يحلم كثير من المسلمين أن تكون له صدقة جارية أو وقف خيري ينتفع به بعد موته مصداقا للحديث الشريف “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”، لكن إمكانيات الكثيرين المتواضعة تحول دون هذا العمل الذي يحتاج مبالغ كبيرة لوقفها على مشروع خيري معين.
“الأسهم الوقفية”.. استثمار للآخرة
وتيسيرا لهذا الأمر أمام الراغبين في الوقف الخيري أطلقت العديد من وزارات وهيئات الأوقاف، وبعض الجمعيات الخليجية فكرة الأسهم الوقفية التي انتقلت من الخليج إلى مناطق أخرى.
والفكرة بسيطة جدا وتتمثل في نقل القدرة على الوقف إلى عموم المسلمين عبر المساهمة في وقف خيري بشراء سهم أو عدة أسهم حسب القدرة، وحسب الفئات المحددة في مشروع معين ينفق ريعه على أوجه الخير المحددة وفقا للسهم وحسب رغبة المساهم.
والأسهم الوقفية ليست أسهما يتم تداولها في البورصات ، ولكنها تحدد نصيب صاحبها في مشروع وقفي معين، كما لا يحق له سحب هذه الأسهم أو التدخل في طريقة استثمارها.
ورغم أن فكرة الأسهم الوقفية انطلقت في دول خليجية رسميا في نهاية العقد الماضي، وأوائل العقد الحالي (1999 في سلطنة عمان وفي الكويت و2001 في الإمارات) فإن الفكرة شهدت خلال عام 2004 زخما متزايدا نتيجة الحملات الإعلانية في وسائل الإعلام والحملات التعريفية المكثفة التي انتقلت إلى المواقع الجماهيرية سواء في النوادي الرياضية أو في مراكز التسوق أو المستشفيات.
فقد أنشأت أمانات الأوقاف في الإمارات منافذ بيع للأسهم الوقفية في تلك التجمعات الشعبية، ونجحت تلك المراكز في شرح الفكرة للجمهور الذي أقبل على المساهمة في المشروعات الوقفية وشملت تلك المساهمات المواطنين والوافدين على حد سواء.
وتتنوع المصارف الوقفية في منطقة الخليج، فعلى سبيل المثال يوجد عدة مصارف وقفية في الإمارات، وأهمها ما يلي:
– مصرف وقفي للمساجد، ويعمل على توفير دور العبادة في جميع أرجاء الدولة، وتنشيط دورها الديني، والمساهمة في رعايتها وتطويرها وصيانتها، وإحياء رسالتها في خدمة المجتمع، وتوفير الرعاية المناسبة للخطباء والأئمة والمؤذنين وتنشيط دورهم الاجتماعي.
– مصرف وقفي للقرآن الكريم، وهو مخصص لنشر القرآن والاهتمام بعلومه وتشجيع تلاوته حفظا وتجويدا وترتيلا، وهناك مصرف وقفي للتعليم يخصص ريعه للعناية بطلاب العلم المحتاجين، ورعاية وتحفيز المبدعين والمساهمة في توفير متطلبات البحث العلمي، وإبراز اهتمام الإسلام بالعلوم.
– مصرف وقفي للرعاية الصحية، وهو يساهم في توفير الخدمات الصحية الخاصة للمرضى الذين ليس لهم من يرعاهم، والاهتمام بالحالات التي تحتاج إلى علاج طبي طويل ومكلف أو طارئ، ونشر مفاهيم التنمية الصحية ودعم الجهات القائمة على توفير الخدمات الصحية والارتقاء بمستواها.
– مصرف وقفي للأيتام، وهو يخصص لمساعدة هؤلاء اليتامى والفقراء.
– مصرف وقفي للبر والتقوى، ويصرف ريعه للعمل على إيصال مفاهيم البر والتقوى للمجتمع والصرف على الحالات التي لم تخصص ضمن المصارف الأخرى.
كما أن هناك أنواعا أخرى من المصارف الوقفية أحدها خاص للمسجد الأقصى وهو يخصص لدعم الفلسطينيين، ومصرف آخر لخدمة الحجاج والمعتمرين، ومصرف ثالث لخدمة الفقراء وتغطية حاجاتهم المادية والاجتماعية.
وفي مقابلة مع إسلام أون لاين.نت، قال جمال الطريفي مدير عام الأمانة العامة للأوقاف في إمارة الشارقة: إن مشروع الأسهم الوقفية يعمل على إحياء سنة الوقف، وإتاحة الفرصة لذوي الدخل المحدود للمشاركة، ويهدف إلى تنشيط دورالوقف التنموي كخطوة أولى على طريق تجديد آلية العمل الوقفي وتحديثها من خلال استثماره بطريقة مثلى. ووفقا للطريفي فهناك ثلاث فئات من الأسهم الوقفية بقيمة 500 درهم، و200 درهم، 100 درهم. وأكد أن التنوع فى طرح الأسهم الوقفية، وتقسيمها إلى ثلاث فئات للحصول على مصادر مالية لتمويل الاستثمارات وزيادة الأصول الوقفية مستقبلا لاستثمارها في العديد من المشاريع التي تساهم في تقديم خدمات اجتماعية تتفق ومقاصد الواقفين.
وأضاف الطريفي أن الأمانة العامة للأوقاف بالشارقة خصصت لكل مصرف من المصارف الوقفية حسابا جاريا في البنك، بغرض تسهيل عملية التبرع على المتبرعين دون مشقة أو عناء.
وبالإضافة إلى المصارف المذكورة سلفا فإن الأمانة العامة للأوقاف بالشارقة -وفقا للطريفي- أنشأت مصرفا للأسهم الوقفية يقوم على الاستثمار لتعزيز الأصول الوقفية وتنميتها، واستثمارها الأمثل لصالح المشاريع والمصارف السابقة.
وأعلن مدير عام الأمانة العامة للأوقاف أن قيمة ما تم جمعه من مشروع الأسهم الوقفية في الشارقة بلغ في العام الماضي (2003) ثلاثة ملايين و113 ألف درهم (الدولار= 3.6 دراهم إماراتية).
السعودية هي الأخرى اهتمت بالأسهم الوقفية من خلال الجمعيات الخيرية، ومنها: الجمعية الخيرية النسائية بالدمام، ويستهدف المشروع جمع مبالغ مالية تمكنها من شراء عقار استثماري يسجل كوقف خيري باسم الجمعية، وبإشراف إحدى لجانها (لجنة الأوقاف والوصايا)، وذلك بهدف صرف ريعه لصالح وجوه البر.
وتؤكد الجمعية أنها تهدف من خلال مشروعها إلى إحياء سنة الوقف واستعادة دوره التاريخي في دعم وجوه البر والإحسان، وكذلك تنفيذ مشاريع خيرية تخدم الأسر المتعففة والأفراد المحتاجين.
كما تهدف أيضا إلى فتح أبواب جديدة وميسرة للأجر والثواب يستطيع المساهمة فيها كل مسلم ومن مختلف الفئات، بما يحقق للمسلم الأجر والثواب العظيم عند الله عز وجل، ويحقق له أيضاً استمرارية هذا الأجر في حياته وبعد وفاته.
وحددت الجمعية مقدار سهم الوقف بمائة ريال للسهم الواحد (الدولار= 3.7 ريالات سعودية) على أن تبدأ المساهمة بسهم واحد كحد أدنى، وبلا حد أقصى لعدد الأسهم.
ويطرح المشروع نوعين للمساهمة أولها: المساهمة الفردية والعائلية، حيث يمكن للمساهم شراء أسهم باسمه وبأسماء أفراد عائلته (الوالدين، الزوجة، الأبناء، الإخوة، وغيرهم من الأقارب) الأحياء منهم والأموات، بواقع عدد محدد من الأسهم لكل فرد.
أما النوع الآخر فهو مساهمة المؤسسات، حيث يمكن للهيئات الحكومية والشركات الخاصة شراء أسهم باسمها.
وقسمت الجمعية أسهم الوقف إلى أربع فئات، وهي:
– الفئة الأولى: عدد (1) سهم وقفي بقيمة 100 ريال.
– الفئة الثانية: عدد (10) أسهم وقفية بقيمة 1000 ريال.
– الفئة الثالثة: عدد (100) سهم وقفي بقيمة 10,000 ريال.
– الفئة الرابعة: عدد (1000) سهم وقفي بقيمة 100,000 ريال.
ويمكن الحصول على تلك الأسهم عن طريق مبنى الجمعية أو إيداع قيمتها في حساب مصرفي مخصص للمشروع، أو إرسال شيك مصرفي باسم الجمعية.
وعلى خلاف تجارب أخرى تحدد مصارف معينة للأسهم الوقفية، فإن سهم الوقف الخيري في الجمعية الخيرية النسائية بالدمام يعتبر سهما مطلقا يحق للجمعية التصرف بإيراداته في أوجه البر والخير والإحسان التي تشرف عليها أو ترد إليها داخل المملكة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه قد تختلف مصارف الوقف كل سنة عن الأخرى وفقا لما يستجد من حاجة المجتمع، كما أن جزءا من الريع يخصص لأعمال الصيانة الدورية والتكاليف الإدارية للوقف.
وفي الكويت طرحت جمعية إحياء التراث الإسلامي المشروع الوقفي الكبير. وتتنوع الصناديق الوقفية التابعة للمشروع ما بين: وقف الكلمة الطيبة، ووقف تعليم القرآن الكريم، ووقف طباعة المصحف، ووقف مكتبة طالب العلم، ووقف السهم الخيري المطلق ووقف كفالة الأيتام، ووقف بناء المساجد، والوقف الدعوي، ووقف إفطار الصائم ووقف ذبح الأضاحي، ووقف كفالة الدعاة.
ويمكن للمتبرع أن يدفع قيمة السهم الوقفي دفعة واحدة، أو عن طريق الاستقطاع الشهري.
أما في سلطنة عمان -وهي من الدول الخليجية الرائدة في هذا المجال- فقد أعلن وزير الأوقاف والشئون الدينية في نوفمبر 1999 عن مشروع الأسهم الوقفية، وحددت الوزارة مقدار السهم الوقفي بعشرة ريالات عمانية (الدولار= 3. ريال عماني).
وتقوم وزارة الأوقاف والشئون الدينية العمانية باستثمار هذا المال في مشروعات وقف ثابتة ينفق ريعها على بناء المساجد، وترميمها، وإقامة مدارس لتحفيظ القرآن الكريم ومساعدة ذوي الحاجة وخدمة كتاب الله الكريم، وتأثيث منازل الأسر المحتاجة، والمطلقات والأرامل واليتامى والمساهمة في وقفية فطرة صائمي شهر رمضان والقرض الحسن.
ويظل أن هذه التجارب الوقفية تحتاج إلى تعميم وترويج لها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.. فهي إحدى الوسائل الهامة لمكافحة الفقر، وكذلك تحيي سنة نبوية تنفع الإنسان في آخرته.. فهي استثمار دنيوي وأخروي في آن واحد.
قطب العربي
نقلا عن إسلام أون لاين