المجلةبنك المعلومات

(شركات في دول افريقية للإستفادة من الموارد المحلية)

إعادة اكتشاف الموارد المحلية هو مصطلح صكه الأستاذ الدكتور حامد الموصلي يعبر عن منهجية في التعامل مع الموارد المحلية والتي تشمل: الخامات المحلية المتجددة ذات الأصول الطبيعية (نباتية وحيوانية)، كما يمكن أن تشمل تلك المخلفات الناتجة عن الحياة المدنية الحديثة (وهي إضافة ربما لا تركز عليها أدبيات الموصلي كونه يركز على المجتمعات الريفية والموارد الطبيعية).

 

وتشمل الموارد المحلية أيضًا المهارات المحلية في التعامل مع تلك الخامات. ومصطلح “إعادة الاكتشاف”، يقتضي بالضرورة أن يكون هناك “اكتشاف” سابق، وهو الأمر الحادث في جميع المجتمعات البشرية، والتي اعتادت على استخدام تلك الخامات بشكل تقليدي معين، يدور بها في إطار اقتصاديات الكفاف أو الفقر، وفي بعض الأحيان تكون الخبرة البشرية المتوارثة هي التعامل مع تلك الخامات باعتبارها أعباء أو مخلفات، أما إعادة الاكتشاف فتعني هنا مساعدة المجتمع من خلال العلم بالخصائص المختلفة للخامات المختلفة على ابتكار استخدامات جديدة تستثمر الخبرات المتوارثة في التعامل معها، أو تخلق خبرات جديدة في التعامل مع الخامات المهملة و/ أو المهدرة، فتعطي لها قيمة بعد أن كانت معدومة منها في نظر المجتمع، وتنقل تلك المنهجية الاستخدامات إلى مستوى أعلى من الناحية الاقتصادية بما يسهم في الإنعاش الاقتصادي للمجتمع المحلي وفي بث الحياة في الأيدي العاطلة أو الخاملة للمهارات المتوارثة، وهي العملية التي يشبهها الموصلي بـ”الحلزون الصاعد”.

 

في هذا المقال نقدم ثلاثة نماذج متنوعة في تطبيق الأوجه المختلفة لهذه المنهجية، وهي كلها نماذج من غرب إفريقيا

 

 

 

النموذج الأول

هو لتحويل مورد / خامة تمثل عبئًا على المجتمع إلى مجموعة من المنتجات عالية القيمة الاقتصادية نظرًا لأنها يدوية الصنع، وصديقة للبيئة، وهو نموذج شركة ميتيمث MitiMeth، وهي شركة نيجيرية أسستها آشينيو إديشابا Achenyo Idachaba وهي شابة مولودة في الولايات المتحدة لأبوين نيجيريين، تخصصت في علوم الحاسب، ولكنها قررت عام 2009 أن تعود إلى نيجيريا لتؤسس شركة للاستشارات البيئية، وخلال عملها لاحظت مشكلة انتشار ورد النيل في المجاري المائية والذي يتسبب في خسائر اقتصادية بإعاقة حركة صغار الصيادين في المجاري المائية، كما يقلل حصيلة الأسماك في المجرى المائي، ويعوق الحركة التجارية، والتنقلات الاجتماعية للسكان لقضاء حوائجهم، ومن ثم قامت بالبحث عبر الإنترنت عن معلومات عن ورد النيل واستخداماته المحتملة، وقد وجدت أن السكان في جنوب شرق آسيا يقومون بحصاد ورد النيل وتحويله من خلال النسج إلى أحبال تصنع منها منتجات قابلة للتسويق، ومن ثم قررت تركيز نشاط الشركة في هذا المجال، فكان أن تعرفت في أحد مجتمعات مدينة عبدان على بعض الحرفيين ذوي الخبرة في نسج نخيل الدوم، لتبدأ معهم أول أعمالها.

 

تقوم عملية الاستفادة من ورد النيل على عدة مراحل، حيث يتم حصاده أولًا، ثم تجفيفه، ثم فتله في شكل حبال، يتم استخدامها بعد ذلك في صناعة عدة منتجات تدخل أغلبها في إطار الديكورات المنزلية، وتقوم آشينيو باستخدام خبرتها في علوم الحاسب في تسويق منتجات شركتها التي وصلت إلى عشرين منتجا حتى الآن. كما تقوم الشركة بتدريب المجتمعات الموجودة في دلتا نهر النيجر (والتي من المستهدف أن تصل إلى 80 مجتمع) لتعلم عملية الحصاد والإنتاج، ساعية إلى تحويل تلك المجتمعات المحلية إلى تعاونيات إنتاجية تقوم العلاقة معها على المشاركة في التوزيع، وتقاسم تكاليف تطوير المنتجات والتدريب مع المجتمعات.

