دعا المدير الإقليمي “لمنظمة الصحة العالمية” في منطقة الشرق الأوسط الدكتور “حسين عبد الرازق الجزائري” إلى إطلاق حملة بعنوان “لا ملاريا بعد اليوم في العالم العربي” لمكافحة انتشار المرض الذي يصيب 500 مليون شخص على مستوى العالم ويقتل طفلا كل 30 ثانية في أفريقيا.
وقال الدكتور ” الجزائري” : إن الهدف من إطلاق الحملة هو القضاء على ” الملاريا” أحد أكثر الأمراض فتكا في تاريخ البشرية ، وإعلان المنطقة العربية منطقة خالية من المرض، مشيرا إلى نجاح المملكة العربية السعودية والإمارات وعمان من تقليص أعداد المصابين بالمرض الذي يطلق عليه الأطباء ” القاتل الصامت” وأن اليمن هي أكثر الدول العربية عرضة لهذا المرض القاتل.
وكان تقرير ” لمنظمة الصحة العالمية” قد ذكر أن نحو 248 مليون شخص في الشرق الأوسط يعيشون في مناطق محفوفة بخطر الملاريا بدرجات متفاوتة، وإن كانت حالات الإصابة التي تم الإبلاغ عنها تتناقص عاما بعد عام، ففي 2001م كان عدد الحالات 6.1 مليون إصابة ، وفي عام 2003م تراجع العدد إلى 4.5 مليونا ، ثم تناقص إلى 2.7 مليون إصابة في عام 2005م.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات حول أعداد المصابين في الشرق الأوسط في الوقت الراهن، فإن المنظمات الدولية تؤكد أن المرض في تراجع مستمر نظرا للجهود التي تبذلها المؤسسات الصحية الوطنية والعالمية، حيث نجحت دول شمال أفريقيا في القضاء شبه التام على الملاريا، كما أن بعض الدول الخليجية أطلقت برامج صحية طموحة للقضاء على المرض نهائيا بحلول عام 2012 م على أقصى تقدير.
من المعلوم أن الملاريا تنتقل إلى الإنسان عن طريق البعوض، وبالتحديد عن طريق نوع معين من أنثى بعوض ” الآنوفيلاس” الذي يعيش في البرك والمستنقعات ومجاري المياه الملوثة بالصرف الصحي، ويلزم أن يكون البعوض نفسه مصابا بطور غير ناضج من الطفيليات حتى يصاب يلدغه بالمرض، وتنتمي هذه الطفيليات المسببة للملاريا بين البشر إلى أربع فصائل من النوع وحيد الخلية، وكل طفيل منها يعيش فترة من حياته داخل البعوض الناقل وفترة أخرى داخل جسم المصاب، ومن ثم يتطور إلى مرحلة النضج التي تسبب المرض الفتاك، حيث تظهر على المريض خلال أقل من أسبوعين أعراض حادة تتمثل في الصداع والارتفاع المفاجئ في درجة حرارة الجسم، يليها شعور بالقشعريرة والغثيان والقيء المستمر.
تتكاثر الطفيليات الملاريا بسرعة مذهلة في الكبد، ثم تظهر في خلايا الدم الحمراء، وفي تلك المرحلة تزداد حالة المريض سوءا، حيث تتعرض كريات الدم للتلف يوما بعد يوم، وتقوم الطفيليات بمهاجمة الجسم بضراوة، وتؤدي إلى انسداد الشعيرات الدموية التي تحمل الدم إلى الدماغ وإلى باقي الأعضاء، فيكون الموت المحقق هو مصير المريض إذا لم يعالج بالأمصال المضادة في الوقت المناسب، كما أن لدغات البعوض نفسه المصاب قد تنقل المرض إلى المحيطين به ليبدأ المرض دورة جديدة مع ضحية أخرى وهكذا.
على الرغم من أن الملاريا واحد من أكثر الأمراض خطورة في العالم الآن، حيث تبلغ نسبة الوفيات بالملاريا ثلاثة أضعاف الوفيات بالإيدز، إلا أن الاستثمارات العالمية في مجال البحث عن لقاح للمرض لا تتجاوز 79 مليون دولار، وإن كانت الأبحاث في مجال البحث عن علاجات للملاريا تسجل نجاحات جديدة كل يوم.
وفي أحدث تقرير لها أشارت ” منظمة الصحة العالمية” إلى أنها تقود جهودا علمية حثيثة لإيجاد لقاح فعال ضد الملاريا، الذي يتسبب في وفاة نحو مليون شخص سنويا 90% منهم من بلدان جنوب الصحراء الأفريقية الأكثر فقرا في العالم، وقالت المنظمة إن اللقاح الجديد سيكون متاحا للاستخدام على نطاق عالمي بحلول عام 2015م وهو ما يؤكد مدى التقاعس العالمي عن إيجاد اللقاحات المناسبة للمرض الذي يعد واحدا من أقدم الأمراض في تاريخ البشرية.
وفي هذا الصدد ذكرت دورية ” لانست” الطبية العالمية أن فريقا طبيا اسبانيا من جامعة برشلونة نجح في تطوير لقاح جديد للملاريا بالتعاون مع شركة ” جلاكسو” للأدوية، وأبعد ذلك تجارب ناجحة على 2022 طفلا في موزامبيق، تبين خلالها أن اللقاح الجديد تصل فعاليته إلى 58% وهي ليست نسبة عالية بالمقاييس الطبية ولكنها نسبة معقولة بمقاييس الأمر الواقع، حيث تسبب الملاريا في وفاة طفلين كل دقيقة تقريبا في موزامبيق، ومع الأخذ في الاعتبار أنه لا يوجد الآن لقاح فعال بنسبة 100 % ضد المرض الذي يهدد مواطن 107 دولة حول العالم.
والمثير في هذا السياق هو التحذيرات التي أطلقتها “لجمعية الطبية البريطانية” مؤخرا وأثارت جدلا طبيا واسعا في بريطانيا، ومفادها أن التغيرات المناخية التي تشهدها الكرة الأرضية قد تكون سببا في ظهور الملاريا في المملكة المتحدة لأول مرة في التاريخ، وأن المرض سيظهر – بشكل مؤكد – في دول أوروبا الجنوبية المطلة على البحر المتوسط، خاصة بعد تحول الأخير إلى بحيرة ملوثة بالصرف الصحي والصناعي بمعدلات غير مسبوقة.
لأول مرة منذ مطلع القرن الماضي يضع العلماء خارطة لمرض الملاريا على مستوى العالم، حيث سبق أن وضع العلماء الروس عام 1900م خارطة مماثلة للمرض منذ بداية القرن حتى عام 1950م ، وأظهرت الخارطة الجديدة أن نحو 90% من المرضى في العالم يعيشون في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، وأن دولا مثل نيجيريا والسودان وبنين وموزامبيق وكينيا من أعلى الدول في معدلات الإصابة ، وهو ما يعني أنها معرضة أيضا أكثر من غيرها لاحتمالات تحول المرض إلى مشكلة وبائية، كما أظهرت أن الهند وأندونيسيا وسورينام مازالت من أكثر الدول تعرضا لخطر الملاريا على مستوى العالم.
أما الدول العربية التي أظهرتها الخارطة العالمية للملاريا – على الترتيب- السودان والصومال واليمن ، حيث أظهرت الأرقام أن محافظة ” الحديدة ” اليمنية واحدة من أكثر مناطق العالم خطرا، في هذا الصدد، فيما شهدت المملكة العربية السعودية، تراجعا ملموسا في عدد حالات الملاريا خلال الأعوام الخمسة الماضية، وأن المملكة في سبيلها للتخلص نهائيا من المرض خلال الفترة المقبلة، فيما نجحت جهود إماراتية وعمانية مكثفة في مكافحة المرض بشكل فعال.
وبناء على هذه الخارطة العالمية الجديدة للملاريا التي تغطي احتمالات الإصابة بالمرض حتى عام 2045 م ، أسست 60 منظمة صحية دولية النسبة الأكبر منها في الولايات المتحدة الأمريكية شبكة أطلقت عليها “لا ملاريا بعد اليوم” ونجحت الشبكة التي تأسست في نيويورك مطلع العام الماضي 2007م ، في جمع تبرعات ضخمة وصلت إلى 1.2 بليون دولار، لمكافحة الملاريا في 15 دولة أفريقية على مدى الخمس سنوات القادمة، وهي خطة صحية طموحة تتبناها منظمات إنسانية أمريكية ودولية، توجه جهودها نحو تمويل الأبحاث الجديدة في هذا الميدان، فضلا عن توزيع الأدوية والمبيدات الحشرية مجانا على الفقراء في أفريقيا الوسطى.
وأسفرت جهود شبكة ” لا ملاريا بعد اليوم” عن ظهور آمال جديدة تعزز سعي البشرية للقضاء على ” القاتل الصامت” بشكل نهائي في العالم، فقد نجح الباحثون ” بالمعهد القومي المتخصص للصحة ” في واشنطن ، في إنتاج مصل تجريبي يمكنه الحد من انتشار الملاريا والقضاء عليها قضاء مبرما في غضون الثلاثين عاما المقبلة، وذلك حسب تصريحات أدلى بها مسئولون في الشبكة ولم تؤيدها ” منظمة الصحة العالمية” تماما.
وذكر الباحثون في المعهد الأمريكي أن المصل الجديد يعمل على تحصين الشخص ضد المرض، وعلى قتل طفيل الملاريا داخل البعوض الناقل في نفس الوقت، إذ يستهدف اللقاح نوعا من البروتين المسمى “بي إف إس 25″ باستخدام تكنولوجيا أطلقوا عليها اسم ” التكنولوجيا المزدوجة” وهو أسلوب يزاوج جزئيات يصعب على الجهاز المناعي التعرف إليها، وجزئيات أخرى تستطيع المناعة البشرية التوافق معها بسهولة، حيث يتم حقن المريض أو المعرض للإصابة بالمصل ، حتى إذا تعرض للدغة بعوضة ” الآنوفيلاس” يتكفل المصل تقبل الطفيل المسبب للمرض في لعابها، وهكذا يكسب الجسم مناعة ويقضي على الملاريا في وقت معا.
ورغم ذلك يشكك بعض العلماء في نتائج الأبحاث الأمريكية، مثلما يشككون في الأرقام التي توردها ” منظمة الصحة العالمية” نفسها حول أعداد المصابين بالملاريا في العالم، فقد توصلت دراسة أجريت مؤخرا في جامعة ” اكسفورد ” البريطانية العريقة، إلى أن الأعداد الحقيقية لمرض الملاريا حول العالم قد تصل إلى ضعف العدد المعلن عنه (500 مليون شخص) لأن معظم المصابين خاصة في الدول الأفريقية الفقيرة يلقون حتفهم في صمت، من دون مراجعة المراكز الطبية في الغالب ، كما أن بعض الدول تفرض حظرا على الأرقام الحقيقية خوفا على مواردها الاقتصادية مثل السياحةن فضلا عن أن التقديرات العالمية حول الإصابات في جنوب شرق آسيا تبدو منخفضة بشكل مثير للدهشة ، رغم أن بعض الدول مثل أندونيسيا يمكن اعتبارها مناطق شبه موبؤة، ونصحت الدراسة بضرورة معرفة الأعداد الحقيقية للمصابين بالملاريا، قبل الشروع في أي تدابير عالمية للقضاء على هذا المرض بشكل جاد.
صلاح عبد الصبور