المجلةابتكارات جديدهبنك المعلومات

إدارة الابتكار .. تجارب من الواقع

عادة ما يرتبط مفهوم الابتكار بالمنتجات، أي إبداع منتجات مبتكرة، وعلى الرغم من أهمية هذا الارتباط، إلا أن قطاع الأعمال اتجه للتركيز أكثر فأكثر على ابتكار خدمات ونماذج عمل جديدة أيضاً، مما يعطي مؤشراً على ضرورة أن تعيد الشركات النظر في سياساتها لإدارة الابتكار.

ويرى البروفيسور ديفيد ميدجلي أستاذ التسويق في كلية إنسياد ومؤلف كتاب «دليل الابتكار» أن إدارة الابتكار لا تلقى الاهتمام الكافي من قبل إدارات أغلبية الشركات، مما يؤدي إلى هدر في الموارد وارتكاب أخطاء باهظة الثمن، ويضيف :»لا يرتبط النجاح بالجهد الذي تبذله الشركات لتحقيق الابتكار، بل كيفية تفاعلها مع الابتكار وإدارته»، ومن جانب آخر، لا تزال المعلومات المتوافرة حالياً حول إدارة الابتكار محدودة ضمن قطاعات معينة مثل تقنية المعلومات أو القطاع المالي، لكن مع اتساع آفاق الابتكار سيحتاج المديرون إلى معلومات وأدوات عملية لتجاوز الحدود القطاعية التي تحد من فضاءات الابتكار.

نموج الابتكار لدى «أبل»

إضافة إلى تقديم الآليات العملية لإدارة الابتكار، يناقش كتاب «دليل الابتكار» ما بات يعتبر من المسلمات في عالم إدارة الابتكار ويطرح تساؤلات حول مدى قابلية تطبيقها في الوقت الحالي، خاصة أن الابتكار لا يزال مرتبطاً بالمنتج والخدمات الإضافية المترافقة معه وذلك بدفع من نموذج عمل مختلف عما كان عليه الحال في السابق، ولتوضيح هذا المفهوم، يستعين ميدجلي كمثال بجهاز «آي بود» من إنتاج شركة «أبل»، التي نجحت في بيع مئات الملايين منه منذ طرحه للمرة الأولى في الأسواق عام 2001، ولكن الفضل في ذلك النجاح، كما يقول ميدجلي،

لا يكمن في كون جهاز الـ «آي بود» مبتكراً بحد ذاته، فثمة كثير من الأجهزة المشابهة، بل يأتي هذا النجاح اللافت بفضل الخدمة التي تتيح للمستخدم تحميل الموسيقى بسهولة، إضافة إلى نموذج العمل الذي تتبعه شركة «أبل» بالتعاون مع شركات الإنتاج الموسيقي لتحقيق الأرباح من عمليات تحميل الأغاني.

ويضيف: «تفاوضت «أبل» للخروج بنموذج عمل مبتكر مع شركات الإنتاج بما يضمن رضا الطرفين وحصول كل منهما على ما يريد، فحصلت شركات الإنتاج على حقوق التوزيع، وقامت «أبل» ببيع الأغاني لمستخدمي جهاز «آي بود» الذين بات بمقدورهم اختيار الأغاني المفضلة لديهم وتحميلها على أجهزتهم بعد أن كانت خياراتهم محصورة ضمن الألبومات التي كانت تطرحها شركات الإنتاج الفني, وهو نموذج العمل السابق في هذا المجال»، ويؤكد ميدجلي أن الابتكار يكمن في هذه العملية, أما الجهاز بحد ذاته فهو مجرد منتج جيد النوعية.

وداعاً للبساطة

عندما كان الابتكار في الماضي مرتبطاً بالمنتجات فقط، كانت إدارته أسهل بالنسبة للشركات، حيث كان فريق من العاملين يتولى تصميم المنتج وتقديمه إلى فريق آخر يتولى عملية المبيعات، لكن اتساع آفاق الابتكار أدى إلى تعقيد الأمور بالنسبة للمديرين المسؤولين عن طرح الابتكارات في الأسواق.

قد يتطلب تحقيق الابتكار خلال هذه المرحلة القيام بتغييرات تنظيمية رئيسية، فإطلاق خدمة مبتكرة على سبيل المثال، قد يستلزم تغيير برامج تدريب العاملين وبعض إجراءات الشركة. وللخروج بنموذج عمل مبتكر, فمن الضروري بمكان أن يتفهم الجميع الآلية الجديدة لتحقيق الأرباح، أو حتى إنشاء قسم متخصص يتولى الإشراف على هذه النموذج وتطبيقه.

لفهم نوع التغييرات التنظيمية اللازمة لتحقيق الإبداع، يحتاج المديرون أولاً إلى استيعاب نوع التحديات التي تفرضها عملية الابتكار وفقاً لميدجلي، وتتوزع على ثلاث فئات هي العميل والتقنية ونموذج العمل، وبالتالي فإن تحديد الفئة التي تؤطر عملية الابتكار هو مفتاح فهم الخطوات الضرورية التي تحتاج إليها الشركة، ويقول موضحاً: «الابتكار الموجه نحو العملاء أو المستخدمين يستلزم توافق الحنكة العملية مع جودة الخدمات، أما من الجانب المؤسسي والتنظيمي فهناك وسائل أخرى، وفي حال توجه الابتكار نحو الفئات الثلاث، فقد يظن البعض أن في ذلك مخاطرة كبرى».

نموذج لعبة «وي»

يرتبط الابتكار الموجه نحو العملاء بمدى القدرة على تجاوز توقعاتهم والابتعاد قدر الإمكان عن أفكارهم التقليدية، فعلى سبيل المثال، طورت شركة «ننتندو» لعبة «وي» الجديدة لتستهدف فئة جديدة بالكامل من المستخدمين الذين لا تستهويهم الألعاب الإلكترونية, ويضيف: «اللافت في لعبة «وي» ليس التقنية، فهي بسيطة ومباشرة، وليس نموذج العمل، فهو تقليدي في عالم صناعة الألعاب، بل ينعكس الابتكار هنا في طرح لعبة تقبل عليها فئات عمرية على غرار الآباء وكبار السن، التي لا تستهويها عادة الألعاب الإلكترونية مثل «بلاي ستيشن 3» وغيرها.

أما الابتكار المعتمد على التقنية، فسيطرح تساؤلاً حول مقدار التحدي الذي سيمثله تحقيق الابتكار بالنسبة للشركة. فقد مثلت لعبة «بلاي ستيشن 3» تحدياً تقنياً نموذجياً لشركة «سوني»، لأن الشركة كانت تعمل على اختراع معالج جديد فائق الأداء ليتم استعماله في نسخة اللعبة الجديدة، وبالنسبة للتحدي المرتبط بنموذج العمل، فهو يكمن في آلية توليد الأرباح من المنظومة المتبعة لإدارة سلسلة القيمة، وقد نجحت شركة «أبل» في تجاوز هذا التحدي بنجاح عبر طرح جهاز «آي بود».

إضافة القيمة

يتجسد الهدف الرئيسي للابتكار في إضافة قيمة نوعية إلى المنتج أو الخدمة لدى شريحة العملاء أو المستهلكين، ويحدد ميدجلي خمس مهام رئيسية يجب أن تقوم بها المؤسسة للوصول إلى هذه المرحلة، ويقدم الأدوات التي يجب أن يستخدمها المديرون لإنجاز تلك المهام.

تتعلق المهمة الأولى بالجانب المؤسسي عبر تحديد الاتجاه والقواعد التطبيقية، والثانية هي إعداد الفريق الملائم، لأن توافر الأفراد المؤهلين لإتمام المهمة شرط أساسي لتحقيق النجاح, ولذلك تحتاج المؤسسات إلى اختيار الفريق المناسب لكل نوع من مبادرات الابتكار.

وترتبط المهمة الثالثة بالتنسيق مع العملاء على أنهم شركاء في عملية الابتكار، وهنا يقول ميدجلي: «تستطيع الشركة أن تحقق أهدافها بشكل أفضل من خلال العمل مع عملائها المناسبين في التوقيت المناسب عوضاً عن طرح المنتج الجديد عليهم فجأة وانتظار ردة فعلهم».

حلول نهائية

بعد تحديد الهدف، واختيار الفريق المناسب، ووضع حل يلبي متطلبات العملاء، تكون المهمة الرابعة هي القيام بالتغييرات التنظيمية الضرورية لتقديم الحلول النهائية، وينطبق ذلك بصورة خاصة على الابتكار في مجال الخدمات ونماذج الأعمال.

أما المهمة الخامسة، فتكمن في إعطاء المنتج الجديد الزخم المناسب في السوق، ويجب على المديرين إيجاد القنوات الملائمة في الأسواق لطرح المنتجات المبتكرة من خلال تفهم كيفية رفض أو قبول المستهلكين تلك المنتجات، وهو ما لا تطبقه الشركات دائماً.

فعلى سبيل المثال، كان المساعد الرقمي الشخصي PDA منتجاً مبتكراً أخفق عند طرحه للمرة الأولى من قبل شركة أبل وشركة تاندي وموتورولا. ولم تفلح هذه الشركات في اختيار شريحة المستخدمين المناسبة لدفع انتشار الجهاز على نطاق واسع، ولم تدرك كيفية توفير القيمة الأفضل للمستخدمين من خلال هذا المنتج المبتكر، وبذلك تم التركيز على المزايا الخاطئة للجهاز، لكن ما لبثت شركة «بالم» أن طرحت لاحقاً منتجاً مشابهاً، لكن بعد إجراء دراسة وافية عن كيفية استعمال الجهاز من قبل المستخدمين، ونجحت الشركة في تسويق مزايا مفيدة لمستخدم الجهاز، وتمكنت من بيع الملايين من الجهاز الذي أنتجته.

عن صحيفة الاقتصادية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى