الشيخوخة من أهم المعدلات التي يهتم بدراستها الانسان حيث يبلغ عدد المسنين في العالم ممن تجاوز عمرهم الستين عاما، أكثر من 650 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم ليبلغ ملياري نسمة بحلول عام 2050م، الأمر الذي يجعل عدد المسنين أكثر من عدد الأطفال لأول مرة في تاريخ البشرية مما ينبئ بأن العالم يتجه نحو الشيخوخة.
الشيخوخة ورعاية المسنين
وتعد رعاية المسنين من التحديات الصحية التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين، وهناك اتجاهات إيجابية ترافق هذا التحدي في إعداد مقدمي الرعاية الصحية والمجتمعات لتلبية احتياجات المسنين سواء من خلال تدريب المهنيين الصحيين المتخصصين في خدمات الرعاية للمسنين؛ وتوقي الأمراض المزمنة التي تصيبهم وتدبيرها العلاجي؛ وتصميم سياسات مستدامة في مجال الرعاية الطويلة الأجل؛ واستحداث خدمات ومرافق ملائمة للمسنين، كل هذه التدابير تحتاج إلى جهود مضنية من الحكومات والمجتمع المدني على السواء.
ورغم أن الزيادة العددية للمسنين تعبر عن ارتفاع مستوى الصحة العامة على الصعيد العالمي، إلا أن الشيخوخة تحولت إلى ظاهرة عالمية، وصفها البعض – من ناحية اقتصادية – بأنها ظاهرة تهدد العالم وتجعله يتجه إلى الشيخوخة الإنتاجية، باعتبار أن فئة المسنين من الفئات غير المنتجة، وهي مشكلة تستوي فيها الدول المتقدمة مع الدول النامية، ففي الدول المتقدمة انخفضت نسبة المواليد إلى المدى الذي لا يسمح بتجدد دماءها، ولأن عدد المسنين فيها زاد على عدد الأطفال فإن إمكانيات استمرار مجتمعاتها ونموها في المستقبل محاطة بالعديد من علامات الاستفهام، فيما تواجه الدول النامية مشكلة مواردها المحدودة وتحديات التنمية وشيخوخة سكانها في آن واحد.
الشيخوخة وظاهرة التشيخ
وتطرح ظاهرة “التشيخ” نفسها كأحد أهم التحديات التي تواجه الحكومات في القرن الحادي والعشرين في البلدان النامية والمتقدمة على السواء، ففي عام 2005 تجاوز متوسط العمر المأمول في بلدان مثل اليابان وفرنسا 80 عاما، كما يشهد ذلك المتوسط زيادة في البلدان النامية، ومن المتوقع أن يعيش الطفل الذي يأتي إلى الدنيا اليوم في شيلي أو كوستاريكا أو جامايكا أو لبنان أو سري لانكا أو تايلند أكثر من 70 عاماً.
وجاء تقرير “المسنون الأمريكيون 2008” الذي أصدره باحثون لصالح حكومة الولايات المتحدة ليرد على الآراء التي تعتقد أن المسنين يمثلون عائقا أمام التنمية، حيث أكد التقرير أن المسنين الأمريكيين أصبحوا أكثر ثراء، وأن متوسط صافي دخل المسنين الأمريكيين زاد نحو 80% على مدى العشرين عاما الماضية، ويتوقع الخبراء أن يعيش من بلغت أعمارهم 65 عاما في الوقت الحالي نحو 19 عاما أخرى أو سبع سنوات أكثر ممن بلغوا سن 65 عاما في عام 1900.
ويقول “ادوارد سونديك” مدير المركز القومي الأمريكي لإحصاءات الصحة:” هذا التقرير صدر في وقت حرج، مع تزايد عدد المسنين وتنوعهم في أمريكا تزايدت حاجة مسؤولي الخدمة الاجتماعية وواضعي السياسات والباحثين إلى بيانات يمكن الاعتماد عليها لفهم أين يقف المسنون الأمريكيون اليوم وما الذي قد يواجهونه غدا».
وتنبأ التقرير بتضاعف عدد المسنين الأمريكيين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما في عام 2030 إلى 71.5 مليون نسمة أو 20% من إجمالي السكان الأمريكيين من 12% أو 37 مليون نسمة في عام 2006.
