المجلةبنك المعلومات

لو كان الفقر رجلاً لكانت تتزوج منه متجاهلة المحاصيل الاقتصادية

يلخص كثير من الأمثال الشعبية أزماتنا، وفي أزمة الزراعة المصرية فإن مشكلتها يلخصها مثل “مافيش فقر.. فيه قلة رأي”.

فهذا المثل فلاحي المنشأ، ويعني أن كثيرا من المشكلات لا يكون سببها الفقر، لكن ضعف البصيرة، ينطبق بشكل كبير على الزراعة المصرية؛ حيث يمكن بسهولة وبقليل من التخطيط تقليل حجم الفجوة الغذائية، وتحقيق ترشيد باستهلاك المياه في نفس الوقت، ومع ذلك فالفجوة مستمرة، وفقد المياه لا يزال مستمرا أيضا.

وكشفت دراسة للدكتورة حمدية موسى بقسم الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث عن هذه الحقيقة، وتوصلت إلى إمكانية التوسع في زراعة محاصيل معينة، والتقليل من أخرى، بما يساهم في خفض العجز بالميزان التجاري الزراعي، وتحقيق توفير في المياه.

الواقع مرير
وانطلقت د.حمدية في دراستها التي نشرت في العدد “29” من مجلة “المستقبل” التي يصدرها المركز القومي للبحوث، من تقديم رصد للواقع، الذي أقل ما يقال عنه إنه مرير ولا يبشر بخير.

وأوضحت أن هناك عجزا في الميزان التجاري الغذائي يبلغ 13.3 مليار جنيه “الدولار = 5.47 جنيهات”، ويمثل هذا العجز نحو 112% و36%  من إجمالي العجز بالميزان التجاري الزراعي، والميزان التجاري الكلي على الترتيب، وذلك خلال الفترة محل الدراسة “من 2002 إلى 2005”.

وكان مصدرَ هذا العجز -كما بينت د.حمدية- تباين واضح بين الواردات والصادرات الزراعية؛ ففي حين وصلت قيمة الصادرات الغذائية إلى نحو 3.5 مليارات جنيه، ارتفعت قيمة الواردات إلى 16.8 مليار جنيه.

الأرز والذرة
ومن الرصد العام لحجم المشكلة، انطلقت الباحثة ترصد مدى مسئولية بعض المحاصيل عن حدوثها.

وأشارت في هذا الصدد إلى أن الحبوب ومنتجاتها تحتل المرتبة الأولى، سواء في هيكل الصادرات أو الواردات الزراعية؛ حيث تمثل صادراتها نحو 32.3% من إجمالي صادرات الإنتاج النباتي، في حين تمثل وارداتها نحو 81.1%.

وبينما يحتل الأرز المرتبة الأولى من حيث كمية صادرات الحبوب؛ حيث يساهم وحده بـ 96.8% من إجمالي صادرات هذا الصنف، فقد جاءت الذرة الصفراء في مقدمة واردات هذا الصنف، وتمثل وحدها نحو 46.6% من إجمالي الواردات.

وبمقارنة نسبة الصادرات مع الواردات، حقق الأرز فائضا في الميزان التجاري يبلغ نحو 672.1 ألف طن، وينتج هذا الفائض -وفق الدراسة- من مساحة 240 ألف فدان، تستهلك نحو 1344.5 مليون متر مكعب من المياه.

يأتي ذلك بينما تحقق الذرة الصفراء عجزا بالميزان التجاري يبلغ نحو 4310.2 آلاف طن، ولسد العجز حددت الدراسة الحاجة إلى مساحة محصولية تقدر بنحو 1318.2 ألف فدان، وكمية مياه تقدر بنحو 3723.7 مليون متر مكعب.

البطاطس والزيوت
وواصلت الدراسة توضيحها مدى مسئولية بعض المحاصيل عن العجز في الميزان التجاري الزراعي، وجاءت محاصيل الخضر في المرتبة الثانية من حيث كمية صادرات الإنتاج النباتي.

وتحقق الخضر فائضا في الميزان التجاري يبلغ نحو 527.5 ألف طن، وتحتل البطاطس المرتبة الأولى في صادرات هذا الصنف، وتمثل وحدها نحو 42.4% من إجمالي صادراته، وتحقق فائضا في الميزان التجاري لمحاصيل الخضر يمثل 52% من إجمالي الفائض.

ووفقا للدراسة يأتي ذلك الفائض من مساحة محصولية تقدر بنحو 27 ألف فدان، ويستهلك كمية من المياه تقدر بنحو 64 مليون متر مكعب.

وفي المقابل تحتل الزيوت المرتبة الثانية من حيث كمية واردات الإنتاج النباتي، وتمثل وحدها نحو 5.4% من إجمالي وارداته.

ويبلغ العجز في الميزان التجاري للزيوت -كما أوضحت الدراسة- نحو 585.8 ألف طن، ويحتل زيت النخيل المرتبة الأولى من حيث كمية واردات الزيوت بنحو 34% من الإجمالي.

وكان من نتيجة ذلك عجز في الميزان التجاري لزيت النخيل حددته الدراسة بنحو 206.2 آلاف طن، وحددت أيضا مساحة محصولية تقدر بنحو 3890 ألف فدان، وكمية مياه تقدر بـ20952 مليون متر مكعب لسد هذا العجز.

نتائج وتوصيات
ومن خلال العرض السابق كانت النتيجة الأساسية التي توصلت إليها الدراسة أن هناك توسعا في محاصيل زراعية على حساب أخرى؛ مما يساهم في زيادة العجز في الميزان التجاري الزراعي.

ولم تجد الدراسة مبررا لعدم إحداث التوازن، خاصة أن المحاصيل المهدور حقها ليست مستهلكة للمياه، وأشارت في هذا الصدد إلى محصول القمح الذي يحتل المرتبة الثانية بعد الذرة الصفراء من حيث الواردات، رغم أنه والذرة ليسا من المحاصيل المستهلكة للمياه، بل إنهما يصنفان ضمن المحاصيل الأكثر كفاءة في استخدام المياه مع الكتان وبنجر السكر.

وخلصت الدراسة من ذلك إلى توصيات يمكن أن يهتدي بها واضعو السياسات الزراعية، وهي:

– خفض مساحات إنتاج البطاطس، وتوجيه مساحات منها للقمح من أجل خفض وارداته، وتقليل حجم الفجوة الغذائية.

– خفض مساحات إنتاج الأرز، وتوجيه جانب منها للذرة من أجل خفض وارداتها، والاستفادة منها لإنتاج زيت الذرة لسد فجوة الزيوت.

– زيادة مساحات إنتاج بنجر السكر لإنتاج السكر؛ حيث ينخفض استهلاكه من المياه بالمقارنة بمحصول القصب.

– التوسع في إنتاج الكتان وزيادة معدلات تصديره؛ حيث تنخفض كمية المياه اللازمة لإنتاج الطن منه، كما أنه من السلع الاقتصادية.

فهل سيلتفت واضعو السياسات لهذه التوصيات.. إن لم يحدث ذلك فسيكون الأمر أشبه باللص الذي استعذب دخول السجن، ولم يعد رادعا بالنسبة له.. ومع الفارق سنكون أشبه بمن استعذب سجن الفقر، وبدلا من أن نتخلص منه، على هدي مقولة علي بن أبي طالب الشهيرة: “لو كان الفقر رجلا لقتلته”، تزوجناه، لكنه زواج كاثوليكي لا انفصال فيه.

حازم يونس

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى