اشتهرت بلاد المشرق منذ ألاف السنين بصناعة السجاد ، وقد ابتكر صناع الشرق أنواعاً فاخرة من السجاد ذات أشكال وزخارف جميلة وألوان زاهية وخدمات جيدة جعلتها تعيش عشرات ومئات السنين.
وقد عرف الأوروبيون السجاجيد الشرقية عن طريق العرب الذين أدخلوا صناعة السجاد إلى الأندلس وحرص أثرياؤهم على اقتنائها ، ومنها انتقلت إلى باقي أنحاء أوروبا . . ومن فرط اعجاب الأوربيين بالسجاجيد الشرقية أبرزوا جمالها في لوحاتهم الفنية التي رسموها في بداية عصر النهضة .
ويصنع السجاد من خامات أصواف وشعر الغنام ووبر الجمل والقطن والكتان والحرير الطبيعي ، ولكل قطر من الأقطار الإسلامية نوع وفير من الخامات بعينها ، ولها مميزاتها في صناعاتها وألوانها وزخارفها ، وقد انعكس ذلك التميز على انتاج هذه البلاد . . ولعل السجاد الإيراني الشهير المصنوع من الصوف الخشن ، ومن الحرير المنسوج بطريقة الوبرة المعقودة وبطريقة الديباج من الخيوط الذهبية والفضية هو الأجود بين السجاجيد الشرقية قاطبة .
وعلى الجانب الآخر كانت مصر مركزاً مهماً لصناعة السجاد منذ بواكير العصر الإسلامي ، وبلغت هذه الصناعة ذروتها في مصر في العصرين المملوكي والعثماني ، وأصدق مثال على ذلك هو أن السلطان العثماني مراد الثالث طلب من واليه على مصر أن يبعث له أحد عشر صانعاً من صناع “الطنافس” “السجاد” من القاهرة وأن يزودهم بكمية وفيرة من الصوف المصبوغ .
وتشير وثائق العصر المملوكي إلى انتشار قاعات السجاد بكثرة في اخطاط القاهرة القديمة ضمن المنشآت الصناعية الموجودة في ذلك العصر ، وكانت هذه القاعات تضم الآلات والمعدات المستخدمة في صنع السجاد ، وأهمها “النول” الذي لا يزال يستخدم في صناعة السجاد يدوياً وهو يتكون من عارضتين أفقيتين من الخشب تثبت فيهما أوتاد وتصل بينهما خيوط “السدي” كما يتكون النول من عارضتين رأسيتين لحفظ العارضتين الأفقيتين في محلهما.
وتستعمل المطواة العليا لوضع خيوط السدى عليها وهي عارضة مستديرة ، أما السفلى فهي لشد السجادة وإرخائها ، وتتصل الطوتان بالعوارض بواسطة أربع مشقبيات .
أما مساطر النول الثلاث فواحدة للسدى وهي أقصر من عرض النول بقليل وفائدتها بقاء السدى عليها، والثانية تسمى “مسطرة النير” وهي أطول بقليل من عرض النول وفائدتها عقد النير عليها لإيجاد النقش اللازم للسجادة ، والمسطرة الثالثة تسمى “مسطرة النقش” وهي أقل من عرض النول وتوضع بين شقي السدى فوق مسطرة النير ، وفائدتها فصل الخيوط الفردية عن الزوجية ، وبرفع هذه المسطرة إلى أعلى يمكن إيجاد نقش صحيح للتفويت اللازم للسجادة .
أما “الكابولين” فالغرض منهما هو حمل مسطرة النير ، وهما مركبان على جانب النول ومصنعان من الخشب .
وتتجلى مهارة الصانع في استخدام العدد اللازمة لهذه الصناعة ، مثل المطواة والمشط والمقص والشنكل ، “فالمطواة” عبارة عن سلاح من الصلب داخل غلاف وتستخدم لقطع العقد بعد الانتهاء من نسجها ، و”المشط” عبارة عن كتلة كبيرة من الخشب في طرفها أسنان من البوص وتستعمل لدق خيوط التفويت استعداداً لعمل صف جديد من العقد .
أما “المقص ” فهو عبارة عن سلاحين من الصلب محورهما في الوسط ولهما مقبضان وكان يستخدم في قص وتسوية السجادة وجعلها ذات سطح مستو أما “الشنكل” فهو سلاح له طرف مدبب وفائدته تصليح بعض الأخطاء الناتجة أثناء التشغيل.
وتتكون السجادة المصنوعة من النول عادة من خيوط طولية تسمى “السدى” ، وتكون هذه الخيوط من القطن أو الصوف أو الكتان أو الحرير في الأنواع الفاخرة ، وإن كان يفضل القطن لأنه يعطي بعض الصلابة للسجادة ، حيث تبنى السجادة على خيوط السدى وتعقد عقد الوبرة عليها وتكون من الصوف الذي لابد أن يختلف سمك خيوطه وجودته وخيوط “اللجمة” التي توضع بين صفوف الوبرة ويتوقف عليها تماسك خيوط السدى كما تساعد على حفظ عقود الوبرة في مكانها ، وتكون هذه الخيوط عادة من الصوف أو القطن أو الوبر.