ولعل توفير خدمات الرعاية الأوّلية بشكل فعال من الأمور الأساسية لتعزيز الصحة العامة وتوقي الأمراض والتدبير العلاجي للأمراض المزمنة التي تصيب المرضى من ذوي الصحة الهشّة الذين يعتمدون على الآخرين للاعتناء بهم، ويشمل تدريب المهنيين الصحيين، عموماً، بعض التعليمات بخصوص كيفية تقديم الرعاية للمسنين، ولكن الوقت الذي يقضيه أولئك المهنيون في تقديم الرعاية لتلك الفئة من المرضى في تزايد مستمر، لذلك تؤكّد “منظمة الصحة العالمية” على ضرورة تدريب جميع مقدمي الرعاية الصحية على المسائل المرتبطة بالشيخوخة، وذلك أيّاً كانت مجالات تخصّصهم.
ومع التقدم في السن تزيد الحاجة إلى الرعاية الصحية، ويؤدي ذلك إلى تكاليف صحية وبشرية واقتصادية جمّة، فقد بلغ متوسط التكاليف التي تكبّدها “النظام الصحي” الأسترالي في عام 2002 لكل إصابة ناجمة عن حالة سقوط تعرّض لها أشخاص يبلغون من العمر 65 عاماً فما فوق نحو 3611 دولاراً أمريكياً لكل حالة على حدة.
هل ينبغي لجدة عمرها يناهز الستين عاما أخذ مصل واق من “الأنفلونزا” أم تكون للطفلة البالغة 4 سنوات أسبقية عليها؟! سؤال طرحه رجلان مختصان بالأخلاقيات البيولوجية ويعملان في “المعاهد القومية للصحة” بالولايات المتحدة في مقال لهما نشر في مجلة “ساينس” يقترحان فيه من ينبغي له أن يحصل على المصل الواقي من الأنفلونزا أثناء وباء الأنفلونزا، ومن لا ينبغي له الحصول عليه.
ويقترح الباحثان د. حزقيال إيمانويل ود. آلان ويرثهايمر أن الحكومة يجب أن تختار أولا من تتراوح أعمارهم بين الـ13 والـ40، ثم من تتراوح أعمارهم بين الـ7 والـ12، ثم من تتراوح أعمارهم بين الـ41 والـ50، ويُفترض بناء على هذا كله أن من يتجاوزون سن الـ50 لا حظوظ لهم، وهو الاقتراح الذي قوبل باستهجان شديد.
وهاجم المعنيون بحقوق الإنسان تلك “النزعة اللاإنسانية” في التعامل مع المسنين في الولايات المتحدة، وحسب الباحثة “مارغريت مورغانروث غوليت” في كتابها الصادر بعنوان (تقدم في السن بفعل الثقافة) فإن هرم السكان مقلوب بالكامل بحيث يشكل الشباب قاعدة الهرم، فهذه هي التركيبة السكانية لأكثر مجتمعات العالم فقرا، وقد لا يحصل الناس الأكبر سنا على العلاج الصحيح بسبب المفاهيم الخاطئة التي تقول بأن الكبر في السن يعني الشقاء بالضرورة.
وأظهرت نتائج استطلاع رأي إن عددا أكبر من الأطباء والأخصائيين النفسيين يؤمنون بأن اكتئاب المراحل المتأخرة في السن والتعبير عن الرغبة في الانتحار هي أمور طبيعية ومقبولة بالنسبة للمرضى الأكبر سنا”، وكان هذا الاستطلاع مصدر استفزاز الباحثة الأمريكية “مارجريت” التي علقت عليه قائلة: “ليس هذا سوى جزء من أيديولوجيا انحطاط أمريكا أي الإيمان بأن التراجع بدلا من التقدم هو الأمر الطبيعي متى تجاوزنا المرحلة الوسطى للحياة أو ربما حتى حين نتجاوز مرحلة الشباب”.
وركزت الباحثة الأمريكية على بعض النماذج التي أوردتها دراسة صدرت عن جامعة هارفارد، وهي تؤكد أن 30 مليون من أكثر من 40 مليون من النساء المولودات في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لن يكن بوسعهن التقاعد وسيتدهور مستواهن المعيشي إلى ما دون “خط الفقر” وسيعانين من أحوال صحية متدهورة نظرا لمحدودية الدعم الذي تتلقاه النساء من شبكات الأمان التقليدية.
ومن النماذج التي أشارت إليها الباحثة الأمريكية “دوريس هادوك” المعروفة باسم (الجدة دي”) والتي قطعت أمريكا سيرا على الأقدام وهي في الـ89 من عمرها لتنادي “بالإصلاح السياسي”، ولخصت الباحثة القضية في قولها: “إن التحول باتجاه تصوير طول العمر بصورة شيطانية وتحريض الأجيال ضد بعضها البعض يُظهر تصعيدا في الإزعاج الناتج سلفا عن التصوير الثقافي السلبي للتقدم في السن. وهذه حرب ثقافية أخرى سيكون تجاهلها على حسابنا”.
صلاح عبد الصبور