ابتكارات جديدهالمجلةحلول مبتكرة

المزارع العائمة.. هل تكون الحل لإنقاذ العالم ؟جن صاحب الفكرة

المزارع العائمة.. هل تكون الحل لإنقاذ العالم ؟

 

 

كانت سفينة سيدنا نوح  واحدة من أكبر قصص الإنقاذ في التاريخ، والسفينة تطفو على الماء لتحمل البشرية إلى الضفة الأخرى، مع النباتات والحيوانات من كل زوجين اثنين كما أمره الله تبارك وتعالى.

من هذه القصة استلهم المهندس المعماري خافيير إف . بونس فكرة “المزارع العائمة”، وهى فكرة جديدة لإنقاذ العالم.

مزارع تعوم على الماء.. هل جنَّ صاحب الفكرة؟

إذا كان الوضع جنونياً، فهو يحتاج لحلٍّ يفوقه جنوناً، هذا ما فكر فيه المعماري خافيير إف. بونس، وهو يدرس الوضع الذي أصاب العالم، والإحصائيات التي تشير إلى إن الكثافة السكانية في العالم سوف تحطّم رقم الـ9.6 مليار إنسان بحلول العام 2050، ولكي نطعم كل هذه الأفواه، نحتاج إلى زيادة إنتاج الغذاء بمقدار 70 بالمئة.

لكن هذه الحاجة الملحة يقابلها شح متزايد في المياه، الحقيقة المرعبة هو إن ثلث إنتاجنا الغذائي حالياً يحدث في أماكن مهددة بنفاد المياه كما أشار معهد الموارد العالمي، في ظل أرض مدمرة وتغير مناخي مخيف ومستقبل مظلم، مع مشكلة أخرى كبيرة تتمثل في نقل كميات ضخمة من الغذاء للمدن الكبرى بما في ذلك من تكلفة مالية وبيئية.

هنا فكر بونس: معظمها مجاور للماء، ماذا لو استغللنا ذلك لجعل الطعام في متناول اليد؟ من هنا ظهرت فكرة “المزارع العائمة” لأول مرة.

 

 

مجلة Designboom التي تعد أحد أهم المئة المؤثرين في التصميم في العالم، اختارت المشروع كواحد من أفضل مشروعات 2015 التي يحركها دافع الحفاظ على المجتمع، وقد قال السيد بونس، أنه أصبح مهتماً باستخدام معرفته المعمارية في مشروع إنقاذي بعد أن قام بالأبحاث وشاهد الكثير من الأفلام الوثائقية حول مستقبل البشرية.

ويعتقد بونس، أن “المزارع العائمة” قد تكون من أفضل الاختيارات المستقبلية للمدن ذات الكثافة السكانية العالية، حيث توجد أعلى احتياجات الطعام، فمن بين أكبر 35 مدينة في العالم، بها أكثر من عشرة ملايين إنسان، تطل 25 منها على مياه بحر أو نهر أو حتى بحيرات، مثل نيويورك وجاكرتا ولاغوس وطوكيو وشانغهاي، أيضاً هناك مدن كبيرة قريبة مثل سياتل وسنغافورة، بالإضافة إلى القاهرة ودبي والدوحة وأبو ظبي والبحرين وإسطنبول ومدن أخرى.

أقدم مما نتخيل: ليست أول مرة يشاهد فيها التاريخ هذه التحفة الغريبة

مع أن الفكرة تبدو حداثية جداً، إلا إنها تنتمي إلى ماضٍ بعيد، عندما اعتمد عليها الآزتيك في القرن الرابع عشر في إطعام ما وصل إلى 230 ألف إنسان، وحولوا معظم بحيرة “زوتشيميلكو” إلى حديقة واحدة كبيرة عائمة، وقد سميت أيضاً باسم مشابه هو “الحدائق العائمة”، بنيت فيها جزر صناعية على بحيرات المياه العذبة باستخدام طبقات من النباتات والطين.

هذه البيئة الرطبة سمحت بحدوث دورة من التحلل والري الذي يسمد التربة، ويعطيها وسطاً مناسباً للزراعة، كما إن المهندس المعماري لم يحتج لاختراع تقنية بناء جديدة، فقد استلهم التصميم المستطيل من شبكات مزارع السمك العائمة التقليدية في آسيا، التي تسمح بأكبر قدر ممكن من الإنتاج.

