قبل ظهور ” الساعات ” في شكلها الحالي، ظهرت أدوات غريبة لمعرفة الوقت على مر العصور، وكانت الحضارات القديمة وعلى رأسها الفرعونية والبابلية والصينية، هى أول من اخترع آلات حساب الزمن، ولكن أغرب هذه الآلات علي الإطلاق ما ظهر فى الصين خلال القرن الرابع عشر الميلادي، حيث كان الناس يعتمدون فى معرفة الوقت على ساعات من ” البخور ” !
وبرع القدماء فى صناعة نماذج من الساعات لمعرفة الوقت، ورغم بدائية تلك الساعات إلا أنها تكشف عن عبقرية الأوائل، ومع تعدد الماركات العالمية والأشكال الحديثة للساعات يبدو أننا نسينا ساعات الأوائل التى كانت التقنية الأولي في انطلاق هذه الصناعة العالمية.
و” الساعة الشمسية ” هي أقدم الساعات التي كانت تعكس – ببساطة – الدورات التي تحدث في السماء ليراها الناس، وقد كانت عبارة عن دوائر عملاقة من الحجر أو أية مادة أخرى تحدد تعاقب الفصول أو حركة النجوم عن طريق ” الشواهد الصخرية”.
ويعتقد العلماء أن هذه الشواهد الصخرية، وهى مجموعات من الأحجار الضخمة القديمة وجدت فى انجلترا كانت تستخدم فى وقت ما كساعة، ففي أوقات معينة من العام تكون الشمس والقمر على خط واحد مع بعض الصخور وعندما يحدث ذلك يدرك القدماء أن فصلاً جديداً من فصول السنة قد بدأ.
ولم يخطر على بال البشر مطلقاً تقسيم الأيام إلى وحدات متساوية حتى ما يقرب من 4 آلاف سنة مضت، حينما ظهرت فكرة تقسيم اليوم إلي أربع وعشرين ساعة وربما كان ذلك عند البابليين الذين ابتكروا ” المزولة ” أو الساعة الشمسية لمعرفة الوقت، وهى عبارة عن دائرة عليها علامات تبيّن الساعات فيما بين شروق الشمس وغروبها وتغرس في وسط الدائرة ساق خشبية صغيرة حيث يقع ظلها علي العلامات ومع حركة الشمس عبر السماء يتحرك الظل مشيراً إلي الوقت.
ولم تكن ” الساعات الشمسية ” مفيدة دائماً فهي لاتعمل فى الأيام الشمسية، وحتى في تلك الأيام لو أنك أردت معرفة الوقت فإن عليك أن تبتعد خارجاً حتي لا يقع ظلك عليها ثم إن الساعات الشمسية لاتعمل ليلاً بالطبع.
وقد عرف المصريون القدماء منذ ما يقرب من 3400 سنة نوعاً جديداً هو ” الساعة المائية ” من حساب انقضاء كل اثنتي عشرة ساعة ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاءً وقد ابتكرت أول ” ساعة مائية ” في عهد أمنحتب الأول، بفضل رجل يدعى ” أمنمحات ” وكان منقوشاً بداخلها اثنا عشر سطراً رأسياً، بها أحد عشر ثقباً زائفاً، تختلف بينها المسافات بما يناسب ساعات الليل الاثنتى عشر، وتسيل المياه من خلال ثقب بالقاع من تحت القدر المنقوش، ولمعرفة الساعة لابد من مراقبة مستوى المياه داخل الإناء عند أقرب ثقب.
أما النقوش الموجودة على الإناء من الخارج فتبين رموزاً لكواكب وأفلاك، مع قائمة بأرواح حامية لكل عشرة أيام من السبوع في التقويم المصري القديم وأما النقوش الوسطي فتسجل النجوم القطبية في شكل أرباب وحيوانات، وكانوا يبتكرون دورات يمكن استعمالها لمعرفة الوقت، فقد أدركوا أن تدفق الماء من ثقب في وعاء مملوء بالسائل يحدث بمعدل ثابت، وقد أدت هذه الفكرة إلى اختراع الساعة المائية وكان الماء في تلك الساعات المائية القديمة ينساب من ثقب قرب قاع إناء حجري وكانت العلامات المحفورة على جدران الوعاء تبين الساعات بحيث يعرف الناس الوقت بالنظر إلى كمية الماء المتبقية في الوعاء.
بدأ الناس في استعمال ” الساعات الرملية ” مع بدايات القرن الرابع عشر وكانت تلك الساعات تعمل بنفس الأسلوب تقريباً الذي تعمل به الساعات المائية، وأبسط الساعات الرملية التي تم اكتشافها تتكون من انتفاخين زجاجيين يتصلان معاً من خلال عنق صغير فتنساب الرمال من الانتفاخ العلوي إلي السفلي وعندما تنتقل كل الرمال من الجزء العلوي يدرك الناظر إليها أن فترة زمنية محددة قد مضت.
وتتكون ” الساعة الرملية ” من بصيلتين زجاجيتين، تصل بينهما فتحة صغيرة؛ وتحتوي إحداهما على حبّات من الرمل الجاف، الناعم، الدقيق. ويستغرق الرمل ساعة كاملة بالضبط لكي ينساب من البصيلة العليا إلى السفلى. وبعد انسيابه كله من البصيلة العليا، تُقَلب الساعة الرملية، ويبدأ الرمل بالانسياب إلى البصيلة الفارغة وهكذا. وقد كانت هذه الساعات، تحتوي على الزئبق في البداية ولكن استبدل به الرمل؛ لأنه ينساب بمعدل ثبات، بصرف النظر عن الكمية التي تحتويها البصيلة.
لاتعتبر هذه الساعة أداة قياس موثوق بها، فتدفق الرمل من الحجرة العلوية للسفلية يرتبط بعدة عوامل منها : نعومة الرمل، شكل الحجرات، حجم الفتحة الواصلة بين الحجرتين ودرجة تأثرها بمرور الرمل، استقرار الساعة والوقوف العمودي لها.
وكانت بعض الساعات الرملية، تستخدم في تحديد مقدار الزمن، الذي كان على المتحدث أن يلقي حديثه فيه. وحتى بداية القرن العشرين، كان البحارة يستخدمون أداة مثل الساعة الرملية، تقيس مدة أقل من الدقيقة؛ ويمكنهم بها قياس سرعة سفنهم. وعلى الرغم من شيوع الساعة الرملية، فقد تخطاها الزمن، بعد اختراع الأنواع المختلفة من الساعات؛ فاستحالت أثراً، بين صفحات التاريخ.
ابتكر صانعو الساعات بعض أدوات التوقيت العجيبة عبر التاريخ، ففي أوائل القرن التاسع الميلادي كان لدى ألفريد الكبير وهو ملك بريطاني ساعة مصنوعة من ست شمعات طول كل منها 30 سنتيمتراً وكان الخدم في القصر يشعلون شمعة اثر الأخرى، وكان احتراق كل شمعة يتم بمعدل ثمان دقائق لكل سنتيمتر واحد وبهذا يستغرق اشتعال الست 24 ساعة.
وفي أواخر القرن الحادي عشر اخترع الصينى ” سوسونج ” ساعة تدار بواسطة ساقية وكان ارتفاع تلك الساعة 9 أمتار وتزن عدة أطنان وكانت تُبين حركة الشمس والقمر والنجوم وفي عام 1126م استولى الغزاة القادمون من الشمال على الساعة الصينية العملاقة وفكوها إلى أجزاء ثم رحلوا بها ولم يرها أحد بعد ذلك.
وفي عام 1354م أتم صانعو الساعات الفرنسيون ساعة ميكانيكية في كاتدرائية ستراتسبورج وهي موجودة الآن في فرنسا، وكانت تلك الساعة قادرة على تقديم عرض فني فبينما تعزف الأجراس نشيداً ما فإن الشخصيات الدينية تأخذ في الحركة حول الساعة، كما كان هناك ديك ميكانيكي يصيح ويرفرف بجناحيه كل ساعة ولم يتبق من تلك الساعة حالياً سوى الديك.
وكان من اغرب الطرق للتعرف على الوقت تلك التى تتم بواسطة الأنف، حدث ذلك فى الصين في أواخر القرن الرابع عشر حيث كان الناس يستخدمون ” ساعة البخور” وهي ساعة خاصة بها مجرى محفور يشبه المتاهة، يحتوي على أنواع متعددة من البخور، وكان مستخدمو الساعة يشعلون البخور عند أحد الأطراف فلا ينتهي اشتعال أحد أنواع البخور حتى تكون قد انقضت ساعة كاملة وفي كل مرة تتغير رائحة البخور يدرك الناس أن ساعة قد مضت.
وبدأ ظهور الساعات كما نعهدها الآن عام 1656م عندما بنى مخترع هولندي هو كرستيان هايجنز ساعة ببندول وقد استخدمت الحركة المنتظمة للبندول الذي يتأرجح بحرية في تعيين الوقت، وتأرجح البندول عبارة عن دورة تعتمد على انتظامها أكثر مما يعتمد على الماء المتساقط أو الأثقال المعلقة، ونتيجة لذلك كانت الساعة ذات البندول دقيقة ومضبوطة مع هامش خطأ في حدود 15 ثانية في اليوم.
واستمر تطور الساعات عبر الزمن حتى صارت أكثر دقة واخترع البعض منها ما يدار بالكهرباء، وما يعمل بالذبذبات المنتظمة لبلورة ضئيلة من مادة الكوراتز أو حتى الطاقة الذرية لتعيين الوقت فقد ابتكر العالمان الانجليزيان: لويس اسن واجيه.في ال باري الساعة الذرية عام1955 حيث اكتشفا أن الذرات وهي أصغر مكونات العناصر الكيميائية تتذبذب بشكل منتظم للغاية ثم توصلا إلى طريقة تحول هذه الذبذبات الدقيقة إلى معلومات زمنية والساعة الذرية تبلغ من الدقة حداً يجعلها لا تفقد أو تكسب ثانية واحدة حتى خلال مائتي عام.
إسلام نبيل