هو موفق الدين أبو العباس أحمد بن سديد الدين القاسم ولد بدمشق سنة 600هـ هجرية وتوفي سنة 668 هـ، وكني “أبا العباس” قبل أن يطلق عليه لقب جده “ابن أبي أصيبعة” وقد نشأ في بيئة حافلة بالدرس والتدريس، والتطبيب والمعالجة، فهو سليل أسرة اشتهرت بالطب، فقد كان والده من أمهر الكحالين “أطباء العيون” في دمشق، وكان “موفق الدين” أشهر أفراد الأسرة وإليه يصرف الانتباه إذا ذكر فهو من أطباء العرب المعروفين وأدبائهم المرموقين.
درس في دمشق والقاهرة نظرياً وعملياً، وأتقن العلوم اللسانية على علماء زمانه، وطبق دروسه في البيماريستان النوري، وكان من أساتذته ابن البيطار العالم النباتي الشهير ومؤلف (جامع المفردات)، وكان يتردد كذلك على البيمارستان الناصري فيقوم بأعمال الكحالة، وفيه استفاد من دروس السديد ابن أبي البيان، الطبيب الكحال ومؤلف كتاب الأقراباذين المعروف باسم الدستور البيمارستاني.
ولم يقم ابن أبي أصيبعة طويلاً في مصر، إذ تركها عام 635 هـ إلى بلاد الشام، ملبياً دعوة الأمير عز الدين أيدمر صاحب صرخد (وهي اليوم صلخد من أعمال جبل العرب في سوريا)، وفيها توفي عام 668 هـ.
اشتهر ابن أبي أصيبعة بكتابه الذي سماه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) والذي يعتبر من أمهات المصادر لدراسة تاريخ الطب عند العرب.
يستشف من أقوال “ابن أبي أصيبعة” أنه ألف ثلاثة كتب أخرى، ولكنها لم تصل إلينا، وهي: كتاب “حكايات الأطباء في علاجات الأدواء”، وكتاب “إصابات المنجمين”، وكتاب “التجارب والفوائد” الذي لم يتم تأليفه.
اشتهر “ابن أبي أصبيعة” رحمه الله بكتابه “عيون الأنباء في طبقات الأطباء” وهو عمل إبداعي عبارة عن موسوعة علمية تحوي ترجمة كبار الأطباء من زمن الإغريق والرومان والهنود إلى عام 650 هجرية وتحوي الموسوعة على ترجمة لما يزيد على 400 طبيب.
ويعد الكتاب موسوعة علمية فريدة سجل فيها ابن أبي أصيبعة الأطباء منذ اليونان حتى وفاته، وهو من المراجع العلمية المهمة التي يعتمد عليها المؤلفون والعلماء وكتبهم العلمية الطبية وغيرها والفنون التي كانوا يتقونها غير مهنة الطب والحكام الذين شجعوا المهنة والمدارس والمستشفيات التي تعلموا فيها ومارسوا مهنة الطب فيها وتلاميذهم.
ومن النماذج التي ذكرها “ابن أبي أصيبعة” في كتابه، “أبو جعفر بن هارون الترجالي” وقال عنه : من أعيان أهل إشبيلية، وكان محققاً للعلوم الحكمية متقنناً لها معتنياً بكتب أرسطو طاليس وغيره من الحكماء المتقدمين فاضلاً في صناعة الطب متميزاً فيها، خبيراً بأصولها وفروعها، حسن المعالجة محمود الطريقة. وخدم لأبي يعقوب والد المنصور، وكان من طلبة الفقيه أبي بكر بن العربي لازمه مدة واشتغل عليه بعلم الحديث، وكان أبو جعفر بن هارون يروي الحديث وهو شيخ أبي الوليد ابن رشد في التعاليم والطب، وأصله من ترجالة من ثغور الأندلس وهي التي أصابها المنصور خالية وهرب أهلها وعمرها المسلمون وكان أبو جعفر هارون أيضاً عالماً بصناعة الكحل وله آثار فاضلة في المداواة”.
وعن “علاء الدين بن الحزم القرشي المتطيب” قال: “كان شيخاً فاضلاً كالبحر الخضم والطود الأشم للعلوم ولم يكن منفرداً بفن من الفنون ولو لم يكن له غير شرح غواض القانون تلغي به دليلاً على غزارة فضله ونذارة مثله…».
جدير بالذكر أن “ابن أبي أصيبعة” لم يذكر “ابن النفيس” في موسوعته، رغم عملهما في عصر واحد ومستشفى واحد، ويرى مؤرخون أن ذلك يرجع لوجود خلاف بينهما، وكان هذا الخلاف سبباً في هجرة ابن أبي أصيبعة من القاهرة.