ليست مشهداً في فيلم خيال علمي.. كيف تتحقّق المزارع العائمة؟

الفكرة المعمارية المبتكرة تضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، فهي تحصد طاقة الشمس والمحاصيل الزراعية والأسماك، في تصميم واحد متكامل يخدم بعضه بعضاً، فهو يتكون من ثلاثة طوابق، الطابق السفلي مصمم لكي يمكن العمال فيه على اصطياد ما يصل إلى 1.7 مليون سمكة في السنة الواحدة، هذا الطابق سوف يحتوي أيضاً على حواجز ضد الأمواج، وأرصفة للقوارب، وأماكن للتخزين.

الطابق الثاني مصمم للزراعة المائية، والتي تستفيد من الطابق السمكي بالأسفل في الحصول على فضلات الأسماك والتي يتم إعادة تدويرها لتخصيب المحاصيل، فهي تتميز عن أسمدة فضلات الحيوانات في أنها لا تستغرق أشهراً للتكسر، كما إنها تدعم النبات بسرعة، بمكونات غذائية دقيقة مثل الفوسفور والبوتاسيوم، وفي نفس الوقت تمثل فضلات الزراعة غذاء للأسماك، لتكون دائرة نفعية متبادلة بين الطابقين.

 

 

وتعتمد الزراعة المائية على الماء الغني بالمغذيات مع قاعدة تحتوي على الألياف الصخرية أو ألياف جوز الهند، أو الطين كبديل عن استخدام التربة، لإطعام النباتات والمحاصيل، دون أن يحتاج إلى مطر أو حتى أرض خصبة، فقط مياه معالجة. أما الطابق الأخير هو مصنع للطاقة الشمسية، مع تجهيزات لضبط المناخ في المكان، بالإضافة إلى وسائل للري.

قد يضاف للتصميم محطة لتحلية المياه إن كانت تطفو فوق سطح البحر المالح، أو مصنع لمعالجة الأسماك وتعليبها، أو توربينات رياح أو أمواج للاستفادة بمصادر إضافية للطاقة، مع حماية خاصة للبارجة بأكملها من البحار وسوء الأحوال الجوية عبر حاميات من الموج قابلة للنفخ، كل تفصيلة تصب في صالح كون “المزرعة العائمة الذكية”، كياناً قائماً بذاته.

هذه الضربة الثلاثية التي تقوم بها المزارع العائمة مثيرة للتفاؤل في الحقيقة، وقد قدر ما سيقدمه المشروع بـ8152 طناً من الخضروات و1703 أطنان من الأسماك سنوياً، ستكون قادرة بهذه الطريقة على إطعام الناس طوال أيام السنة دون انقطاع، بغض النظر عن ندرة المياه أو الجفاف أو حتى الكوارث الطبيعية.

هل يمكنني أن أنظر من شرفتي في القاهرة أو إسطنبول لأراها يوماً ما؟

صحيح إن “المزارع العائمة” ما تزال فكرة لم تظهر في الواقع بعد، لكن مؤسس ورئيس تحرير المجلة الزراعية الشهيرة Indie Farmer، السيد نيجل آكيهورست، يعتقد إنها سوف تبنى يوماً ما، وتصبح مشروعاً تجارياً له ثقله في عالم الأعمال الزراعية.

وقال آكيهورست، إن المشروع يبدو مبالغاً في الطموح من ناحية دراسات الجدوى، لكن، إذا تخيلت أمامك على الطاولة طبق سلطة خضروات تمت زراعتها بشكل مائي، وفكرت في الأمر، فإن “المزارع العائمة” تقدم لنا طريقة مستدامة للحصول على طعام بشكل محلي ودائم، وصحي.

السيد بونس قال إن الأمر “بدأ كفكرة”، والآن أصبح من المحتمل أن تتحول الفكرة إلى حقيقة، مضيفاً أنه “لا يستطيع أن يقول المزيد في الوقت الحالي”، مما يتركنا في حالة من التساؤل، عما إن كان بإمكاننا مشاهدة هذه التحفة العائمة يوماً ما في مرمى أبصارنا أم لا؟.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى