كان عمرها 6 أعوام فقط عندما أمسكت بالقلم لتكتب أول قصة قصيرة في حياتها، عن طفل يتيم يصارع الحياة وحيدا، ومنذ تلك اللحظة الفارقة في مشوارها الأدبي كان رهانها على المستقبل رهانا على الطفل العربي وحده!
إنها الأديبة الأردنية د. سناء شعلان صاحبة سلسلة ” الذين أضاءوا الدّرب” المشروع الثقافي العملاق الذي يسعى إلى تقديم أدب للطفل المسلم، يراعي ذوقه، ويحترم وعيه وخصوصيته، ويسمح لخياله بالتحليق دون أن يقطعه عن تاريخه أو حضارته أو دينه أو أمته، ولا يجعله يعيش في خيال مضلّل مبني على الجهل والمغالطات والأخطاء، بل هو أدب يقدّم للطفل ليربط ماضيه مع حاضره، ويوقظ داخله مشاعر الاعتزاز بأمته، ويحثّه على استنهاض روح العمل والاقتداء بالآباء والأسلاف من العلماء.
اسمها بالكامل سناء كامل أحمد شعلان، حاصلة على درجة البكالوريوس في اللّغة العربيّة من “جامعة اليرموك” ودرجة الماجستير في الأدب الحديث من “الجامعة الأردنيّة”، ثم الدّكتوراه في اللّغة العربيّة من نفس الجامعة صدر لها العديد من الأعمال الأدبية والنقدية أهمها كتاب نقدي بعنوان “السّرد الغرائبي والعجائبي” ورواية بعنوان “السّقوط في الشّمس”، ومجموعة قصصيّة بعنوان “الجدار الزجاجي” وكتاب بعنوان “دور جلالة الملك في مكافحة الإرهاب: تفجيرات عمان في قصص”.ومجموعة قصصية بعنوان “قافلة العطش”، صادرة عن أمانة عمان الكبرى وغيرها الكثير من الأعمال الإبداعية التي تتميز بسهولة الأسلوب وعمق الفكرة.
بدأت الشعلان تجربتها الأولى في الكتابة للطفل وهي لا تزال طفلة لا يتجاوز عمرها التسع سنوات، وكتبتُ أعمالاً لازالت تحتفظ بها حتى الآن، ومنها (الآلهة الحمقاء) و(سرّ جزيرة الجان) و(عازفة القانون) وتنوي الشعلان إعادة نشر هذه القصص على اعتبار أنّها “أدب أطفال كتبه أطفال”، دون أن تغير فيها أيّ شيء سوى إعادة تحريرها من الأخطاء النحوية والإملائية، وترى الشعلان أنها ستكون تجربة جديدة وجريئة.
أمّا تجربتها الثانية مع الكتابة للطفل، فجاءت بعد أن تجاوزت سنّ الطفولة، فبدأت خلال المرحلة الجامعية بالكتابة من جديد للصغار، وكان ذلك لإيمانها العميق بأنّ الكتابة للطفل هي أخطر كتابة على الإطلاق، وعلى عاتقها تقع مهمة بناء مفاهيم جيل جديد، وهيكلة بنية فكرية مستقبلية للأمّة، وبذا تغدو الكتابة للطفل أرضية فكرية لبناء المستقبل.
وكان حلم حياتها هو وضع عمل كبير للطفل وقد تحقق حلمها بسلسلة “الذين أضاءوا الدرب” وهي مشروع لربط الماضي بالحاضر ولد بالشراكة مع نادي “الجسرة الثقافي الاجتماعي” في قطر، والسلسلة تحرص على تقديم شخصيات خالدة قدّمت الكثير والمميز في حقول المعرفة والعلم والرّيادة الإنسانية، والتي لم تقدم كما يجب في قصصٍ الأطفال، وبات من الواجب أن تُقدّم لهم في قصص تراعي ذوقهم ومفاهيمهم ، كذلك تُعنى قصص السّلسلة بتعزيز الكثير من القيم الايجابية، وتحّث عليها، مثل: الإيمان بالله، الصبر، الإخلاص، الشجاعة، التصميم والإرادة، العمل الصادق، حبّ العلم، حبّ الوطن والأهل، التعاون، المغامرة، الاكتشاف، وسواها من القيم النبيلة.
والسّلسلة تطمح إلى أن تقدّم في مرحلتها الأولى ألف قصة عبر خطة زمنية تمتدّ إلى سنوات ، ويأخذ “نادي الجسرة” على عاتقه إصدار جميع قصصها، مشفوعة بالشكل الأنيق والرّسم الجميل الذي يجذب الطفل إلى المجموعة، ويفتح عقله على التخيّل، فهي تعتمد أسلوب تقديم معجم مفسّر للكلمات الجديدة التي تستخدم في القص؛ بغية إثراء معجم الطفل اللغوي، وتعريفه بالكلمات، وقد صدرت ثلاث قصص من السلسلة، وهي: العزُّ بن عبد السّلام، و”زرياب: معلم الناس والمروءة” و “عباس بن فرناس: حكيم الأندلس”. وسيصدر منها المزيد قريبا.
عن أسباب تركيزها على أدب الطفل تقول الشعلان: ” هي قضية أولويات حيوية، فالمستقبل مرهون بالطفل العربي لاسيما في ضوء واقع مأزوم بالتحديات والعقبات، وأمتنا تتعرّض لتحديات مصيرية، وعلينا أن نحسن إعداد رهان المستقبل، وهو رهان الإنسان، ثم أنّ الطفل العربي له خصوصيته شأنه شأن أيّ طفل في العالم، ومن الواجب أخذ هذه الخصوصية بعين الاعتبار عندما نكون في معرض تقديم أدب له”.
وحصلت الشعلان على جائزة “أنجال هزاع آل نهيان” لأدب الأطفال في دورتها العاشرة عن قصة “صاحب القلب الذهبي” للعام 2007م وعن هذه الجائزة تقول: “نافستُ عليها على المستوى العربي، والمنافسة كانت شديدة ومع أسماء مهمة وبإقبال منقطع النظير على المشاركة فيها، لذلك كان فوزي بها هو فخر كبير لي، لاسيما أنّ هذا الفوز يكفل لقصتي إطلالة قوية على مشهد الإبداع للطفل العربي، فمؤسسة الجائزة مؤسسة غير ربحية، هدفها الثقافة والإفادة أولاً وأخيراً، فهي تنشر العمل بأسلوب راق، وبإخراج ضمن أعلى معايير الجودة، وتضمن له النشر والتوزيع ضمن أوسع رقعه، فتكفل وصول العمل إلى أكبر شريحة من الأطفال، الأمر الذي يعني أن يحقق العمل أهم أهدافه”.
وترى الأديبة أن أدب الأطفال برمته في الوطن العربي لا يزال في طور المخاض، ولا يزال يعاني من القصور والأزمات والمشاكل المرتبطة بكثير من الأسباب والظروف والمعطيات المتعلّقة به، ولابدّ للمبدع من أن يتحلّى بالثقافة الواسعة والمهارة في تتبّع كلّ جديد كي يستطيع أن يواكب معطيات الطفل المعاصر، ويفكّر بطريقته، ويعاين ظروفه وأحلامه، ويعرف مزالقه وثغرات عالمه ليتدخّل في الوقت المناسب، ويقدّم إبداعه، لا كشكلٍ من التسلية والترفيه، بل كشكلٍ من المعرفة والنماء وطريقة للتفكير في المشاكل، والتعاطي مع الظروف، وتفهّم الذات.
فكاتب الأطفال –حسب وجهة نظرها- غالباً ما يكون أسيراً لنضجه، فيكون ما يقدمه للطفل نموذجاً لوعيه وثقافته هو، ويسقط كلّ ذلك على الطفل، وينسى -دون قصد- الفجوة المعرفية والإدراكية والشعورية بينه وبين الطفل، والأجدد أن يكون المبدع مسكوناً بطفله الداخلي الذي لا يفارقه أبداً، ليرى ويسمع ويفرح ويحزن بقلب طفل وبعقل راشد.
حازت الشعلان العديد من الجوائز الأدبية والإبداعية الأخرى منها جائزة “جمعية الثقافة والفنون” السعودية في دورتها للعام 2008 عن مسرحية” دعوة على العشاء” وجائزة مجلة “ملامح ثقافية” للعام 2008 في حقل المجموعة القصصية المخطوطة عن مجموعتها القصصية “عام النّمل” وجائزة مجلة “سيدتي” لكتابة أفضل رسالة حبّ، وجائزة “الحارث بن عمير الأزدي للإبداع” في دورتها السادسة في حقل القصة القصيرة عن قصة” حكاية لكلّ الحكايا” للعام 2007م وجائزة “الجامعة الهاشمية لكتابة النص المسرحي”، عن المسرحية المخطوطة “يُحكى أنّ” للعام 2007، وجائزة “الكاتب الشّاب” من مؤسسة عبد المحسن قطان عن المجموعة القصصية “عينا خضر” للعام 2006م.
وجائزة “الناصر صلاح الدين الأيوبي” في دورتها الثالثة عن أحسن نص مسرحي بمسرحية “ضيوف المساء” للعام 2006 وجائزة “جمعية مكافحة إطلاق العيارات النارية” عن قصة “رسالة عاجلة” للعام 2006م وجائزة “الشارقة للإبداع العربي” عن مجموعتها القصصية “الكابوس”، إضافة إلى عشرات الجوائز الأخرى.
وهكذا طفلنا في جولة قصيرة لم تف الحق لأديبة تعتبر من أبرز الأدباء الشباب في العالم العربي برمته، فهي من قدمت الأدب غير الملوث ولا المشوه للناشئة العرب والمسلمين، والتي حرصت من خلال قصصها على تقديم شخصيات خالدة قدّمت الكثير والمميز في حقول المعرفة والعلم والريادة الإنسانية، هادفة إلى تعزيز الكثير من القيم الإيجابية السامية.