ويبدأ عمل “السدى” للسجاد بربط طرف الخيط في أول علامة على مسطرة السدى ، وتترك البكرة على الأرض أو في صندوق ، ويمسك بالخيط المزدوج من خلف النول بعد مروره فوق العارضة العليا على أول علامة ، ويأتي بالخيط بعد ذلك من خلف النول ويمر بالعارضة الأفقية السفلى ، ثم يلف حول مسطرة السدى ، وبذلك يكون طرف الخيط ملفوفاً حول المسطرة واكتملت العملية . ويستمر الصانع في تكرارها مراراً حتى يفرغ من عمل السدى ، وتسمى عملية التسدية عند العامة “الدوارة”.
وتتبع عملية “النير” عملية التسدية مباشرة حيث يجذب الصانع الخيوط الخلفية إلى الأمام ، وبذلك يسهل تغيير وضع هذه الخيوط من أمامية إلى خلفية وبالعكس ، وهو ما يسمى بتغيير النقش لتسهيل عملية مرور اللحمة.
وفي موازة هذا العمل كان يصنع للسجادة “كليم” لحفظ العقد ، حيث يتم تفويت خيوط قطنية بين خيوط السدى يبلغ ارتفاع “كليم” حوالي أربعة سنتيمترات ، مع مراعاة ترك مسافة بين السدى يبلغ طولها نحو 25 سم تسمى بـ “الفرنسة” ولابد من ربط هذه الخيوط بعضها ببعض لتكون عقداً وافية وحافظة للكليم نفسه .. وللسجادة على جانبيها “برسل” يتم صنعه بطريقة خاصة وهي تفويت خيطه “اللحمة ” بين أربعة خيوط من القطن من السدى واللحمة ، وتتكون “وبرة” السجادة عادة بتعقيد الخيوط الصوفية الخاصة بالوبرة على خيوط السدى ، ويختلف عدد العقد في السجادة بإختلاف العدة المستعملة “وهي عدد العقد الموجودة في البوصة المربعة” والرسم المطلوب الحصول عليه ، كما يختلف طول العقدة بإختلاف عدد العقد ، فكلما قل عدد العقد كانت الوبرة ، أكثر طولاً.
وهناك أنواع من العقد المستعملة في السجاد تعرف بتسميات مختلفة ، منها عقدة “سنة” أو العقدة العجمية وعقدة “طرفان” أو العقدة التركستانية ، وعقدة “جورديز” أو العقدة التركية ، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى مدينة جورديوم القديمة ، وهناك عقدة خاصة بمصر تعرف “بالأنشوطات” .
وكان تنفيذ العقدة يبدأ من اليسار إلى اليمين على أربعة خيوط من خيوط السدى بدلاً من اثنين.
وفضلاً عن طريقة نسج السجاد على النول ، كانت هناك طريقة يدوية أخرى لنسج السجاد الوبري هي طريقة “الكانافاه” وهي إحدى الطرق السهلة التي يتقنها معظم النساء ويطبقنها في بيوتهن حتى الآن وبخاصة في المناطق الريفية . ويلزم هذه الطريقة أن تكون الشبكة قوية ، وأن يبدأ العمل في السجادة بنسج حافتها أولاً ، ثم تعد ثقوب “الكانافاه” وتجهز الغرز للوحدات الزخرفية المكررة ، وحتى يوزع التصميم بدقة يجب ترقيم كل مكان يبدأ العمل فيه بغرزة من الصوف ، وتحتاج عملية النسج ذاتها إلى إبرة منحنية ذات خطاف وسقاطة ، ويلف الصوف المخصص للعمل على بكرة خشبية ذات مجرى وبحالة مستوية ومنتظمة ، ثم يقص الصوف من خلال المجرى ، وكل عقدة صغيرة من الصوف تسحب من عروة أو ثقب واحد من ثقوب “الكافاناه”، ثم تشد الأطراف من خلال الثقب بقوة مناسبة لتستقر تماماً في مكانها . وتسمى تلك الطريقة “السنارة” ، وهناك طريقة أخرى تعرف بطريقة الوبرة القصيرة ويبدأ العمل فيها في النصف الأول من لوحة التصميم من اليسار إلى اليمين على الخيطين المتوازيين من خيوط الكانافاه ، حيث تمر الإبرة تحت الفتلة السفلية للعين الأولى من عيون شبكة الكانافاه ، ثم تسحب فتلة الصوف مع ترك طرفها ، ثم يقبض على الطرف بإبهام اليد اليسرى ، ثم تمرر الإبرة تحت الفتلة العليا العين الأولى من عيون “الكانافاه” مع ترك الصوف إلى اليمين مع الإبرة ، ثم يسحب الصوف وبذلك تصبح الفتلة ممسوكة بهذه العقدة الأولى.
ويمرر الصوف بعد ذلك على سدابة خشبية ثم تعمل الغرزة الثانية ، وتصنع هاتان الغرزتان بعد ربطهما بإحكام عقدة ثابتة ، وينتج بعد قطع الصوف طرفان متساويان ، مما يؤدي إلى سهولة نسج السجادة بالشكل المطلوب.