 

 

 

النموذج الثاني

هو لاستخدام مورد / خامة ما استخدامًا جديدًا يضيف قيمة اقتصادية إليه، وهي لـ “مبادرة غانا لدراجات البامبو”، وهي شركة اجتماعية (Social enterprise) أسستها الشابة الغانية برنيس داباه Bernice Dapaah خريجة جامعة كريستيان سيرفيس في غانا، والتي بدأت مشروعها بعد تخرجها بدعم من مبادرة سيد SEED Initiative بقيمة 5 آلاف دولار، حيث وجدت أن البامبو متوافر بكثرة في غانا، وينمو في البرية ويستخدم على نحو تقليدي، لكنها قررت أن تنقل استخداماته إلى مستوى أعلى، ومن ثم قررت تصنيع هياكل الدراجات من البامبو لتساهم في حل مشكلات النقل، والفقر والبطالة، ولعدم توافر عمالة ماهرة مؤهلة لهذه الصناعة الوليدة بدأت بتوفير برامج تدريب للعمالة المحلية على تصنيعها، ثم أنشأت المصنع الأول للدراجات من البامبو والذي يعمل فيه 20 من النساء والرجال، كما يقوم 10 من المزارعين بالإشراف على زراعة 10 شجرات من البامبو في مقابل كل شجرة يتم استخدامها في صناعة الهياكل، ورعاية كل أشجار البامبو المستهدفة للاستخدام، وحصادها وتهيئتها للاستخدام، وتقوم استراتيجيتها لترسيخ تلك الصناعة البيئية الوليدة في غانا على تدريب أكبر عدد من النساء والرجال على تصنيع الهياكل في ورش مجتمعية، حيث يقوم كل حرفي بعد تدريبه بتشغيل خمسة إلى ستة آخرين في الورشة المجتمعية، ويتم توريد الهياكل إلى المصنع والمصانع الجديدة قيد الإنشاء، وعلى الرغم من أن المبادرة هي استثمار اجتماعي مستهدف للربح، إلا أنها تهدي جزءا من الإنتاج لأطفال المجتمعات المحلية الذين يعانون من بعد المسافة ما بين مدارسهم ومساكنهم. وقد حصلت المبادرة على عدد كبير من الجوائز العالمية.

 

 

 

النموذج الثالث

يعبر عن نمط مختلف لإعادة اكتشاف الموارد والخامات المحلية، وهو نمط إعادة اكتشاف ثروة مخلفات المدينة، والتي تتمثل هنا في الزجاجات البلاستيكية، والتي تمثل مشكلة بيئية لكافة مجتمعات العالم الآن. ويمثل هذا الجانب من المنهجية تجربة جمعية التنمية للطاقات المتجددة Development Association for Renewable Energies (DARE) في ولاية كادونا بنيجيريا، وهي الجمعية التي يرأسها يحيى أحمد، قام المشروع بالتعاون مع “أفريكا كوميونتي تراست” في بريطانيا، وبالاستعانة بتكنولوجيا ابتكرها الاستشاري البيئي الألماني أندرياس فروزه Andreas Froese لبناء مساكن رخيصة صديقة للبيئة باستخدام زجاجات المياه الغازية البلاستيكية. ولإدراك أهمية المشروع علينا أن نعرف أنه يتم التخلص من 3 مليون زجاجة من هذا النوع يوميا في نيجيريا (مقارنة بـ 130 مليون زجاجة يوميا في الولايات المتحدة).

 

في بداية التجربة عام 2010 استعانت الجمعية بفروزه لتدريب العمالة المحلية على التقنية الجديدة، والتي يحتاج المنزل الواحد فيها والمكون من غرفتي نوم إلى 14 ألف زجاجة لبنائه باستخدامها، حيث يتم بناء المنزل بتعبئة الزجاجات بالتراب أو الرمال، ثم يتم إمساكها سويا لبناء الجدران باستخدام خليط من الطمي والأسمنت، ثم يتم تغطيتها بالأسمنت، والذي تبنى به أعمدة المنزل أيضا. وقد حرصت الجمعية باعتبارها متخصصة في الطاقات المتجددة على أن يتم تزويد المنزل بألواح الطاقة الشمسية، كما يتم تزويده بوقود الميثان المستخرج عبر تقنية البيوجاز، عبر استخدام المخلفات الآدمية والحيوانية، ويساعد هذا النمط من بناء المساكن في حل مشكلتي مساكن الفقراء والمشردين، كما يحل مشكلة بيئية، حيث يحتاج البلاستيك لمئات الآلاف من السنين حتى يتحلل في التربة.

 

من المفيد هنا أن نشير إلى أن بلادنا صارت تمتلئ بالآلاف من الشباب الشغوف بالعلوم في جامعات مصر المختلفة، لكن هذا الشباب ما زال في مرحلة الشغف بالعلوم بشكل مجرد، وعلى سبيل الهواية والغية أو على سبيل البحث عن فرص أفضل للتحقق الذاتي الشخصي، لكن هذا الشغف لم ينتقل بعد إلى مرحلة المساهمة العلمية في حل أكبر مشكلات مصر وهي الفقر والبطالة والتهميش، والناتجة بالأساس في تقديري عن “الغربة عن الذات”، وإذا كنا قد مررنا للتو بذكرى واحدة من أشرف لحظات الوطنية المصرية، وهي ذكرى ثورة 25 يناير، فإنه وإن كانت الذكرى تذكرنا بهزيمة الثورة في مجال السياسة، فإنه قد آن لنا أن ننتصر لتلك الوطنية عبر مساهمة الشباب المتعلم في إزالة أسباب الغربة عن الذات، عبر بوابة العلم من خلال إعادة اكتشاف الموارد والخامات المحلية وفق المنهجية التي تعبر عنها تلك النماذج وغيرها من النماذج السابقة التي سبق وتناولناها في مقالات سابقة هنا.

 

(( اعادة تصنيع ))

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى