المجلةحلول مبتكرة

الهندسة الاجتماعية وتجميع المياه من الهواء

  

الهندسة الاجتماعية

وحصاد الماء من الهواء

بقلم : د. مجدي سعيد

الهندسة الاجتماعية .. حينما سئل بوكر ت. واشنطن Booker T. Washington أحد قادة الجيل الأول الذي خرج من العبودية من الأمريكيين من أصول أفريقية عن أهم وسائل إخراجهم من الحالة المزرية التي كانوا يعيشون فيها أجاب بأنها: التعليم والريادة. هاهنا في هذا المقال نقدم نموذجا لما يمكن للتعليم والريادة أن يفعلا في حل المشكلات المزمنة للمجتمعات، من خلال ترجمة لتقرير حديث تناول ابتكارا لحل مشكلة المجتمعات المحرومة من الوصول للمياه الصالحة للشرب:

حينما زار المصمم الإيطالي أرتورو فيتوري والمعماري السويسري أندرياس فوجلار إثيوبيا للمرة الأولى عام 2012 أصيبوا بالصدمة لدى علمهم بأن النساء والأطفال يضطرون للسير عدة أميال كي يحصلوا على الماء، إذ أن 34% فقط من الإثيوبيون هم من يمكنهم الحصول على إمدادات للمياه يمكن الاعتماد عليها، وأن بعضهم يسافر لمسافة قد تصل إلى ستة أميال كي يجلبوا بعض الماء، أما ما هو أسوأ من ذلك، فهو أن البعض الآخر يضطر لاستخدام مياه البرك الراكدة الملوثة بالمخلفات الآدمية، مما يتسبب في انتشار الأمراض.

هناك على مستوى العالم ما يقرب من 768 مليون إنسان – أي ما يقارب ضعف سكان الولايات المتحدة – ليس لديهم إمكانية للحصول على مياه شرب مأمونة، ومن ثم عليك أن تتخيل كم سيسعدهم إمكانية أن يحصدوا الماء من الهواء.

هذا ما فكر فيه كل من فيتوري وفوجلار عندما تبينا حجم المشكلة وتعاهدا على أن يسعيا لحلها، ومن ثم خرجت شركتهما “أركتيكتشر آند فيجن” Architecture and Vision بالابتكار المسمى “واركا ووتر” WarkaWater وهو اسم مأخوذ من اسم شجرة التين الإثيوبية، وهو بناء يشبه النخل الشامخ، أو يشبه تصميما مما يمكن أن تره في متحف للفن الحديث، لكنه مصمم كي يقوم بحصاد الماء من الهواء.

يتكون بناء واركا ووتر من إطار يمتد على ارتفاع ثلاثين قدما من البامبو يحتوي على شبكة من النايلون لحصاد الضباب، والتي يمكن إنزالها بسهولة لإصلاحها، ولكي تتمكن المجتمعات من قياس مستوى الماء. لا تكاد تقنية تكثيف الماء من الهواء أن تكون أمرا جديدا، لكن مبتكرو واركاووتر يرون أن التصميم المستلهم من الأشجار أكثر فاعلية، حيث أنه يعظم من مساحة السطح المكثف للماء ويحسن من كل زاوية كي يجمع ما يقرب من 26 جالون من الماء الصالح للشرب يوميا، وهو ما يكفي لأسرة من سبعة أفراد.

العديد من المحاولات الفاشلة التي قامت بها جماعات الإغاثة:

ظلت المنظمات الغربية تسعى لتوفير مياه الشرب النقية لأفريقيا لعقود طويلة، ومن ثم فإن واركاووتر تنضم لقائمة طويلة من المحاولات، وحتى الآن فإن الحلول عالية التقنية مثل البلايبامب Playpump (وهي هجين من المحاولات الأولى للمضخات) قد ثبت فشلها، وذلك ناتج في الأغلب عن تكلفتها العالية وصيانتها الصعبة. وهي المشكلات التي تجعل من واركاووتر حلا متميزا، كونه يتحل مرتبة أقل في سلم التعقد التقني مما يجعله أيسر في الصيانة، وذو أسعار أقل بكثير من تكلفة حفر الآبار في التربة الإثيوبية الصخرية. فكل واركاووتر تكلف 550 دولار – مقارنة بـ 14 ألف دولار تتكلفها كل مضخة من نوع البلايبامب، ويقول المصممون أن السعر سيقل كثيرا عندما يبدأون في الإنتاج الكمي. تحتاج كل وحدة من الواركاووتر لثلاثة أيام وستة من الأيدي العاملة لتركيبها ولا تحتاج إلى مايكنات خاصة أو سقالات لتثبيتها.

وعندما يكون لدى أفراد المجتمعات الدراية الكافية بالتركيب سيكون في مقدورهم تعليم القرى والمجتمعات الأخرى بناء أبراج الواركاووتر كما يقول فيتوري، والذي يعمل حاليا على تصميم الموديل الثاني من واركاووتر وهو نسخة مطورة تحتوي على ألواح شمسية ومصابيح من نوع الصمام الثنائي الباعث للضوء، وذلك كي يتم توفير الإضاءة في أوقات الظلام.

تقوم الشركة حاليا بحملة لجمع الأموال لتركيب أبراج حصاد الماء في أثيوبيا العام القادم (حيث تم تركيب عدد قليل من الوحدات حاليا بشكل تجريبي)، ويمكن لأبراج واركاووتر أن تكون مفيدة في أماكن أخرى أيضا كالصحاري، والتي تتسم بسمة أساسية في تكثيف الماء، حيث يحدث تغير جذري في درجات الحرارة بين الليل والنهار.

لا شك أن هذا الاختراع المتميز غير قادر على حل كل مشكلات المياه في العالم، لكنه بلا شك قادر على تحسين قدرة الوصول إلى بضع قطرات من الماء تبل الحلوق التي جفت من شحه.

***

على الرغم من أن التقرير المترجم هنا ملهم بشكل كبير، إلا أنه يثير عددا من التساؤلات: لماذا تنتظر مجتمعاتنا أن يأتي الغرب والغربيون ليحلوا لنا مشكلاتنا، ويستثمروا علمهم وابتكاراتهم وأموالهم في حل مشكلات مجتمعاتنا الفقيرة؟ ألا يمكن لجيوش المهندسين المتخرجين في بلادنا أن يكون لهم دور في تنمية مجتمعاتهم من هذا الباب، باب الهندسة الاجتماعية والتي تعني أن تكون الهندسة والابتكار والاختراع في خدمة حل المشكلات الملحة للمجتمعات؟ ألا يمكن أن يتعاون هذا الصنف المفتقد من المهندسين مع الجمعيات الخيرية الكثيرة في مجتمعاتنا لتقديم حلول ابتكارية لمشكلاتها المزمنة؟ ألا يمكننا أن نبدع حتى منظومات اقتصادية من نوع شركات الأعمال الاجتماعية Social Business لتقديم حلول للمشكلات الاجتماعية التي تحتاج ابتكارات وإبداعات واستثمار أموال، يمكن أن ترد إلى أصحابها خلال مدة معينة على مثال النموذج الذي ابتكره البروفيسور محمد يونس، لتكون بديلا أو شريكا معاصرا للجمعيات الخيرية في مساعدة المجتمعات على حل مشكلاتها؟

 

 

طالع التقرير الأصلي عن الهندسة الاجتماعية باللغة الإنجليزية، وشاهد التصميم:

 

 

صفحة الدكتور مجدي سعيد على الفيسبوك

الهندسة الاجتماعية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى