السعودية.
وبالنسبة للدول العربية، فإن استغلال مواردها الغنية من الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الشمس والرياح، ضرورة لا مفر منها في السنوات المقبلة، خاصة أنه من المتوقع حسب دراسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يرتفع حجم استهلاكها من الطاقة في عام 2020 إلى أكثر من ضعف المعدل الحالي.
وأنشأ مؤسسة “ديزيرتيك” المسئولة عن المشروع أعضاء في “شبكة وكالة التعاون عبر المتوسط في مجال مصادر الطاقة المتجددة”، بدعم من الأمير الأردني الحسن بن طلال والجمعية الألمانية لنادي روما بهدف تحقيق أمن الطاقة والمناخ عبر جهد مشترك بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.
المصدر: إسلام أون لاين